الباحث وردي: الحكومة تستصغر مطالب القضاة

الباحث وردي: الحكومة تستصغر مطالب القضاة حكيم وردي
ضمن سلسلة مقالات "وحي القلم"، التي يخص بها الأستاذ حكيم وردي، عضو نادي قضاة المغرب، والباحث القانوني، جريدة "أنفاس بريس"، فيما يلي مقالة عنونها بـ "إنكار العدالة":
مثلما لا يمكن للقاضي، أن يمتنع عن الفصل بين الخصوم حتى ولو تعلل بسكوت القانون أو غموضه، فإنه لا يتصور أن تعطل السلطة التنفيذية قانونا تنظيميا مكرسا لاستقلالية السلطة القضائية بعدما أقرته المحكمة الدستورية. لذلك لا نملك غير الصبر والاستمرار في حسن الظن بمآلات مشاريع المراسيم المتعلقة بالتعويضات المنصوص عليها في القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة رغم أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية المؤتمن دستوريا على المصالح الحيوية للقضاة قدر رأيه الاستشاري بخصوصها منذ ما يربو على الثلاث سنوات (04/10/2017 ).
ولكن،هل تحتاج الحكومة إلى ثلاث سنوات لتدرج في مجلسها مشاريع مراسيمها حول تعويضات هزيلة لا أثر لها على توازنات المالية العمومية؟ ألا تقتضي مستلزمات التواصل المؤسساتي والحق الدستوري في الحصول على المعلومة أن يحاط القضاة علما سواء عبر مجلسهم أو جمعياتهم بمآلات مشاريع المراسيم تلك وأسباب تعثرها؟ وهل هناك من يملك الرواية الرسمية حول الموضوع؟
إن هذه الأسئلة على بساطتها تعكس جو الغموض والانتظارية والترقب الكئيب الذي يعيش فيه غالبية القضاة، أولئك الذين تحسبهم أغنياء من التعفف. كما قد تدفع إلى الاعتقاد بأن تجاهل الجواب عن المطالب سلبا أو إيجابا هو استصغار للطالب. أو على الأقل استغلال لواجب التحفظ والصبر على الأذى الذي تربى عليه قضاة الأمس الذين منهم من اشتغل سنين براتب لا يتعدى أربعة آلاف درهم وأحيل على التقاعد بالدرجة الثانية ولم يسبق لهم أن طالبوا بحقهم في أجر يقيهم شر الفاقة. ومات العديد منهم ولم يترك في رصيده ما يسعف على أداء عشاء واجب العزاء.
ومن هنا تبرز أهمية المقاربات التي يضطر نادي قضاة المغرب إلى تبنيها بين الفينة والأخرى بهدف إسماع مطالب القضاة في التحصين المادي الحافظ للكرامة، المعزز للاستقلالية اتجاه إغراءات سلطة المال الحرام الذي لو أراد القضاة أن يملؤوا به بطونهم لما احتاجوا إلى المخاطرة والتلويح بالاحتجاج دفاعا عن تعويضات مادية بسيطة.
إن اجتماع القضاة غدا السبت 29 يوليوز 2019 بالمعهد العالي للقضاء بدعوة من المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب سوف لن يحتاج لمن يقيم نجاحه إن بحجم الحضور على أهميته، أو بطبيعة القرارات التي ستتمخض عنه، لأن الأهم قد تحقق منذ أن أعيد فتح النقاش من جديد حول الأوضاع المادية المزرية للقضاة على النحو الذي جعل مثلا صاحب جائز الغونكور Goncourt المبدع الطاهر بن جلون يكتب مقالا ( نشر في موقع 360le ) مساندا لمطالب القضاة بالتحصين المادي.
لقد كان لافتا أن يقع التنبيه في التقارير الرسمية الصادرة عن أقطاب السلطة القضائية إلى شح الموارد المالية الموضوعة رهن إشارتها من طرف الحكومة، وما نتج عنه من تعثر في تنفيذ مشاريع حيوية لتوفير خدمة قضائية جيدة للمرتفق. كما يبدو مقلقا أن يغيب عن الأجندة الحكومية منذ أكثر من سنتين أي حديث رسمي سري أو علني عن الرغبة في تدارس ممكنات فتح ورش الاستقلال المالي للسلطة القضائية.
وإذن يكون من صميم العمل الجمعوي الجاد أن يقع التحذير من مخاطر هذا التجاهل بلغة واضحة صريحة غير معنية بالقيود الحقيقية أو الوهمية التي قد تحكم بالصمت على من ساقته الأقدار إلى التموقع داخل المؤسسات الرسمية أو على هامشها.
وهي بالفعل إحدى عطايا التعددية صنو الديمقراطية والحرية في الاختيار ورسم المسار. فأن يتكلم نادي قضاة المغرب بصوت مسموع هو أمر مفيد للسلطة القضائية قبل أن يكون مفيدا للنادي الذي آثر على نفسه منذ النشأة أن يجتهد في تقديم أجوبة صادقة لأسئلة حارقة يتداولها الجميع في السر ويطرحها بالنيابة عنهم في العلن بدون ثمن.