محمد قزيبر: ثلاث زوايا لمقاربة الكلفة المالية لغياب الإصلاح الإداري

محمد قزيبر: ثلاث زوايا لمقاربة الكلفة المالية لغياب الإصلاح الإداري محمد قزيبر

الكلفة المالية لغياب الإصلاح الإداري يمكن مقاربتها من عدة زوايا: الزاوية المتعلقة بالتشخيص، وزاوية المنهجية المعتمدة في الإصلاح، وزاوية آفاق هذا الإصلاح.

على مستوى التشخيص، يمكن الإشارة إلى أن التدبير العمومي، في شقه المالي يعاني من عدة اختلالات تهم بالأساس حجم وبنية النفقات العمومية. على مستوى حجم النفقات العمومية يمكن القول إن النفقات العمومية ما فتئت تتزايد باستمرار وهي ظاهرة كونية عادية، لكنها أكثر استفحالا في التجربة المغربية، بالنظر إلى الحاجة إلى البنيات الإدارية والموارد المالية اللازمة للتنمية، وتضاف إليها الضغوط الناجمة عن المطالب الاجتماعية المتزايدة تجاه الدولة وأجهزتها، فالمقاربة التي تعتمدها الدولة، وخاصة في ظل الحراك السياسي والاجتماعي لتحقيق السلم الاجتماعي، هي مقاربة اجتماعية وأمنية، وهي لا تتطابق بتاتا مع المقاربة المالية- الاقتصادية- التقنية.

أما على مستوى بنية النفقات العمومية والتدبير وتوزيع النفقات، نلاحظ وجود سوء توزيع للنفقات العمومية، يتميز بهيمنة نفقات التسيير على نفقات الاستثمار، علما أن نفقات التسيير هي نفقات استهلاكية وليست تجهيزية وتنموية، سواء على مستوى ميزانية الدولة أو الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، وهذه النفقات التسييرية تطغى عليها نفقات الموظفين، هو ما يطرح إشكالية كثلة الأجور في المغرب، وقد سبق للمجلس الأعلى للحسابات أن أشار إلى هذا الاختلال الأساسي في الإنفاق العمومي المغربي وأن كثلة الأجور تفوق القدرات الاقتصادية والمالية للمغرب، حيث أنه خلال الفترة الممتدة من 2008 إلى 2016 انتقلت كتلة الأجور من حوالي 75 مليار درهم إلى 120 مليار درهم، ومن ما يزيد عن 11 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي إلى ما يقارب 12 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، مع العلم أن متوسط كثلة الأجور للناتج الداخلي الإجمالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي 8.9، كما أن متوسط الأجر الصافي في الوظيفة العمومية يمثل ثلاث مرات الناتج الداخلي للفرد، مقابل 2،1 في فرنسا، و1 في إسبانيا.

وأشير إلى أن المجلس الأعلى للحسابات أكد في معرض حديثه عن كتلة الأجور في المغرب أنه بالنظر إلى حجم كتلة الأجور فإن السبيل الوحيد لتجاوز الوضع يتم عبر إجراءين:

الإجراء الأول: هو تخفيض وتيرة التوظيفات، والإجراء الثاني هو إعادة الانتشار.

الإجراء الثاني: يمكن أن نشير إلى أن تقسيم النفقات العمومية قبل إصدار القانون التنظيمي للمالية الذي كان تقسيم إداريا بناء على المصالح الإدارية والمرافق العمومية، وليس بناء على الوظائف والبرامج وقد قام المغرب انطلاقا من دستور 2011 من خلال المادتين 156 و157 بإدماج البعد المالي في تدبير المرافق العمومية، حيث أن المرافق العمومية ملزمة بتقديم الحساب عن تدبيرها المالي العمومي، كما ينبغي إعداد ميثاق للمرافق العمومية يحدد قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بالتسيير العمومي على مستوى مختلف الإدارات العمومية، والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ويمكن القول إن القانون التنظيمي لقانون المالية والذي صدر على ضوء دستور 2011 يعد حجر الزاوية في الإصلاح، حيث اعتمد على مجموعة من القواعد والمبادئ، كما جاءنا بما يسمى بميزانية  النتائج، وبميزانية البرامج عوض ميزانية الوسائل. صحيح أنه مازال هناك توزيع إداري للنفقات على مستوى القطاعات الوزارية، ولكن هذا القانون أدمج أيضا توزيعا وظيفيا على البرامج والمشاريع والعمليات، وهو ما سيمكننا من التقييم الصحيح للتدبير العمومي، لأن المحاسبة ستكون على أساس البرنامج أو المشروع وليس المحاسبة على أساس المصلحة الإدارية أو المرفق، وهو ما سيسهم في ترشيد الإنفاق العمومي.

- د. محمد قزيبر، أستاذ المالية العمومية بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس