محمد الغلوسي: الرشوة، الولاءات، المحسوبية.. أمراض تنخز  الإدارة المغربية

محمد الغلوسي: الرشوة، الولاءات، المحسوبية.. أمراض تنخز  الإدارة المغربية محمد الغلوسي

موضوع إصلاح الإدارة العمومية ظل لعقود من الزمن في قلب النقاش السياسي العمومي. كما ظل في قلب الخطاب الرسمي سواء للدولة أو للحكومة، وظل الخطاب حول موضوع إصلاح الإدارة متداولا كباقي الخطابات التي اهتمت بإصلاح القطاعات الأخرى كالتعليم والصحة والعدالة وغيرها من القطاعات. وبالتالي فخطاب الإصلاح ليس بالأمر الجديد؛ حيث أن إصلاح الإدارة عرف منذ الاستقلال إلى اليوم أفكارا ومقترحات وخططا وتوصيات ومناظرات وقوانين انصبت كلها في اتجاه تأطير عمل الإدارة؛ في أفق أن تنسجم للتحديات المطروحة على مستويات التنمية والديمقراطية وعلى مستوى الاستثمار وعلى كافة الأصعدة.

إلا أنه رغم تسجيل بعض التقدم الجزئي والبسيط الحاصل في موضوع إصلاح الإدارة نتيجة عوامل متعددة، من ضمنها تنامي الوعي المجتمعي وعدم قبول المجتمع للأساليب التقليدية والبيروقراطية للإدارة، جعل هذه الأخيرة بالنظر لهذا الوعي المتنامي، وكذلك بالنظر إلى التحديات الأخرى المطروحة على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى الاجتماعي، أصبحت (الإدارة) في وضع لا تحسد عليه، حيث باتت ملزمة بالاستجابة لمتطلبات الإصلاح.

وبالرغم أنه مازال هنالك توجه داخل الإدارة العمومية يرتهن للماضي؛ ويدبر القضايا الكبرى سواء تعلق الأمر بالجانب الإداري التقليدي أو الجانب الاستثماري والاقتصادي، بعقلية بيروقراطية متجاوزة ووفق مساطر  متعددة متداخلة ومعقدة في غياب الشفافية والحكامة في التدبير للإدارة المغربية، الشيء الذي جعل هذا الموضوع يحظى اليوم بنقاش كبير، وهو ما أدى بدستور 2011 أن يطرح ضمن الرهانات التي ركز عليها؛ رهان الارتقاء بالمرفق العمومي بشكل عام يلامس ما يتعلق بالجودة في الخدمة العمومية ومساواة الناس أمام القانون، والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وكذلك في ما يتعلق بالقضاء، حيث أن القضاء الإداري أصبح يستجيب للعديد من الدعاوى المرفوعة إليه بسبب شطط الإدارة  والتعسف في استعمال السلطة، وكذلك مخالفة الإدارة للقانون، بل وأصبح القضاء الإداري يحكم على الإدارة المخالفة بأداء جزاءات وتعويضات...إلخ. وهكذا أخد موضوع إصلاح الإدارة أبعادا جديدة في النقاش والتداول لم تكن من قبل.

إلا أنه يمكن القول مع ذلك إنه مازالت معيقات كبرى أمام الإدارة العمومية تحول دون تحقيق الإصلاح المنشود، وأستحضر هنا الموارد البشرية وضعف التكوين والتأطير والنقص في حس الانتماء إلى الوطن نتيجة العديد من المظاهر السلبية كالرشوة والولاءات والبنية والمحسوبية في تقلد المناصب العمومية، حيث يلاحظ أن هنالك مسؤوليات عمومية لا تسند بناء على معايير الاستحقاق والكفاءة، ولكن تعطى بناء على معايير أخرى هي الولاء والقرابة العائلية والزبونية وغيرها.

وهي أشياء مشينة جعلت الإدارة تدور في نفس الحلقة والدائرة الضيقة.

ولهذا أعتقد ختاما بأن إصلاح الإدارة لا يمكن أن ينفصل عن الإصلاح الشامل على المستوى السياسي والدستوري والمؤسساتي، حيث أن الإصلاح ليس مستقلا عن سؤال دولة الحق والقانون. فلا يمكن الحديث عن إدارة تقدم خدمات عمومية في المستوى وتطبق معايير الشفافية والحكامة والمنافسة الشريفة وغيرها من القواعد الناظمة للإدارة العمومية دون إصلاح عميق وشامل لجوانب مختلفة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعلى المستوى الدستوري أيضا. وبالتالي، فإن رهان إصلاح الإدارة هو في قلب الإصلاح الشامل على كافة المستويات كما قلت قبلا، وبناء على أسس دولة الحق والقانون.

- المحامي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال