أحمد شحيمط: الرياضة المغربية .. خيبات الأمل وصناعة الفشل

أحمد شحيمط: الرياضة المغربية .. خيبات الأمل وصناعة الفشل أحمد شحيمط

تحول الاخفاق والفشل في مشاركة المنتخب المغربي لكرة القدم في كأس افريقيا بمصرإلى انتكاسة بسبب رفض الجماهير المغربية الواسعة للنتائج والمستوى، وخرج الناس على اختلاف اعمارهم ومستواهم المعرفي بانطباعات كثيرة تلقي اللوم على سياسة تدبير الرياضة ولوم الطاقم التقني والشك في وطنية البعض، وعدم التفاني لأجل تشريف المغرب والدفاع بصلابة عن القميص الوطني، ومن أراء الناس تشكلت صورة عن واقعنا الرياضي الذي تنخره ظواهر سلبية من علاقات وتكتلات وصراعات ظاهرة وكامنة تسئ للروح الجماعية، ولعبة كرة قدم ومكانة المغرب بين الأمم الافريقية. أرقام مالية عن رواتب المدرب والطاقم الفني المساعد وهذا الكم من المرافقين، وميزانية الجامعة التي تفوق قطاعات بذاتها وفق أرقام عالية من ضريبة التنمية. خيبات الأمل وذيول الهزائم المتتالية وقلة النتائج من الاشياء التي لم يعد الجمهور المغربي يقبلها .نصنع الفشل ولا نلقي باللوم على الاسباب الداخلية المباشرة، ونلقي اللوم على أسباب خارجية وهامشية، ونغطي بالإعلام الرسمي عن الأوهام والزيادة في جرعة النجاح واستباق النتائج. هناك بالفعل حقائق واضحة وأخرى خفية يحاول الناقد الرياضي والمحلل الاشارة اليها. ويتساءل الناس عن الجدوى من كرة القدم في غياب النتائج والفرجة، كما تحولت اللعبة من رياضة جماعية ولعبة ديمقراطية تتيح المجال للفئات الشعبية رسم أحلام ممكنة في الاحتراف وابراز الذات .الى لعبة في الانتقاء والإقصاء وبناء تحالفات ومصالح ضيقة من الاغتناء، والتورط السلبي في مجال القرارات والتأثير داخل الجامعة، تطالب الجماهير الواسعة في حملتها على شبكات التواصل الاجتماعي. وفي النقاش العام بعودةالمدرب المحلي ومحاسبة المسؤولين من خلال اللجوء للبند الاساسي فيدستور 2011 وعمليةالربط بين المسؤولية والمحاسبة، يكون العقاب هنا فعالا في القاء اللوم على الجهة المعنية بهذا الفشل من خلال تقارير، كما يكون العقاب فعالا كذلك في المستوى السياسي والاداري عندما تمنح الصلاحية للأطر في اداء الواجب، هذا يعني ان الرياضة ليست منفصلة عن السياسة، وتدبير المجال الرياضي في عقلنة السياسة الكروية وتقريب الرياضة من الكل، لأجل استنبات فكرة التسامح وتعزيز قيم نبيلة داخل الملاعب وخارجها، فالجمهور الذي يغادر الملاعب في رضى تام عن الاداء والفرجة يدرك المستوى الفني والروح القتالية في تقديم لوحات رائعة داخل رقعة الملاعب، وعندما يقلب جمهورنا ظهره للغرب والملاعب الأوروبية وينقسم هذا الجمهور بين الريال والبارصا، نستنتج الرغبة في البحث عن المتعة والمشاهدة، كرة القدم عرض مسرحي ومشهد فني من ابداع اقدام تمرست في نوادي من مدة.

