شكل موضوع الاستثمار اهتماما، واسعا من قبل العديد من الفاعلين وعلى رأسهم المؤسسة الملكية،إذ أن الشغل الشاغل لها خلق فرص الشغل لامتصاص شبح البطالة التي تؤرق مختلف شرائح المجتمع المغربي،فمنذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس ،تبنى مفهوما جديدا للسلطة،و ذلك في خطاب 12 أكتوبر 1999،هذا المفهوم أعطى صبغة جديدة للسيادة،إذ لم تعد هذه الأخيرة بذلك المفهوم التقليدي الكلاسيكي،و إنما أصبحت قائمة على العامل الإقتصادي،و جعل السلطة في خدمة المواطن و قريبة منه.
وتعتبر المراكز الجهوية للاستثمار سلسلة من سلسلات العهد الجديد،إذ أنه بتاريخ 9 يناير 2002،وجه جلالة الملك رسالة سامية بخصوص التدبير اللامتمركز للاستثمار إلى الوزير الأول آنذاك "السيد عبد الرحمان اليوسفي"،شكلت هذه الرسالة عزم جلالته إلى إنعاش الاستثمار و اعتباره محفز أساسي على التنمية الاقتصادية والاجتماعية،و كان متوقعا ان يوجه جلالته رسالة خاصة بالاستثمار،و هذا ما يمكن استخلاصه من الخطاب الملكي بالجرف الأصفر حول تخفيض كلفة الإنتاج بالنسبة للمقاولات و خاصة الطاقة الكهربائية،ثم الخطاب الملكي بخصوص المفهوم الجديد للسلطة سنة 1999،و أخيرا خطاب افتتاح البرلمان سنة 2000 إذ أكد فيه جلالته على ضرورة خلق شباك موحد على مستوى كل جهة،مع تحديد أجل سريع للبت في المشاريع الاستثمارية.و بالتالي فالرسالة الملكية تشكل بكل صدق التجسيد الفعلي للمفهوم الجديد للسلطة القائم على البعد الاقتصادي.
وما يمكن ملاحظته قبل الخوض في مضامين الرسالة الملكية،أن جلالته اختار مدينة الدار البيضاء دون غيرها من المدن لإلقاء هذه الرسالة،و هذا الإختيار لم يكن اعتباطيا أو عشوائيا بل كان يحمل إشارات و دلالات،بإعتبار مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمملكة و قبلة للعديد من الفاعلين السياسيين و الاقتصاديين،فجلالته وجه الرسالة أمام الفاعلين الاقتصاديين والحكومة و المنتخبين،و هذه رسالة واضحة من جلالته أن الجميع مسؤول على الاستثمار و الدفع بالمغرب إلى الأمام،فالتنمية هم مشترك، وكما يقال في المثل المتداول"اليد الواحدة لا تصفق"،فجلالته منذ اعتلائه العرش وهو يحرص على المقاربة التشاركية في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
و بقراءة متأنية للرسالة الملكية نجدها تحمل في طياتها بعدين أساسيين لا ثالث لهما:
+البعد السياسي:إذ شكلت تكريسا للاتمركز الإداري عبر منح الولاة اختصاصات واسعة في ميدان الاستثمار عبر سلطة التفويضات من طرف الإدارة المركزية،و بفضل هذه التفويضات تحولت مؤسسة الوالي في العهد الجديد للملك محمد السادس من تلك المؤسسة التقليدية التي هاجسها الأكبر المحافظة على النظام العام،بمعنى الهاجس الأمني،إلى مؤسسة حديثة تقوم على التنمية الاقتصادية والاجتماعية،شغلها الشاغل هو الحفاظ على توازنات الجهة اقتصاديا و أمنيا.
