صدقت الطفلة وصال ... وكذب وزير الصحة ومن معه

صدقت الطفلة وصال ... وكذب وزير الصحة ومن معه الأستاذ محمد الشمسي (يسارا) وأنس الدكالي وزير الصحة

لعل القراء يذكرون الطفلة وصال التي تجرعت مبيدا مسموما عن طريق الخطأ في فبراير الماضي، وصال البالغة من العمر ثلاث سنوات، والتي أخذها والدها من الدار البيضاء لزيارة جدها ضواحي بنسليمان، استغفلت الأهل وعثرت على قنينة من "الموناضا" فيها سائل أبيض، ظنته الصغيرة حليبا أو لبنا، فتجرعته بدون تردد، حيث أسرع طفل مرافق لها بإخبار والديها، ليجدوا السائل القاتل الأبيض سائلا فوق ذقنها الصغير، ورائحته منبعثة من فمها، فهرعوا بها نحو المستشفى الإقليمي ببنسليمان، وداخل ذلك المستشفى لا عناية ولا فحص ولا إسعاف، أخبروا الأب والأم والجدة أن المستشفى لا يتوفر على الأجهزة لغسل أمعاء الصغيرة، وأنه عليهم الانتظار إلى أن تعود سيارة الإسعاف.. وعندما غضب والد الطفلة، وهو يرى أن صغيرته في طريقها نحو الموت، وهمّ بإخراجها نحو مصحة أو مستشفى حقيقي، قام ممرض أو طبيب بتعليق كيس من "الصيروم" للصغيرة، وحملت الجدة  الكيس، وتكلف الوالد بحمل صغيرته، وأركبها سيارته نحو مدينة الدار البيضاء، انتهى التدخل الطبي بالمستشفى الإقليمي ببنسليمان، وجيء بالطفلة إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء؛ وتلك قصة أخرى ...

أثيرت ضجة إعلامية حول الجريمة، مما جعل النائب البرلماني عن الدائرة، الأستاذ محمد بنجلول، يوجه سؤالا لوزير الصحة، وقد أوفاني النائب البرلماني بجواب الوزارة بعد كل هذه المدة مشكورا.. وأود أن أشرك القارئ في جواب الوزير، مع تعليق بسيط لعبد بسيط مثلي، كانت مهمته هي الدفاع عن مصالح الصغيرة أمام إهمال المستشفى بصفتي محاميا .

أولا: وضع النائب البرلماني سؤاله في 13 فبراير 2019 ولم يتلق الجواب إلا بتاريخ فاتح أبريل من نفس السنة، أي بمرور 47 يوما من التحقيق، وكأنهم يحققون في قضية تسرب إشعاعات نووية، وهذا يتنافى مع الحق في المعلومة والنجاعة، وحق ممثل الأمة في جواب عن سؤاله.. فإذا كان سؤال واحد يتطلب الجواب عنه 47 يوما، فيكون الكف عن طرح الأسئلة هو الحل ..

ثانيا: ورد في الجواب أن الطفلة فعلا زارت المستشفى الإقليمي ببنسليمان، وأنه تم الكشف عنها، وأنه تم الاتصال بالمركز الوطني لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية الذي أوصى بإحالة الطفلة على المركز ألاستشفائي بالرباط، وأن إدارة المستشفى ببنسليمان طلبت من والد وصال الانتظار إلى حين وصول سيارة الإسعاف التي كانت في مهمة، فثار والد الطفلة في وجه الفريق المعالج رافضا الانتظار، وقام بإخراج الطفلة ضدا في رأي الفريق الطبي.. ( انتهى جواب الوزارة)..

فأولا لم يكن أحد من أفراد عائلة الطفلة وصال في ذلك اليوم يعرف اسم المبيد القاتل، وبالتبعية يستحيل على إدارة المستشفى الاهتداء لاسم المبيد كي تعرضه على المركز الوطني المذكور؛

وثانيا إذا كان المركز الوطني لمحاربة التسمم قد أوصى بنقل الصغيرة إلى المستشفى الجامعي بالرباط فهذا يعني أن هناك خطورة محدقة بها.. فكيف تطلب إدارة المستشفى من الأب انتظار وصول سيارة الإسعاف، وهم يعلمون أن مبيدا مسموما في أحشاء الصغيرة؟ وكيف يكون رد فعل أب يرى أن موت ابنته بات مسألة وقت، ثم يرى الفريق المعالج يطلب منه الانتظار إلى حين وصول سيارة الإسعاف التي هي في مهمة؟ من الذي هدد فعلا حياة الطفلة وصال، هل هو والدها الذي حاول إنقاذها بكل السبل؟ أم الفريق المعالج الذي اكتفى بطلب الانتظار سيارة إسعاف قد تأتي وقد لا تأتي؟ ...

ثالثا: ختمت وزارة الصحة جوابها باستنتاج غريب جاء فيه "يتضح من خلال ما سبق بأن شكاية المعني بالأمر لا أساس لها من الصحة وبها مغالطات كثيرة".. فأولا معنى المغالطة هو أن والد وصال أوقع الإدارة في الغلط، أو اتهمها ظلما بوقائع لم تقع، في حين أن وزارة الصحة تقر بأن الطفلة دخلت المستشفى، وقد شربت المبيد المسموم، وأن سيارة الإسعاف لم تكن رهن إشارة المستشفى لتنقل الصغيرة إلى الرباط، وأن والدها خاف على ابنته فقرر نقلها إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء.. فأين المغالطة في هذا؟ ومن يغالط الرأي العام بهذا الجواب الذي لو كنا فعلا في دولة الحق والقانون، ونعمل بدستور ربط المسؤولية بالمحاسبة لتقدم ذلك الفريق المعالج إلى المحكمة بتهمة عدم تقديم المساعدة لطفلة في خطر، وتهديد حياة طفلة، ولقدم وزير الصحة استقالته، ولعوقب مندوب الصحة، ومعه مديرة المستشفى.

رابعا: جاء في جواب الوزارة انه تكونت لجنة برئاسة المندوب الإقليمي لوزارة الصحة بمعية مديرة المستشفى، لكن بماذا قامت هذه اللجنة؟ هل اتصلت بوالد الطفلة لتأخذ تصريحا وشهادة منه؟ الجواب: أبدا، لقد تكونت اللجنة ممن يفترض أنهما المتهمان بعدم تقديم يد المساعدة للطفلة وصال وهي في خطر، لذلك فهما انتظرا 47 يوما ليكتبا ورقة من 8 سطور، يقولان فيها أن "العام زين" في المستشفى الإقليمي ببنسليمان، وأن الخطأ يكمن في الطفلة ذات الثلاث سنوات التي شربت المبيد المسموم، أو أن العيب في المبيد السموم الذي قبل أن تشربه صغيرة، أو أن العيب في والد الطفلة الذي "زاد فيه " وخشي على حياة ابنته فقرر نقلها على متن سيارته نحو مدينة الدار البيضاء، وأنه كان عليه انتظار سيارة الإسعاف فهي لن تتأخر أكثر من يوم واحد على أكبر تقدير  ...

خامسا: لم يذكر جواب الوزارة كيس "الصيروم" الذي علقوه للطفلة يومها، وتركوا جدتها تحمله، والأب يحمل ابنته، والتوكل على الله نحو المجهول ...

 في الختام وصال في صحة جيدة، وهي تلعب وتشاغب، وتتذكر تفاصيل إهمالها في ذلك اليوم المشهود، وتروي ما وقع لها في مستشفى بنسليمان بكل عفوية وصدق، ولا يزال يؤلمها وخز إبرة كيس "الصيروم" في ذراعها الصغير والجميل ...

شيء مؤسف أن يأتي الجواب مختوما بتوقيع وزير الصحة شخصيا، ربما راح الوزير ضحية معلومات مغلوطة أوصلها له من لا يقومون بواجبهم الذي يتقاضون عليه رواتب سمينة من أموال دافعي الضرائب.. لكن المثير أن الجواب مؤرخ في 1 أبريل، وقد تزامن مع اليوم العالمي للكذب..

- محمد الشمسي (محامي بهيئة المحامين بالدار البيضاء)