في عالمنا يعود التفكير للوراء للبحث عن الضحية لإسكات الجماهير الواسعة، ووضع الفزاعة في حقول مليئة بالألغام والدسائس في عالم الكرة، لا تمنح الفرصة للاعب المحلي لكي يصير ميسورا وتنادي عليه فرق أوربية ويصبح من المحظوظين. بل علينا المناداة على اللاعب الذي تمرس في أندية غربية، محترف ويملك من القدرة مؤهلات في التنافس، من الواضح أن عالم السياسة عندنا يسير وفق هوى التكتلات و"اللوبيات" الضاغطة وأصحاب الامتيازات، ومن الذين ليس لهم ثقافة العمل السياسي، ومن اللافت للنظر أن السياسة الكروية كذلك قابلة للمساومة حينما يدخل المال اللعبة.توازنات السياسية وصراع الأجنحة موجودة في صلب اللعبة السياسية. في عالم الرياضة كذلك زعامات وقيادات متمسكة بالمنصب والقرارات. لا تبرح مكانها الا بالعجز أو في ظل شيخوخة قاتمة يكون السياسي أو الرياضي غير قادر على أداء المهمة، أو يترك المنصب للخلف من الابناء أو المقربين.عشق المناصب لا حدود له في ثقافتنا. فالتكتل والانتقاء تدبير ينطوي على الدهاء وقلة المردودية، امراض السلطة واقع حقيقي واختلال الرياضة يسري على كل المستويات. العاب القوى وكرة السلة وكرة القدم.

الرياضة الفردية والجماعية على السواء، الحضور المغربي وازن في العاب معينة بالخارج هناك سياسة ممنهجة في التصدي لكل ذات مبدعة، فعندما ترسم لك حدود الابداع والمسار الرياضي، وعندما تنفلت من الاقصاء، ويتيح لك الفرصة أن تكون نجما بالخارج تقفز لدى الكل الوطنية والدفاع عن الوطن. والمفاضلة بين الوطن الأم وبلد المهجر. حكيم زياش اللاعب الذي يتقن فنون اللعب في فريق "أجاكس" ويجيد ممارسة الكرة والتفنن في اتقانها يبقى فردا في فريق منسجم هناك.يرسم الكل داخل بنية منغلقة ما يتعلق بالمهارة والابداع. ويتحرر اللاعب من كل القيود سوى القدرة في المنافسة وعلو الكعب، لا يمكن ان يكون لاعب بذاته سببا في الاخفاق والفشل، ولا نعلق الانتكاسة على تعدد الوان المشاركين من بلدان عدة أو عدم استدعاء لاعب معين، المنظومة متآكلة من الداخل في عدم فسح المجال للفكر الذي يثبت جدارة واستحقاق من يمتلك القدرة والموهبة في اللعب.