+البعد الإداري:جعل المراكز الجهوية للاستثمار المخاطب الوحيد للمستثمرين،فحسب الرسالة الملكية تم التنصيص انها تتوفر على مدير يسهر على عملية التنشيط و التدبير الإداري للمراكز مع خضوعه لسلطة الوالي،و شدد جلالته على مراعاة الكفاءة و النزاهة في اختيار الشخص المناسب لمنصب المدير،و تتوفر أيضا على شباكين أساسيين:
*الشباك الخاص بإنشاء المقاولة:مهمته توجيه و دراسة ملفات إنشاء المقاولات،فهو يضع رهن إشارة المستثمرين مطبوعا موحدا يضم جميع المعلومات المتعلقة بإنشاء المقاولة،كما يسهر على تسليم كل الوثائق الضرورية لإنشاء المقاولة،فالحرص الملكي،جعل جميع الإدارات ممثلة في هذا الشباك و ذلك لشيئ واحد،عناية جلالته بالمواطن و تقريب المرفق العمومي إليه،بعيد عن كل تعقيد،إذ نجد:
•إدارة الضرائب:تقوم مصالحها بعملية التقييد في الضريبة المهنية و التسجيل و تحصيل الرسوم المتعلقة بها؛
•إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:السهر على مسك التصاريح المتعلقة بالتأسيس، و إعطاء الأرقام المتعلقة بالانخراط في هذا الصندوق؛
•المكتب المغربي للملكية الصناعية و التجارية:مهمته منح الشواهد السلبية للمقاولات الراغبة في الحصول على إسم أو علامة تجارية؛
•إجراءات النشر بالجريدة الرسمية:التنسيق بين المستثمرين و الطبعة الرسمية المتواجدة بالرباط؛
•تصحيح الإمضاءات:هدفها التخفيف على المستثمرين عناء التنقل إلى الجماعات الترابية التي توجد في بعض الأحيان في مناطق بعيدة.
وبالتالي بفضل هذا الشباك الذي جاء تجسيدا للتعليمات الملكية السامية في الرسالة التي وجهها إلى الوزير الأول،تم تخلق العديد من المقاولات في ظرف وجيز،و هذا يعود إلى إعطاء تمثيليات للعديد من الإدارات داخل هذا الشباك،إذ هناك مقاولات تم احداثها في ظرف أربعة أيام،هذه المدة و إن كانت تبدو سريعة في المغرب،ففي الدول الأخرى خاصة الغربية يتضح لنا أنها طويلة،لأنه إذا ذهبنا إلى كندا مثلا على سبيل الاستئناس نجد ان مدة إحداث المقاولة تستغرق فقط 120 دقيقة(ساعتين).
*شباك مساعدة المستثمرين:هذا الشباك لا يحظى بأهمية أقل من الشباك الخاص بإنشاء المقاولة،إذ يلعب دورا مهما في توفير مناخ ملائم للمستثمرين و ذلك من خلال تزويدهم بالمعلومات الضرورية عن طبيعة الاستثمار بالجهة و دراسة المشاريع الاستثمارية و تقديمها للمصادقة عليها.
يتضح لنا من هذه الرسالة الملكية التي شكلت إطارا مرجعيا للاستثمار بالمغرب أنها أعطت نفسا جديدا للاستثمار متجاوزة بذلك التجارب السابقة التي خاضها المغرب بعد حصوله على الإستقلال،بدءا بقانون الاستثمار سنة 1958 ثم سنتي 1960 و 1969 وسنة 1973،مرورا بسنة 1981 و 1983 و 1985و 1989،و توج ذلك بميثاق شامل للاستثمار و هو القانون الإطار 18.95،فالرسالة الملكية جاءت بعد الميثاق لخلق دينامية جديدة و جعل المغرب ذو قدرة تنافسية على جلب الاستثمارات،هذه المراكز الجهوية للاستثمار في البداية إلى حدود سنة 2015 أعطت أكلها و ثمارها و صنفت مدينتي طنجة و مكناس من أفضل المدن التي تتوفر على قدرة جاذبية تنافسية حسب تقرير البنك الدولي،لكن في الآونة الأخيرة بدأت تتقهقر و تتدهور.
إن المتتبع للخطب الملكية يجد شيئا أساسيا هو اهتمامها بالتنمية و اعتبار الاستثمار حجر الزاوية لتحريك عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية،فمن غير المنطقي ألا تواكب الإدارة العمومية المشاريع التنموية التي أطلقها جلالة الملك كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية،و مخطط المغرب الأخضر و مخطط المغرب الأصفر،و مخطط المغرب الأزرق،ثم مخطط الإقلاع الصناعي،و ورش الجهوية المتقدمة،و على الصعيد الدولي،عودة المغرب للاتحاد الإفريقي،و ابرام اتفاقيات مع الدول العربية و الآسيوية كالصين مثلا و الإفريقية ثم اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي.
وقد سبق لجلالة الملك أن قام بتشريح دقيق لأمراض الإدارة المغربية في الخطاب الملكي الموجه لنواب الأمة بتاريخ 14 أكتوبر 2016 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى لعاشر ولاية تشريعية،اذ قال جلالته:"..إن المرافق والإدارات العمومية، تعاني من عدة نقائص ، تتعلق بالضعف في الأداء، و في جودة الخدمات، التي تقدمها للمواطنين.
كما أنها تعاني من التضخم ومن قلة الكفاءة ، وغياب روح المسؤولية لدى العديد من الموظفين.
