مومر: 20 سنة من حكم محمد السادس.. ما الذي ينقُصنا ؟

مومر: 20 سنة من حكم محمد السادس.. ما الذي ينقُصنا ؟ عبد المجيد مومر الزيراوي
إن تحقيق المنجزات، وتصحيح الاختلالات، ومعالجة أي مشكل اقتصادي أو اجتماعي، يقتضي العمل الجماعي، والتخطيط والتنسيق، بين مختلف المؤسسات و الفاعلين، وخاصة بين أعضاء الحكومة، والأحزاب المُكَوِّنَة لها.
جاء هذا التًّنْبِيه ضمن خطاب العرش الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 19 لعيد العرش سنة 2018 ، وكان بمثابة إرشاد ملكي إلى مكمن الخلل الذي يعيق إنجاز المشاريع التنموية ، ولا يساعد على التنفيذ السليم للتوجهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تسعى إلى تجديد النموذج التنموي المغربي وضمان حقوق و حريات المواطنات والمواطنين.
وأمام تَقَلُّبات جِيُو-ستراتيجية إقليمية ودولية تنعكس على الوضع الداخلي ثقافيا و سياسيا و اقتصاديا، فإن التوجيهات الملكية السامية دعت إلى ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية، والتحلي بِبُعد النظر، والنفس الطويل، وإلزامية السرعة في التنفيذ ، مع تثمين المكاسب التي تَمّ تحقيقها والاستفادة من التجارب الناجحة.
وحيث أن الديمقراطية المحلية لا تستقيم إلاَّ عبر ترسيخ اللاَّمَرْكَزِيَّة و اللاَّ تَركيز ، والاعتماد أساسا على مأسسة التعاون الجماعي وحماية الحقوق الأساسية للساكنة المحلية، وإشراك النسيج الاجتماعي في الهندسة الجديدة لتنظيم سلطة الدولة على مجالها الترابي.
فإن هذا الورش الإصلاحي يَتَطلَّبُ تأهيل الموارد البشرية ( منتخبين و إداريين ) حتى تستطيع ممارسة الإختصاصات الموكولة إليها بما يفرضه مبدأ التفريع كتقنية دستورية لتنظيم اختصاصات مؤسسات الجماعات الترابية. وهذا ما يستوجب ضرورة الفسح في المجال أمام تكوين نخب محلية جديدة وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، لأن الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم ليسوا إلاَّ أبناء اليوم .
ومن أجل بلوغ هذا الهدف النبيل، كان لزاماً على التنظيمات السياسية تسريع وتيرة الإصلاح الحزبي لِمُواكبة التشريعات الجديدة، من خلال العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغال الأحزاب السياسية وضَخ أفكار جديدة، عبر استقطاب مُوَسَّع للشباب والكفاءات القادرة على تحيين وتجويد العرض السياسي المطروح على المواطنات والمواطنين.
وقد كانت توجيهات الملك تتطلع إلى إفراز جيل جديد من البرامج الحزبية القمينة بتقوية التنافسية الحزبية، وتطوير أسالِيبِهَا التأطيرية بُغْيَةَ تعزيز الإختيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه ، و ترسيخ مكانة للمؤسسة الملكية باعتبارها حكماً أسمى بين المؤسسات و ضامنا للتأويل الديمقراطي لأحكام الدستور.
وكذلك جَعْل الانتخابات تعبيرا مُوَسَّعا عن الإرادة الشعبية المُنبثقة من التنافس الراقي، المُؤَسَّسِ على قِيَمِ خدمة الوطن و المواطنات والمواطنين. وجعلِ المؤسسات الحزبية فضاءات لإبداع برامج عقلانية قابلة للتطبيق بمقاربة سياسية تشاركية و أثر اقتصادي وتنموي واقعي، يلمسُه المواطنات و المواطنون في كافة الجهات و الجماعات الترابية بِرُبوع الوطن المغربي.
وفيما يتعلق بالشأن الاجتماعي الذي يحظى عند الملك باهتمام وانشغال بالغين، كملك وكإنسان. فقد أكد خطاب العرش لسنة 2018 على أن الأمر يتعلق بمشروع اجتماعي استراتيجي وطموح، يهم فئات واسعة من المغاربة، مشروع أكبر من أن يعكس مجرد برنامج حكومي لولاية واحدة، أو رؤية قطاع وزاري، أو فاعل حزبي أو سياسي. ورغم لغة النقد الصريحة فإن الملك شَجَّعَ وحَفَّزَ الفاعلين السياسيِّين المَعْنِيِّين بهدف تحقيق حزمة الإصلاحات والتدابير الاقتصادية والاجتماعية، التي إعتمدها، من أجل تحسين ظروف العيش المشترك بين جميع المغاربة، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، و إصلاح الإدارة المغربية عبر ولوج زمن الرقمنة.
إلاَّ أن الطموحات الملكية تصطدم – دائمًا و أبدًا – بواقع القصور الذاتي عن سرعة التنفيذ والإنجاز لدى الأحزاب المُشَكِّلَة لِحكومة تسير في إنجاه معاكسٍ للتوجيهات الملكية التي دعتِ كل أولئك الفاعلين إلى الترفع عن الخلافات الظرفية، والعمل على تحسين أداء الإدارة، وضمان السير السليم للمؤسسات، بما يُعَزِّزُ الثقة والطمأنينة داخل المجتمع و بين كل مكوناته ، والتركيز على الاوراش الاجتماعية.
