عبد الرحيم هريوى: يوم حزين في مسار كرة القدم المغربية!!

عبد الرحيم هريوى: يوم حزين في مسار كرة القدم المغربية!! عبد الرحيم هريوى

وتستمر الخيبات والسقطات والهزائم المدوية ولا تتوقف في الغد القريب لأسباب وظروف ومعطيات متشابكة... لا تخرج عن السياسة التدبيرية للشأن الكروي بهذا الوطن لعقود خلت.. واليوم، لا يجب أن ندفن رؤوسنا تحت الرمل حتى تمر العاصفة فهزيمة البارحة مست مشاعر شعب بكامله، ولا بد من كل واحد أن يتحمل مسؤوليته  كاملة من قريب أو بعيد وكشف الحقيقة كاملة والاعتراف بالهزيمة في التدبير والحكامة والتسيير للشأن الكروي بهذا البلد نعم.. بكل تأكيد لقد كان انهزام يوم الجمعة 5 يوليوز 2019 بطعمه المر الحنظل لدى كل المغاربة الذين يسكنهم حب الوطن ورموزه..!!؟؟

وتستمر الكرة المغربية كالعادة في دغدغة مشاعرنا كشعب بكامله، مجنون بولعه وحبه الأسطوري للنخبة الوطنية. وكرة القدم في عصرنا هذا؛ لم تبق تلك اللعبة البريئة بل تلطخت بشوائب شتى، وأمست أكثر من لعبة وتلعب أكثر من دور لها في حياة الشعوب الضعيفة والفقيرة، والتي تعاني من مشاكل مجتمعية و بنيوية، إذ تبقى متنفسهم الوحيد في معانقة الآمال في الانتصارات والريادة بواسطة قوة الأجسام ومهارتها، والمنافسة على اللقب الذي طال انتظاره من طرف عدة أجيال قد ودعت وأخرى ما زالت  تعيش على أحلام اليقظة في الحصول عليه في كل منافسة قارية جديدة.

الكرة المغربية في حقيقة أمرها ما هي إلا أوجاع رأس وأحزان وبكاء وحرق للأعصاب ونرفزة ومطاردة الساحرات وملهاة، وأوهام وأساطير وتضليل وعي في غياب الإصلاح المجتمعي الشامل وتطوير هياكله ومؤسساته، من أسرة ومدرسة ومجتمع.. والقضاء على بؤر الفقر والتهميش والفوارق الاجتماعية وإيجاد الحلول الحقيقية لمعضلات الشغل والصحة والتعليم وغيره.

ولعل لسان حال كل محب ومولع بكرة القدم حد الجنون بعد النكبة والصدمة والجمعة السوداء للكرة المغربية، يقول حينها يا ليتني أعود طفلا صغيرا من جديد، وألعب وأعشق أي لعبة كانت إلا كرة القدم..!! لما تسببه لي من أوجاع ومتاعب جمة على نفسيتي كإنسان مقهور بإحدى دول الجنوب التي ما زالت ترزح تحت عتبة الفقر، إذ تبقى الكرة سوى ذاك الغربال الذي بواسطته تحجب به عني أشعة الشمس..!!؟؟

ولعل انهزام يوم الجمعة كان بطعمه المر الحنظل، وكأننا كنا في حلم يقظة ونحن نتابع فيلم مرعب وهيتشكوكي تحت عنوان: جنون الكرة الإفريقية.. منتخب مغمور اسمه البنين يهزم منتخبا يعج بالأسماء الأوروبية الكبيرة اسمه المغرب.. فهل يا ترى تصدق نفس مولوعة بحب الكرة حد الجنون أننا انهزمنا.. ويا ليتنا سقطنا قبلها أمام الكوت ديفوار أو جنوب إفريقيا، وصدق فينا القول: صام شهرا ثم تكلم قهرا وكفرا...!!!!؟؟؟

نعم مما لا شك فيه، لتبقى ذكرى هزيمة الجمعة في الحلق.. إنها بالفعل جمعة حزينة لكل مغربي ومغربية يعشق الكرة ونخبة بلده بوطنية خالصة وصادقة بدون مقابل. وها نحن عجلنا عودتنا للديار، لنطرح السؤال القديم الجديد نحو المستقبل: لماذا انهزمنا بتلك الطريقة المذلة والمشينة أمام فريق مغمور اسمه البنين؟؟ أين كان الخلل يا ترى؟؟ هل في اللاعبين، أم في خطة المدرب، أم في التحكيم، أم في أجواء اللقاء ككل..!!؟؟؟ ونبحث لنا حينها عن مشجب نلصق عليه هزائمنا وانكساراتنا كالعادة حتى تتناسى الأيام، وكل واحد يذهب لحال سبيله. ونحن من بين الشعوب التي تنسى بسرعة وتحكمها العاطفة في غياب تحكيم العقل والعلم وتثبيت الحقائق الدامغة على الأرض والاشتغال عليها، فنحن كما قال عنا الراحل المهدي المنجرة "لا نعرف الحائط حتى تصطدم به رؤوسنا وحينها نقول بالفعل هذا حائط".

ولكن؛ لا ولن يتوقف بحثنا عن الحلم الكروي الإفريقي المفقود منذ 1976 ليعاد تتويجنا في المنصة من جديد، ونحمل الكأس مرة ثانية قبل رحيل أجيال أخرى، ربما لن يسعفها الحظ لمشاهدة الحدث وتعيش لحظات الفوز والانتصار لكن قبل تحقيق حلمنا لا بد أن ننتصر ضد كل الأشكال التي تعيق تقدمنا وازدهارنا وتنميتنا المجتمعية في المستقبل القريب!!!

ولابد أن كل المغاربة والمغربيات المولوعين بالكرة حد البله والجنون كانت الصدمة أقوى منهم أجمعين. وما وقع بالفعل سيناريو لم يكن في الحسبان ولم يكن أحد يتمنى مشاهدته وبطريقته الدراماتيكية المؤلمة جدا، لأنه لما ينهزم منتخبك الوطني ويخرج من دائرة المنافسة بشكل من الأشكال تشعر بالحزن وتتساقط عليك جبال من الهم على رأسك، وتتمنى يا ليتك ما عشقت المستديرة قط، لأن الكرة نحن نحبها حد الجنون ولما ننتصر نعيش أحلى أيامنا ولما ننهزم نشعر بخيبة أمل كبرى جدا، وأزمة نفسية لا حد لها، ونطرح كثيرا من الأسئلة حينها ومن بينها: لماذا جبلنا على الهزائم في حياتنا كلها؟

والجواب هو: لأننا شعب نحب الكرة، ليس كلعبة وهواية، بل كأمل نعلق عليه أحلامنا كي ننتصر لأنفسنا، وننسى همومنا وأوجاعنا ولما ننهزم ننكسر من الداخل!!