إن الإدارة تعاني، بالأساس، من ثقافة قديمة لدى أغلبية المغاربة.
فهي تشكل بالنسبة للعديد منهم مخبأ، يضمن لهم راتبا شهريا، دون محاسبة على المردود الذي يقدمونه.
غير أن المسؤولية تتطلب من الموظف، الذي يمارس مهمة أو سلطة عمومية ، تضع أمور الناس بين يديه، أن يقوم على الأقل بواجبه في خدمتهم والحرص على مساعدتهم .
والواقع أن الوظيفة العمومية لا يمكن أن تستوعب كل المغاربة. كما أن الولوج إليها يجب أن يكون على أساس الكفاءة والاستحقاق وتكافؤ الفرص.
السيدات والسادة البرلمانيين المحترمين،
إن الصعوبات التي تواجه المواطن في علاقته بالإدارة كثيرة ومتعددة ، تبتدئ من الاستقبال ، مرورا بالتواصل، إلى معالجة الملفات والوثائق ؛ بحيث أصبحت ترتبط في ذهنه بمسار المحارب.
فمن غير المعقول أن يتحمل المواطن ، تعب وتكاليف التنقل إلى أي إدارة ، سواء كانت قنصلية أو عمالة ، أو جماعة ترابية ، أو مندوبية جهوية وخاصة إذا كان يسكن بعيدا عنها ، و لا يجد من يستقبله ، أو من يقضي غرضه .
ومن غير المقبول ، أن لا تجيب الإدارة على شكايات وتساؤلات الناس وكأن المواطن لا يساوي شيئا ، أو أنه مجرد جزء بسيط من المنظر العام لفضاء الإدارة.
فبدون المواطن لن تكون هناك إدارة. ومن حقه أن يتلقى جوابا عن رسائله، وحلولا لمشاكله، المعروضة عليها. وهي ملزمة بأن تفسر الأشياء للناس وأن تبرر قراراتها التي يجب أن تتخذ بناء على القانون...إن المشاكل التي تواجه المواطن في الإدارة تتجسد بشكل واضح في العراقيل التي تعيق الاستثمار ، رغم إحداث المراكز الجهوية واستعمال الشباك الوحيد لتبسيط المساطر و تسريع عملية اتخاذ القرار.
صحيح أن بعض المستثمرين ، في بعض الحالات ، يقدمون ملفات غير كاملة، إلا أنه بدل أن يقوم الشباك بمساعدتهم وعرض قائمة من الحلول لتشجيعهم ، يلاحظ أنه يتم تعقيد الأمور عليهم وتكبيلهم بسلسلة من القيود والعراقيل.
وبهذه العقلية والتمادي في مثل هذه التصرفات، فإن الشباك الوحيد سيبقى دون جدوى.
وقد أكدت أكثر من مرة ، على ضرورة حل المشاكل ، ومعالجة الملفات في عين المكان. كما أعطيت تعليماتي للحكومة، ووجهتها لاتخاذ الإجراءات الإدارية بهذا الخصوص.
فما جدوى الرسالة التي وجهتها إلى الوزير الأول منذ 2002 وما فائدة الجهوية واللامركزية واللاتمركز ، إذا استمر الوضع القديم واستمرت المشاكل السابقة ؟
إن هذا الوضع غير مقبول ، ولا ينبغي أن يستمر . فالمستثمر عندما لا يتلقى جوابا وإذا لم يتم حل المشكل الذي يواجهه، فإنه يرجع أمواله إلى البنك، إذا كان مقيما في المغرب.
أما إذا كان من أبناء الجالية، وفضل الاستثمار في وطنه ، فإنه يكون مجبرا على العودة بأمواله إلى الخارج .
وبذلك يتم حرمان الوطن من فرص الاستثمار والتنمية ، و حرمان المواطنين من فرص الشغل.
إن الشباك الوحيد ليس إلا واحدا من الأوراش، لمعالجة العراقيل التي تواجه الاستثمار .
وإذا لم يتم إيجاد الحلول الناجعة لها ، بعد كل هذه السنوات ، فكيف سيتم تطبيق باقي النقط المهمة الواردة في رسالتنا إلى الوزير الأول والتي تخص علاقة المواطن بالإدارة وتبسيط المساطر وتشجيع الاستثمار؟..".
