يقول لرصيف22: "تشهد المناطق الصحراوية التي تسيطر عليها البوليساريو بعض ممارسات العبودية، وهي بقايا ظاهرة اجتماعية قديمة في المجتمع الصحراوي، وبدأت تتضاءل منذ الثورة إلى الآن".
رغم تجريم قوانين البوليساريو للعبودية عام 2011، إلا أنه يصعب إنهاء الظاهرة إذ تتحرك الدعوى فقط عندما يشتكي المتضرر.
تتناقص أعداد المستعبَدين في السنوات الأخيرة، لكن الحكومة تتكتم على الأمر بحسب زيدان الذي يضيف: "توجد حالات محرجة بالنسبة للبوليساريو، وتستعين ببعض شيوخ القبائل، وأصوات مرتشية لطمسها وتجنب وصولها إلى الإعلام، ولم يتواصل المستعبَدون مع منظمة العفو الدولية حين زارت المخيمات خوفاً مما سيحدث لهم بعد رحيل فريقها".
تنفي الحكومة وجود ظاهرة الرق في المخيمات، وهي ظاهرة عرضها وثائقي "المسلوب" Stolen الأسترالي عام 2009، كما تناولها تقرير لهيومن رايتس ووتش عام 2014.
وقال مصدر رفض ذكر اسمه في قسم الشكاية والرصد والمتابعة التابع للجنة الوطنية لحقوق الإنسان في المخيمات، لرصيف22 إنه لم تسجل حالات عبودية.
تتجنب الحكومة الحديث عن الظاهرة خوفاً من خسارة تأييد القبائل. ويقول مصدر نقلاً عن أحد الشيوخ: "الرق يتوافق مع الإسلام، ويجب ألا يجرم حتى لا تحدث ردة عن الدين الذي يعلو فوق كل شيء".
تأجيل إلى ما بعد الاستقلال
يمنع الدستور الصحراوي الكثير من الأمور قبل الاستقلال، مثل تشكيل الأحزاب السياسية، والحق في التنقل والتملك والعمل.
يقول زيدان إنه يمكن للمؤتمرين تعديل الدستور خلال مؤتمر الجبهة الذي يُعقد كل أربع سنوات، لكن عدم إدخال التعديلات المطلوبة قد يكون مقصوداً "كي لا يطالب أحد البوليساريو بتحسين الأوضاع، فالأوضاع الاستثنائية تعلق عليها الكثير من الحلول".
يحدث ذلك في ظل حديث عن سرقة المساعدات الإنسانية المقدمة من الاتحاد الأوروبي للاجئين وبيعها في السوق السوداء، من قبل أفراد في البوليساريو والسلطات الجزائرية.
حقوق المرأة ضحية للسياسة
حصلت فاطمة (اسم مستعار)، 45 عاماً، على حريتها بعد عدة جلسات في المحكمة. كان زوجها يرفض تطليقها. "بقيت معلقة لأربع سنوات"، تقول لرصيف22. خلال تلك الفترة لم ينفق زوجها على أطفاله عدا هدايا وملابس الأعياد فقط.
فاطمة كانت أكثر حظاً من غيرها. فبحسب أمينة (اسم مستعار)، العاملة في قسم ترقية المرأة في الاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية سابقاً، وهي منظمة جماهيرية تابعة للبوليساريو، هناك نساء كثيرات غاب عنهن أزواجهن لعدة سنوات ولا يستطعن الطلاق لأن القضاة أو شيوخ القبائل المسؤولين يعتبرون أن الطلاق لا يقع إلا بحضور الزوج.
وتقول لرصيف22: "رافقت بنفسي عدة نساء إلى المحاكم، ولم يتم إنصافهن حتى الآن، ويعمل الشيوخ المحليون يدوياً بدون قاعدة بيانات، ما يتسبب بأخطاء بشرية".
في مخيمات الصحراء، لا يوجد قانون للأحوال الشخصية، ويسبب ذلك مشاكل كثيرة للنساء خاصة في ما يتعلق بطلب الطلاق. تقول أمينة: "أغلب القضاة لا يعترفون بما يسمى شرعاً بالتطليق للضرر، أو الخلع، قد تقضي المرأة حياتها معلقة"، هذا عدا عدم إلزام الرجل بالنفقة بحال الطلاق وحرمان الأمهات من حضانة الأطفال.
يتم الطلاق في المخيمات عبر رسالة الحرية، وهي ورقة يكتبها قاضي الدائرة، بناءً على طلب الزوج، ولا يشترط أن توقع من المحكمة، يدرج فيها اسم الزوج وأنه يطلق فلانة، دون ذكر لنفقة الزوجة أو الأولاد، وهي طريقة بدائية للغاية.
تشير أمينة إلى أن كل الأمور المتعلقة بالطلاق والزواج لا يوجد قانون ينظمها، وتترك الحكومة كل ما يتعلق بها للقضاة المحليين، وهم عادة شيوخ عارفين بالقرآن والشريعة فقط.