وظيفة المدرب الحرية في القرار وإستدعاء من يستحق بجدارة اللعب وأداء المهمة، فالعالم يتغير في الاقتصاد والسياسة والرياضة، والبنية الفوقية للشعوب تعكس البنية التحتية كما في الماركسية، والرياضة لعبة تدار بقوانين خاصة، واللاعب يجيد بفنية ومهارة عالية القدرة في الأداء وتقديم الممكن، في الفرق المحلية تظهر النتائج خصوصا في المدارس العتيدة والفرق الصاعدة من خلال الجهاز الفني ورغبة الادارة الرياضية للحفاظ على مكانة وسمعة الأندية، الأمر هنا يتعلق بالرجاء والوداد ونهضة بركان وباقي الفرق الوطنية الاخرى،عندما ترصد إمكانيات كبيرة للكرة وتبيع الوهم للجمهور في الرهان على المحترف وأسماء معينة. وسمعة الناخب الوطني وتمرسه في البطولة الافريقية فان الرهان يبقى خاسرا في غياب الحقيقة من الداخل. الرياضة ينخرها الفساد والوساطة وكل اشكال الشطط في توظيف السلطة وغياب الحكامة الجيدة. في تحقيق النتائج وتوفير أرضية صلبة للنهوض بالرياضة المغربية. هناك تراجع واضح في الرياضة الفردية والجماعية معا. الناقد الرياضي محمد الماغودي في خرجاته الاعلامية يكشف عن المستور ويعيد صياغة اقوال الناس في الشوارع والبيوت والمقاهي. يظفي الناقد لمسة نقدية عن أسباب الاخفاق وصناعة الفشل الذي اصاب الرياضة المغربية. من غياب المسؤولية والمحاسبة. عن الأموال الضائعة والرهانات الخاسرة، والإعلام الرسمي الي يبيع الوهم للمغاربة دون تحليل الأسباب ومكامن الخلل في تدبير الشأن الرياضي. إذا كانت الاموال الطائلة تمنح للجامعة والبطولة تعج بالنجوم. وتنافس شرس بين الفرق الوطنية في المنافسات المحلية والقارية فالأولى أن يكون الفريق الوطني نتاج للبطولة مع تطعيمه بعناصر من بطولات أخرى. السيد الماغودي وغيره من المحللين والنقاد والمتابعين للشأن الرياضي يدركون إفلاس الرياضة. ونعتقد أن المبدأ الرياضي غير منفصل عن السياسي والاجتماعي. القاعدة الشعبية في المغرب تعشق كرة القدم والعاب القوى، ونتمنى ان يكون للمغاربة حسن الأداء وتشريف سمعة البلد في العالم، بلدنا يعيش انتكاسة في السياسة بسبب استفحال الازمات واشتداد المطالب وخروج الناس للتعبير عن حقوقهم . وعدم الانصات والتنصل من الحوار الاجتماعي الجاد في حل الملفات العالقة. لذلك نلمس قلة الفعالية وحدود النجاعة في النتائج من قطاعات تعاني كالصحة والتعليم والادارة. وأزمة الشغل ناهيك عن القوانين التي لا تلبي طموحات الشعب. وليست مبنية على التشارك والتشاور. إذن تعكس الرياضة بالمغرب مستويات اخرى في الحياة السياسية والاجتماعية. ولعل المغاربة قاطبة اجمعوا على فكرة واحدة وهي الاقرار بوجود الفساد واختلفوا نوعا ما في الية استئصاله، بالقوانين الردعية وذلك عبر المعاقبة والربط بين المسؤولية والمحاسبة. أو نشر ثقافة المواطنة وتعزيز الرقابة والحرص على المال العام. أقل الاشياء الممكنة في الزام الكل على اداء الواجب هناك بالفعل نقاش عمومي الان عن الفشل الذي اصاب الرياضة المغربية، والقضية لا يمكن ان تتحول الى رأي عام لان اسبابها موجودة في السياسة وتدبير القطاعات، الرياضة بطبعها الية في خدمة المجتمع والدولة. إيديولوجية في توجيه العقول نحو الملاعب والهاء الناس وتحييد الفكرعن الحقوق الأساسية. وكذلك أداة في تحقيق السلام والتعايش. ومنافسة شريفة على اساس الاستحقاق والمهارة وجلب المنافع للدولة والمجتمع. فأصبحنا نرى تهافت الدول في تنظيم المنافسات الدولية الكبرى كالألعاب الأولمبية وكأس العالم. فالرياضة في خدمة السياسة والعكس كذلك. وعندما يراهن المغاربة في الفوز بكاس افريقيا يتحول الرهان الى خيبات الأمل وسخط عارم من قبل الكل عن تتالي الهزائم وعن الحلم الضائع الذي طال أمده من 1976 بأثيوبيا. ونعتقد ان الامكانيات المرصودة للكرة لوحدها كرياضة شعبية يفوق طاقة البلد وفاتورة الأداء، لأن الحاجة تبدأ من الداخل في بناء الملاعب وتكوين مدارس في تخريج الاشبال الجديدة. فالأسود لم تعد قادرة على الزئير بسبب شيخوخة القطيع أو بسبب قلة النجاعة وروح القتالية أو بسبب غياب الروح الجماعية، أو للزعامة والية الانتقاء لكل من يوافق على القرارات ولا يبدي اعتراضا أو نقدا. فالتشخيص انتهى الى أبواب مغلقة. ولم نعد في حاجة الى تحويل كرة القدم الى رأي عام يهيمن على الفكر والسلوك.

نحن في حاجة للقضاء على سرطان الفساد في منع التفرد والتسلط وبناء المجتمع على الكفاءة والاستحقاق، الرياضة في العالم تعكس المستوى الفني والروح العالية في تحصيل النتائج حتى نجعل كرة القدم لعبة ديمقراطية مبنية على الكفاءة والقدرة في الممارسة دون أن تكون وسيلة في خدمة مصالح السماسرة.