وها نحن اليوم لازلنا نتابع انزلاقات الصراع الدائر بين مكونات الأغلبية التشريعية و التنفيذية من خلال مسلسل الهوس بتسريع زمن الحملات الإنتخابية السابقة لآوانها، و كذلك نشر خطابات التخوين وتبادل التهم حول التمويل الأجنبي والأجندات المشبوهة. مع الاستمرار في تبديد الزمن السياسي الحاضر عبر تغييب حكمة التوافق، وتغليب نهج المزايدات السياسوية وإفراغ الممارسة الحكومية من كل قيمة تضامنية مضافة بشكل ينسف أسس التناغم و الإنسجام المطلوبَيْن. مما يجعل عناوين الحصيلة السنوية تُخْتَصَرُ مع استمرار التَّقْصير الحكومي في خدمة قضايا الوطن و المواطن التي لا تقبل التأجيل و لا الانتظار، لأنها لا ترتبط بفترة دون غيرها.
ها نحن بَعْد مرور ما يقارب سنة على خطاب العرش الذي ألقاهُ الملك محمد السادس ، نُعايِن و نُعانِي مع فَشلِ حكومة سعد الدين العثماني في تسريع وتيرة العمل على تنفيذ الاستراتيجية الإجتماعية الجديدة و القيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية، سواء في مجال الدعم والحماية الاجتماعية أو في تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج التغطية الصحية “RAMED”. بالموازاة مع الفشل الحكومي الذريع في إعادة النظر، بشكل جذري، في المنظومة الوطنية للصحة التي تعرف تفاوتات صارخة.
وإذا كان التشغيل يُشكل المدخل الأساس للتنمية البشرية، وللتقليص من نِسب الفقر وتوفير العيش الكريم . فإن أرقام مؤشرات البطالة تكشف بالبرهان الصريح على فشل السياسات الحكومية في خلق فرص العمل للشباب عبر تشجيع الاستثمار وملائمة برامج التربية مع حاجيات سوق الشغل.و ينضاف إلى ذلك تواضع المؤشرات التي تخص تحسين المناخ الاقتصادي و التنافسي للمقاولات و دعم المقاولات الصغرى، وإدخال البعد المجالي والجهوي والترابي في منظور الاستثمار وخلق الثروة بشكل يؤدي إلى إحداث توازن مستقر بين الجهات الترابية.
إن الإعتراف بالنقص الحاصل في التدبير الحكومي الذي فشل في إنجاز البرنامج التنموي ينطلق من فضيلة النقد المُقترنة بالقول وبالفعل وبالإصلاح. لذا فرغم حجم الإكراهات الموضوعية ، ورغم إحباطات الخَيْبات الحكومية، ورغم انتكاسات نُخَبِهَا المُعيقة للصعود المنشود . يظل الأملُ واثقًا من قدرة الشباب المغربي على المشاركة المُنتِجَة في مسار إحقاق التغيير الديمقراطي المطلوب والإصلاح التنموي المنشود.
إذ لابد من انخراط الشباب بوعي ومسؤولية في نبذ سلوك التَّواكُل المقيت الذي جعل أحزاب الحكومة عاجزة عن الإنجاز الميداني الفعال. وذلك من خلال الجنوح إلى سبيل المعرفة والاجتهاد، والالتزام بالقانون والمُبادرة الحرَّة الشجاعة، و القطع بشكل صارم مع مظاهر التسيُّب و السلبية و الانغلاق والعدمية. كما أنَّه لا بد للشباب من استحضار المعاني البليغة التي تضمَّنَها خطاب العرش الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس سنة 1999 : ” فَلْنَعْمَل يدًا في يدٍ لإنجاز ما نتطلَّع إليه من آمال وتحقيق ما ينتظرُنا من جليل الأعمال، مُتَوَكِّلِينَ عليه سبحانه ، فهو نعم المولى ونعم الوكيل ( ومن يتَوَكَّل على الله فهو حَسْبُه) “.
ومع اقتراب موعد خطاب العرش لسنة 2019 ، الذي يتزامن مع مرور 20 سنة على إعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية . فإننا نحتفي بهذا العيد الوطني الغالي بكُلِّ ثقة في المبادرات الإصلاحية للملك محمد السادس، وكذلك نحتفل بكل مشاعر الإعتزاز برصيد المكتسبات النوعية الذي راكَمَتْهُ تجربة التحول الديمقراطي في المغرب بفضل الإنجازات الملكية منذ سنة 1999. وهذا ما يجعلنا اليوم نَنْحني احترامًا و تقديرًا أمام العمل الكبير والمجهود الجبار الذي تبذلُهُ المؤسسة الملكية في سبيل حماية وحدة واستقرار وأمن الوطن وتحصين دولة المؤسسات ، والدفع القوي نحو استكمال بناء مجتمع الديمقراطية والكرامة والمساواة.
عبد المجيد مومر الزيراوي، رئيس اللجنة التحضيرية لحزب المشروع الديمقراطي الحداثي