تمتنع البوليساريو عن استحداث قانون للأحوال الشخصية والأسرة بحسب أمينة لأنه "ليس في صالحها الآن"، وتضيف: "سمعت خلال عملي عن خشية البوليساريو من غضب الرجال وتخليهم عنها، إنْ قامت بذلك. أيضاً إقرار النفقة صعب بسبب والفقر والبطالة المتفشية".
خلال سنوات عمل أمينة في الاتحاد الوطني للمرأة الصحراوية، كان الاتحاد يقوم بورش توعوية للنساء للمطالبة بالقانون. تقول: "تعرف الحكومة أن هناك شقاً توعوياً للمنظمة، لكنها تتركنا نفعل ما نريد ترويجاً للديمقراطية فقط، لإعطاء صورة حسنة عن واقع حقوق المرأة في المخيمات وإظهار الحكومة بمظهر لائق أمام المنظمات الحقوقية العالمية. النساء أنفسهن يعتقدن أننا متقدمون جداً في هذا الأمر مثلما يروج".
تنتشر في المخيمات أيضاً ظاهرة الاغتصاب. تقول فداء (اسم مستعار)، وهي ناشطة سابقة في المجتمع المدني تعيش في المخيمات، لرصيف22: "أكثر ما يخيفني أنا وأغلب الفتيات هو حالات الاغتصاب المنتشرة. الحالات ليست كثيرة لكن بالنسبة لمكان صغير مثل المخيمات تصبح كابوساً".
تتكتم الحكومة على إحصاءات الاغتصاب، بحسب أمينة، ولا تظهر سوى أرقام الحالات التي تصل إلى الشرطة، وهي حالات قليلة، وتُعرف من التدوين عنها على وسائل التواصل الاجتماعي.
يشير عبد الله إلى أن المخيمات شهدت العام الماضي سبع حالات اغتصاب، ويقول: "هذا أعلى معدل منذ سنوات، وهو العدد الذي عرفناه فقط، لا يمكن الوصول إلى الضحية بسهولة، فهي تفضّل الصمت، وتفضل المنظمات الحقوقية عدم فتح ملفات تحرج النظام، ولا أعتقد أن الوزارة تتابع هذه الحالات، إذ تحل ودياً ويجبر خاطر الضحية وأهلها من قبل القبيلة فقط".
تفسر دافة العداء الواضح من الرجال لحقوق المرأة إلى الميزوجينية وإلى فكرة أن الأولوية هي للقضية العامة، وتضيف: "كذلك هنالك مبررات دينية، وتقاليد، وتعتقد السلطات أن الدعم الحقوقي للنساء وتحقيق مطالبهن يضعف القضية العامة".
تنفي وزيرة ترقية المرأة في الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية محفوظة رحال انتشار الاغتصاب في المخيمات، وتقول لرصيف22: "هنالك حالات فردية لا يتسامح معها القانون الصحراوي وننسق مع وزارة العدل من أجل الاطلاع على مدى انتشار الظاهرة. العام الماضي وقعت حالتان فقط إحداهما لم تثبت طبياً".
تؤكد رحال أن هناك مشكلات وعوائق تواجه المرأة الصحراوية، ولكنها تشير إلى أن "الأحاديث حول المخيمات تحمل الكثير من المبالغة".
وتضيف: "ننادي النساء أحياناً لنقاش قضاياهن، لكن تبقى القاعات فارغة دون جمهور. لا تستفيد النساء من الفرص المقدمة لهن من قبل الثورة الصحراوية وهذه هي المشكلة، ويعتبرن الزواج والإنجاب أولوية على حساب المشاركة المجتمعية، ولا يكافحن بشكل كافٍ للحصول على الحقوق العامة".
بين القبيلة والمجتمع الدولي
يعتبر محمد (اسم مستعار)، وهو ناشط صحراوي يعيش في المخيمات، أن "المشكلة هي في تقبل المجتمع الصحراوي لمفهوم المواطنة الحقيقية والانتقال قولاً وفعلاً إلى مفهوم الدولة".
تضع القبيلة يدها على كل شيء والبوليساريو في مأزق. يشرح محمد لرصيف22: "يمر تقرير المصير عبر القبيلة. القبيلة هي مَن يحدد أسماء الناخبين في استفتاء تقرير المصير الذي تطالب به الجبهة، ما يجعل الدولة الصحراوية تخاف من خسارة القبيلة، وبالتالي خسارة مشروع وطني مرهون بتنظيم استفتاء تقرير المصير".
وهنالك خلاف بين البوليساريو والمغرب حول مَن يحق له المشاركة في استفتاء على تقرير مصير الصحراء الغربية.
يشير محمد إلى أن الحكومة تفضّل مؤخراً عدم التصدي لمشاكل كثيرة في الآونة الأخيرة لأنها تعاني من ضغط كبير، نظراً لعدم رضى الشعب الصحراوي بصفة عامة عن واقع القضية الوطنية اليوم، ويقول: "الاحتلال، والأرض المقسمة والملغمة، وتوقف مسلسل التسوية الأممي، يجعل من الطبيعي أن تبدو قضية تقرير المصير أكثر إلحاحاً".
