مصطفى مهوي: بحيرة "تسليت وايسلي"، أسطورة العشق الممنوع

مصطفى مهوي: بحيرة "تسليت وايسلي"، أسطورة العشق الممنوع مصطفى مهوي

كثيرا ما نسمع العديد من الأساطير التي تجعلنا نسير ونعيش معها اللحظة، نظرا إما لجماليتها أو للمعنى المستفاد من الأسطورة؛ فقد تكون مستقاة من خيال الإنسان أو من الواقع. وكما هو معلوم فإن الأساطير توجد في جميع المجتمعات، وهي دائما بمثابة أجوبة لمختلف تساؤلات العقل البشري، حيث كان الشغل الشاغل للإنسان هو إيجاد إجابات للعديد من الأسئلة التي تراود باله، والتي لم يستطيع أن يفسرها كسؤال: من خلق الأرض؟ ولماذا تغيب الشمس وتشرق؟ خاصة وأن الإنسان كان يفتقد المعرفة اللازمة لتقديم إجابات علمية لانشغالاته. وبهذا تكون الأسطورة وفق هذا التقديم بمثابة ذلك التعبير الثقافي لمعتقدات شعب معين أو قبيلة معينة، كما أنها نوع من تاريخها الشفاهي الذي لم يدون، كما أنها تستجيب لرغبة الإنسان في العيش داخل عالم مفهوم ومرتب ومنظم.

أسطورة بحيرة "إسلي" و"تسليت"، هي الأخرى لا تشكل استثناء لهذه القاعدة، حيث تعد من أبرز وأروع الأساطير وأجملها، والتي يعرفها سكان إملشيل وقبائل أيت حديدو، أبا عن جد، لأنها تعتبر أحد أهم النماذج التراثية لأيت حديدو، والتي لا يمكن لأي باحث في التراث أن ينكرها.

فأسطورة العشق الممنوع، كما يسميها الكثيرون، هي نموذج لقصة حب ربطت بين شابين من قبليتين متناحرتين.

وتتمحور أحداث هذه الأسطورة حول قصة حب وعشق عاشها شابان أحبا بعضهما حبا حقيقيا، إذ وصل حده الجنون حلمهما، هو العيش تحت سقف واحد.. هما الشابان اللذين ينحدران من منطقة إملشيل (منطقة أمازيغية تقع في الأطلس الكبير الشرقي المغربي، سكانها يتحدثون اللغة الأمازيغية من شيمهم الجود والكرم والأخلاق).

"إسلي" و"تسليت"، العريس والعروسة بلغة أهل المنطقة، الشاب من قبيلة أيت براهيم، والشابة من قبيلة أيت يعزا، واللتين كانتا تعيشان صراعات كبيرة ومعقدة، نتيجة خلافات بسبب أراضي الرعي والمياه، حيث وصل بهم الأمر حد منع الزواج بينهما بسبب هذه العداوة.. الشيء الذي لم يوفر لحب الشابين الظروف الجيدة، حيث بمجرد ما أن أخبر الشاب عائلته عن حبه وعلاقته بالشابة، حتى نبهته بضرورة نسيان الأمر وأن المسألة صعبة، ولن تجد الطريق للتطبيق. إلا أن حبه المجنون بالفتاة كان كبيرا، الشيء الذي دفعه إلى أن يطلب يد الفتاة، لكن محاولته هاته تكللت بالفشل، حيث لم يكتب القدر لعشقهما النجاح، وقبل  طلبه بالرفض من العائلة ومن أهل الشابة على حد سواء، وذلك بمبرر أن القبليتين تعيشان صرعا حقيقيا، وأن زواجهما لا تقبله تقاليد المنطقة، وهو أمر مرفوض وغير مقبول.

"إيسلي" و"تسليت"، بطبيعة الأمر، لم يتقبلا أن يمنع عشقهم لأي سبب كان، فقط لان حبهما خارق للعادة  ولا يقبل النقاش، حيث عاشا أزمة عاطفية، نتيجة قرار المنع الذي صدر في حق حبهما.. إنه "العشق الممنوع".

لم يستطيعا أن يتحملا منع عشقهما البريء من كل الخلافات التي كانت بين القبيلتين، وشرعا في البكاء وأذرفا دموعا كثيرة، تشكلت بفضلها بحيرتان.. الأولى جاءت مؤنثا حسب تسميتها لدى أهل المنطقة الذين يتحدثون الامازيغية "تسليت"، وهي العروسة التي تقع قرب قبيلة ايت يعزا جوار قرية إملشيل  (حوالي 6 كيلومتر)؛ وبحيرة "ايسلي"، وهي العريس، الذي يقع في المجال الجغرافي لقبائل أيت براهيم. وهناك رواية أخرى تقول إن كلا من العاشقين غادرا قبيلته في اتجاه الجبال، فأغرق الشاب نفسه في بحيرة تسمى الآن بحيرة "اسلي"، بينما أغرقت الفتاة نفسها في بحيرة تسمى "تيسليت".. لكن مهما اختلفت الروايات، إلا أن المعنى يبقى واحدا لا يقبل الاختلاف، وهو أن البحريتين لهما ارتباط وثيق بقصة عشق ممنوعة كانت نهايتها نهاية تراجيدية.

ولا تزال آثار هذه الأسطورة قائمة إلى يومنا هذا، حيث توجد بمنطقة إملشيل بحيرتان، "اسلي" و"تسليت"، تعدان من أهم الأماكن السياحية التي تتوفر عليها المنطقة، والتي يعرفها القاصي والداني. وبهذا تكون أسطورة العشق الممنوع أحد أهم النماذج التراثية لقبائل أيت حديدو قاطبة.

- مصطفى مهوي، مجاز في الحقوق