نوفل البعمري: نقاش مع عزيمان والمنوني

نوفل البعمري: نقاش مع عزيمان والمنوني نوفل البعمري

تابعت الحوار الذي أجراه مستشارا الملك لصحف أجنبية حول تخليد ذكرى عيد العرش لهذه السنة، التي تتزامن مع عشرين سنة من حكم محمد السادس، وهي مدة كافية لإعطاء نوع من التقييم لما سمي بالعهد الجديد. يبدو أن مستشاري الملك في خرجتهما قد وزعا الجوانب التي سيتطرق كل واحد منهما لفترة حكم محمد السادس، عزيمان تحدث عنها من الجانب الاجتماعي والتنموي، المنوني من الجانب السياسي وأفق الملكية في المغرب.

 

بعض ردود الفعل المتابعة لهذه التصريحات اعتبرت الأمر وكأن ما قدماه هي معطيات أو استنتاجات جديدة، وتم التعامل معها بالكثير من الاحتفاء في حين أنه ما تقدم من قراءة من طرفهما سبق أن قيل ولم يأتيا بالجديد، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي.

 

في الجانب التنموي اعتبر الأستاذ عزيمان أنه قد “تحقق الكثير من المنجزات المفيدة للبلد، لكن ثمار التنمية، خلال العشرين سنة الماضية، لم يستفد منها الجميع”، وهو تصريح ليس بالجديد في القراءة للوضع الاجتماعي ببلادنا، بل هو تأكيد لواقع معلوم نعيشه، إذا كان البعض يعتبر أن قيمته تأتي من مصدره، أي من مستشار ملكي.. فيكفي الإشارة هنا إلى كون الملك فقط ذهب لأكثر مما صرح به عزيمان الذي ظل تصريحه ماسكا للعصا من الوسط، الملك على الصعيد الرسمي وفي خطب له ساءل النموذج التنموي ببلادنا، وتساءل قبل عن الثروة التي ننتجها، ليعلن بنفسه عن فشل النموذج التنموي ويطالب الجميع بتحمل مسؤوليته، خاصة الأحزاب والسلطة التنفيذية.. ففي خطابه لافتتاح الدورة التشريعية أكتوبر 2017 أعلن صراحة عن كون "النموذج التنموي للمملكة أصبح غير قادر على تلبية احتياجات المواطن المغربي"، ليعلن عن فشل النموذج التنموي ببلادنا.. إذا قارنا تصريحات عزيمان بتصريحات الملك نفسها.. فتصريحات هذا الأخير كانت أكثر قوة في التحليل وفي الخلاصة التي وصل إليها محمد السادس كرئيس للدولة، ليظل السؤال الاجتماعي حاضرا في جل خطبه وتحركاته.

 

الإشكال هنا ليس في المؤسسة الملكية التي قامت بتشخيصها للوضع الاجتماعي وأشركت المغاربة في الخلاصة التي توصل إليها، وتوجه إليهم بشكل صريح، مباشر دون ديماغوجية ليعلن صراحة عن كون المغرب يعيش أزمة تنموية واجتماعية حقيقية، بل على العكس الإشكال موجود اليوم في السلطة التنفيذية التي لم تستطع بلورة نموذج تنموي بديل، باختيارات اجتماعية تحقق العدالة المجالية والاجتماعية وتقضي على الفوارق الاجتماعية؛ وحتى الأحزاب التي كان السؤال الاجتماعي ضمن أولويات اشتغالها، وتعتبره جزءا من معركتها السياسية، اكتفت بتنظيم ندوات وتجمعات حاشدة في إطار التفاعل اللحظي مع الخطاب، ولم تصل إلى إقرار بدائل اجتماعية تقدمها كعرض اجتماعي للدولة والمجتمع.

 

الأستاذ المنوني، المعروف بخلفيته السياسية المنتمية للحركة الاتحادية، تصريحه اتجه نحو ما هو سياسي ومؤسساتي محاولا استشراف المستقبل، مستقبل النظام السياسي في قلبه الملكية بالمغرب،.. إذا كان سؤال الملكية البرلمانية مطروحا منذ سنوات، خاصة مع المؤتمر الرابع للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان ضمن أجندته السياسية، وجزءا من معركته مع الدولة وحاملا لهذا المطلب داخل اليسار المغربي وقواه الحية، فإنه خفت لديه ولدى أغلب القوى السياسية هذا المطلب، بالرجوع لتصريح المنوني في هذا الباب فقد أكد على كون المغرب يتجه نحو الملكية البرلمانية وأن الأمر يتطلب بعض الإصلاحات، وأن "ثمة مقتضيات يلزم تجويدها"، وإذا كان لم يحدد ما نحتاج لإصلاحه للوصول لهذه الملكية البرلمانية، فهو نفسه، وفي ظل هذا الحوار، أكد كذلك على أننا "لسنا في إطار نظام يشبه الملكية الإسبانية، أو الهولندية، حيث يسود الملك دون أن يحكم، نحن في ظل نظام ملكية من نوع آخر، لكن سلطات الملك محددة”.. وتصريحه هذا واضح، إذ لا يمكن تجزيء حديثه واقتطاع جملة منه لنقول بالجزم اليقين أن المغرب سائر نحو الملكية البرلمانية وما يحتاجه الأمر هو تجويد بعض المقتضيات، وكأن إشكال التحول هو تقني أو بسيط يحتاج لبعض "التجويد فقط"!!!

