وأنا أمشي.. وأنا أمشي.. ويكون هروبي الدائم من أي شيء يجرني للخلف.. ويكون هروبي من سجون بنيناها بأيد.. تركت ورائي كل شيء عابر قد يشدني ليستمر جلوسي بين جدران صامتة التي تنذر برتابة الأيام وثقلها ونحن نطويها على مهل.. رميت أثقالا كثيرة خلفي، قد لا أستطيع حملها.. وبدأت في ممارسة رياضة المشي.. وأنا أمشي.. وأنا أمشي.. فجأة سلطت بصري على شيء جميل صادفني في شوارع مدينتي المنجمية خريبكة.. لعلي أكون قد شعرت بالعياء والتعب لكبر سني وتثاقلت قدماي.. وها أنا ذا قد أسرعت الخطى نحو شبه حديقة تحتاج لأكثر من التفاتة وعناية، كي تعطي للمكان جماليته وجاذبيته لكل زائر وغريب عن مدينتي..!!
لقد أخذني بصري مباشرة للوحات تشكيلية ضخمة رسمها مجموعة من الفنانين التشكيليين العالميين، سبق أن حجوا لمدينتنا في عهد مضى ودفن.. وكان للفنان التشكيلي والأستاذ والصديق الأخ سي محمد تايرت، المعروف بصيته وبريشته وبتواجده الدائم في الملتقيات العربية والدولية للفنون التشكيلية، الدور الكبير في ذاك المشروع، وذلك بتحويل مكان موحش كان يتجمع فيه المتسكعون والعابرون وصعاليك زماننا إلى مرسم فني كبير يثير كل عاشق للفن التشكيلي وعوالمه.. بالفعل ها هنا نصبت لوحات فنية غنية بتعابيرها وبرموزها وبألوانها المتداخلة، وهي تحكي ما تحكيه عن الحياة والإنسان والطبيعة والخيال الممتد للفنان وتعبيره الجمالي..!!؟؟
في هذا المكان بمدينتي والذي يحتل موقعا استراتيجيا عند مدخلها، عبر الطريق الرئيسي للدار البيضاء، مرورا من أمام عمالة الإقليم في واجهة معهد التكوين للتكنولوجيا التطبيقية، نصبت عدة كراسي وسط ذاك الفضاء الذي تزينه هذه اللوحات التشكيلية في غياب الاهتمام المنتظر من أولئك الذين يسهرون على جمالية المدينة وغطائها النباتي، من غرس للورود والأزهار والنباتات التي تعطي للفضاء جماليته الكاملة..!!؟؟
جلست في وسطه لأخذ أنفاسي بعدما أتعبني المشي، وعادت بي ذاكرتي لسنوات خلت لما كتبنا مقالا بمجلتنا "خريبكة بلوس" عن الملتقى العالمي ليس للسينما الإفريقية الذي أصابته العلل والأمراض وأمسى ملتقى من نوع آخر لا يخدم المدينة في شيء.. نعم هاهنا التقى فنانون تشكيليون من أكثر من بلد ورسموا..!!؟؟ وسميناه الملتقى العالمي للفنون التشكيلية..! ؟
نعم ها هنا أبدعوا.. صبغوا.. وتركوا بصماتهم شاهدة على زمان مرورهم.. لكن لوحاتهم بقيت صامتة كئيبة وحزينة وسط شبه حديقة بالكاد تجد اللون الأخضر يكسو بعض جنباتها..!؟ نعم لقد حزنت لحزنها وكتمت حزني داخليا وما كان لي إلا أن أعبر وأدون ما رمقته عيناي من أشياء كثيرة ليست على ما يرام بهذا المكان الذي يحتاج لتدخل من أولئك الذين صوتنا عليهم بالأمس لخدمة المدينة وتزيين شوارعها وتشجيرها والمحافظة على محيطها البيئي وإغنائه وغرسه وتشذيبه..! وذاك حلم قد يتحقق في المستقبل مع رجالات سياسيين قد يكونون من طينة أومن فصيلة أخرى، لهم ما لهم؛ وعليهم ما عليهم من اهتمام كبير بفضاءات المدينة وبالاشتغال على كل شيء مفيد يزيد من جمالية شوارعها وأزقتها... انتهى الكلام.