تخفي البوليساريو المشاكل وتبعدها عن الإعلام، ويشرح زيدان أنها "حولت معركتها مع الاحتلال المغربي إلى معركة حقوقية بامتياز، وليس من مصلحة أي منهما تناول التجاوزات في الإعلام، وإضعاف موقفه أمام العالم".
لا يستبعد زيدان أن تكون الجبهة "ضحية معادلة إقليمية كبيرة، وتتعرض لضغوطات تمنعها من التقدم"، لكنه يضيف: "أعيب عليها عدم مكاشفة الجماهير بحقيقة النفق المظلم الذي دخلته القضية منذ عام 2007، واستمرار تسويق الوهم للناس".
في الصحراء الغربية... أيضاً قمع
في أراضي الصحراء الغربية الخاضعة للحكم المغربي، لا تقلّ المشاكل، بل تتضاعف، فهنا يعيش الصحراويون تحت وطأة القمع المغربي وقمع ثقافة أولوية القضية الوطنية.
يرفض المجتمع الصحراوي الحديث عن قضايا القبلية والعنصرية تجاه أصحاب البشرة السوداء وحرية المعتقد والميول الجنسية وحقوق المرأة، أو أي قضية تتحدى الأعراف السائدة. تعزو الناشطة الحقوقية المقيمة في الصحراء الغربية نزهة الخالدي ذلك إلى "تعوّد المجتمع على نمط معين من الحياة لا يتحدث فيه سوى عن مأساة الاحتلال وما يتعرض له الصحراويون من عنف جسدي، واعتقالات، وتهميش، وتجويع".
وتقول لرصيف22: "أصبحت الحقوق التي نحاول أن ننعم بها هي ألا نسجن أو نعذب، فكيف سيتقبل المجتمع الخوض في قضايا لا يراها بعين الشخص الحر؟".
تتحكم القبيلة في حياة الصحراويين وكثيراً ما تحاول إبعاد القضايا الخلافية عن القضاء المغربي. تعزو الخالدي الأمر إلى سمعة السجون المغربية السيئة بالنسبة للصحراويين، ما يجعل تدخل العائلة محاولة للتكيف مع غياب المحاكمة العادلة من قبل السلطات المغربية.
وبحسب مستشار قانوني يعيش في الصحراء الغربية تحل بعض القضايا ودياً إذا كان لها علاقة بالإرث أو بخلاف بين زوجين، ولكن في حالات كثيرة تصل إلى القضاء المغربي. وبرأيه، "تظهر عنصرية القضاء المغربي في القضايا السياسية، وإذا كان للأشخاص نشاط مناهض للاحتلال".
في أراضي الصحراء الغربية الخاضعة لسيطرة المغرب، كما في المخيمات، يتهم مَن يتحدث عن المشاكل بأنه شاق للصف، ولا يخدم القضية الصحراوية من قبل المجتمع. تلفت الناشطة سامية (اسم مستعار) إلى أن "الصحراويين يخشون من التنمر المجتمعي"، وتعترف بأنه "حتى الآن لا توجد معالجة حقيقية للقضايا تجعلنا نعرف كيف سيتعامل معنا المجتمع إذا تحدثنا عنها".
يختلف الأمر عند الحديث عن حقوق المرأة. هذه القضية الوحيدة الواضحة للجميع، والحديث عنها منظم من ناشطات نسويات صحراويات في الصحراء الغربية والمخيمات والمهجر.
ولكن بحسب سامية: "نتعرض لضغوطات كثيرة وخطيرة، فالحديث عن قضايا النساء بمعزل عن القضية الوطنية يضعك في موضع تكذيب وتخوين، هناك رواية رسمية واحدة على الجميع أن يقبلها ويسوقها ويقتنع بها عن وضع النساء في مجتمعنا، يقولون إننا نخدم أجندات غربية، وهناك مَن يطالبنا بتأجيل الحديث عن أي قضايا حتى نيل الشعب الصحراوي استقلاله. إنها تجربة قاسية ومتعبة فلا يتم إسكاتك فقط من المجتمع الأبوي، بل من القوى التي تقدم نفسها كثورية ويسارية ومناضلة من أجل الحرية".
يعود غياب تقبّل الحديث عن المشاكل الاجتماعية في الصحراء الغربية إلى منع الحكومة المغربية تسجيل منظمات حقوقية مستقلة تحظى بثقة الصحراويين.
من ناحية أخرى، تقول سامية: "يخشى الصحراويون أن نقد البنى القمعية الأخرى غير الاحتلال قد يعد قبولاً به، لأنهم غير معتادين على ذلك. يقوي الاحتلال دور القبيلة، ويضعف أي وعي ناشئ يجعل الحديث عن قضايانا ممكناً، نحن محاصرون فكرياً".
في ظل كل هذه التعقيدات، تأمل نزهة الخالدي التي تُحاكَم بسبب نشاطها السياسي السلمي وعملها الصحافي، وحظيت قضيتها بتضامن عالمي واسع، أن تتغير الأمور في المستقبل، وتقول: "يجب أن نقتنع بأننا في معركة لبناء ما بعد الاستقلال وليس للتحرير فقط".