 

اظن أن هذه الخلاصة، والتي تم تقديمها بهذا الشكل، هي جد مبسطة للواقع السياسي والحزبي ببلادنا.. هنا سأعود لواقعة مباشرة بعد لقائنا من طرف اللجنة الاستشارية الملكية لتعديل الدستور في إطار جلسة الاستماع التي خصصتها للشباب، كان هناك حماس كبير نحو هذا المطلب، واعتقاد أنه بمجرد انتهائنا من الجلسة سنتحول في رمشة عين لملكية برلمانية، وإن كنت لحظتها قد أكدت أن فهمنا أو فهمي لهذا المطلب لا يعني أن يظل الملك في "حالة عطالة"، أي ألا يكون له دور سياسي ومؤسساتي.. بعد تلك الجلسة كان لأحد أعضاء اللجنة، وهو الطوزي، حوار أعلن فيه عن صعوبة الانتقال للملكية البرلمانية وعدد واحدة من الأعطاب الأساسية هو الأحزاب السياسية نفسها، مباشرة بعدها عقبت عليه في مقال نشر بـ "الأحداث المغربية" انتقد فيها تصريحه وخروجه الإعلامي، ومدافعا عن الأحزاب السياسية....

 

لكن منذ تلك اللحظة إلى تصريح الأستاذ المنوني، جعلني مع الوقت أميل إلى الرأي القائل بأن الأحزاب السياسية اليوم معيق للتطور نحو الملكية البرلمانية، وأن الامر على عكس ما ذكره المنوني في تصريحه لا يحتاج لتجويد مقتضيات، بل إلى تغيير جدري في الأحزاب السياسية تجعلها مؤهلة للملكية البرلمانية حيث تضعها أمام جل مسؤوليتها...

 

عندما تشاهد قيادات حزب تتقاذف الاتهامات حول قضايا مرتبطة بالمال العمومي، الفساد المالي، الصفقات المشبوهة؛

عندما تشاهد قيادات ترفض أي دمقرطة لبنياتها الداخلية وتفرض يدا من حديد على المختلفين معها...حيث تحول الحزب إلى ثكنة عسكرية؛

عندما تلاحظ رئيس حكومة سابق يرفض التسليم بأن المنطق يقتضي التداول على المسؤولية ويقصف رئيس الحكومة الذي هو من نفس حزبه لدفعه نحو الفشل؛

عندما تلاحظ الصحافة تتحدث عن هجرة أمين عام سابق لتركيا أو ألمانيا، ويختار الاستثمار هناك بدل بلده بعد أن انتهت مهمته الحزبية ويعطي انطباع وهو القيادي في ألا ثقة ببلده؛

عندما تلاحظ أمين عام في الثمانيات يرفض التقاعد ليفسح المجال لجيل جديد من المسؤولين الحزبيين؛

عندما تسمع ما يحدث عند التزكيات الانتخابية وتحويل اللوائح الوطنية لريع حزبي داخلي، أو لغيرها..

 

وغيرها مما نلحظه أو نسمعه، يتأكد أن ما نحتاجه ليس فقط تجويد لمقتضيات، كما ذهب تحليل المستشار الملكي، بل إلى ثورة حقيقية داخل الأحزاب السياسية وبنيتها التنظيمية والقانونية، لأنه لا تحول مؤسساتي ببلادنا نحو أي أفق واتجاه دون أحزاب قوية، مناضلة، ديموقراطية، تعتمد قواعد الشفافية، ودون تأهيل الأحزاب السياسية وجعلها تشتغل بمنطق مؤسساتي ديموقراطي، فأي اتجاه نحو الملكية البرلمانية هو مغامرة ببلادنا لأن الأداة التي سنسلم لها البلد معطوبة من الداخل، وقد يتم تكريس نفس المنطق الذي اعتمدته في الحزب داخل الدولة، لذلك فالوضع الحالي يجعل من المغرب في مفترق الطرق، حيث نعيش اقتسام حول السلطة بين مختلف المؤسسات لتجاوز الاختلالات السابقة بينها، أفق المغرب وملكيته هو رهين بتطور حجم الوعي الديموقراطي لدى المجتمع وبيناته الوسائطية.. في غياب ذلك سيظل أي تحول نحو الملكية البرلمانية، حتى لو جودنا بعض المقتضيات الدستورية أو التشريعية، سيظل تحولا معطوبا ومشوها لن يحقق غايته في البناء الديموقراطي.

 

من المفيد أن نشاهد مستشاري الملك يخرجون بتصريح هنا أو هناك لإبداء وجهة نظر معينة هي على كل حال ليست شخصية، وهي مناسبة تتيح النقاش معهم مادام أن التصريحات التي يطلقونها هي للعموم، بالتالي تكون مناسبة للنقاش ولتبادل وجهات النظر في قضايا البلد، ولأن ما بهم الجميع هو مستقبل المغرب وتطوره.