إن اختيار جلالة الملك توجيه انتقادات إلى الإدارة العمومية أمام البرلمان يحمل عدة دلالات بمعنى يجب على السلطة التشريعية بإعتبارها ممثل الأمة إقتراح سياسات عمومية فعالة و مجدية ترتكز على مبادئ الحكامة الجيدة التي جاء بها دستور 2011 في الباب الثاني عشر منه،فهذا الخطاب الملكي جاء بعبارات قوية و صريحة وواضحة وضوح الشمس بعدما لم تعد لغة التلميح تجدي نفعا مع المسؤولين سواء المعينون أو المنتخبون،و على الرغم من أن كل فقرة من الفقرات التي ذكرناها في الخطاب الملكي تستحق الوقوف عندها بالدرس و التحليل لما تتضمنه من إشارات قوية إلا أننا سنقتصر على المراكز الجهوية للاستثمار التي استدل بها جلالة الملك كمثال على ضعف الإدارة و سوء الحكامة و ضعف النجاعة و ضعف الجودة في الخدمات التي تقدمها للمواطنين،و لعل في إعطاء جلالته المثال بالمراكز الجهوية للاستثمار على وجه التحديد لتشخيص الوضعية المزرية للإدارة المغربية،سواء على الصعيد المركزي أو الترابي،لخير دليل على الرؤية الرشيدة و الحكيمة لجلالته بأن تشجيع الاستثمار يؤدي إلى خلق الثروة و مناصب الشغل.
و بالرجوع إلى الخطاب الملكي سنة 2018 بمناسبة عيد العرش،دعا جلالته الحكومة إلى إخراج ميثاق جديد للاستثمار و إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار،وتمكينها من الصلاحيات للقيام بأدوارها،مثل الموافقة على القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين،بدل نظام الإجماع،و تجميع جميع اللجان المعنية بالاستثمار في لجنة جهوية موحدة،وأن الإدارة إذا تأخرت لمدة شهر في الرد على طلبات الاستثمار يعتبر الطلب مقبولا،و أنه لا يجب عليها الطلب من المستثمرين إحضار وثائق تتوفر عليها إدارات أخرى،و ذلك ضمانا للتناسق بين الإدارات فيما بينها.
وما يمكن ملاحظته هو ان جلالة الملك خصص جزءا هاما للحديث عن المراكز الجهوية للاستثمار،سواء في خطاب افتتاح البرلمان سنة 2016 او عيد العرش سنة 2018،و هذا لا يدل إلا على شيئ واحد المكانة التي تحظى بها هذه المؤسسات و لما لها من دور فعال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي سنة 2019،دخل حيز التنفيذ القانون الجديد المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار و إحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار 47.18،الذي جاء تجسيدا للخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش سنة 2018،إذ تحولت المراكز الجهوية للاستثمار إلى مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية و بالاستقلال المالي مع خضوعها لوصاية الدولة و رقابتها المالية طبقا لأحكام الباب الخامس من القانون.
ويحدد القانون الجديد مهام المراكز الجهوية للاستثمار في المساهمة في تنفيذ سياسة الدولة في مجال تنمية الاستثمارات وتحفيزها وإنعاشها وجلبها على الصعيد الجهوي، والمواكبة الشاملة للمقاولات، لاسيما المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا.
ويلزم القانون السلطات الحكومية والادارات والهيئات العمومية بموافاة المراكز الجهوية للاستثمار بالاستراتيجيات الوطنية القطاعية أو بين قطاعية والتوجهات العامة وبرامج ومشاريع التنمية التي تقررها لإنعاش الاستمثار وبالمعطيات والمعلومات والوثائق التي تتوفر عليها والتي تعد ضرورية للقيام بمهامه، لا سيما تلك المتعلقة بتنمية الاستثمار على صعيد الجهة.
ويسير المركز مجلس إدارة ويسيره مدير يعين طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل. ويتألف المجلس، تحت رئاسة والي الجهة المعنية، من رئيس مجلس الجهة المعني أو أحد نوابه، الممثلون الجهوين للإدارات العمومية المعنية بتنمية الاستثمارات والمحددة بنص تنظيمي وممثلو المؤسسات العمومية ورؤساء غرف التجارة والصناعة والخدمات والفلاحة والصيد البجري والصناعة التقليدية بالجهة المعنية والممثل الجهوي للمنظمة المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية وثلاث شخصيات مستقلة مشهود لها بالكفاءة في المجالات المرتبطة بالمهام المخولة للمراكز، يتم تعيينها من قبل رئيس مجلس الإدارة.
ويجتمع مجلس الإدارة بدعوة من رئيسه كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وعلى الأقل، ثلاث مرات في السنة: قبل 31 مارس لدراسة حصيلة أنشطة المركز خلال السنة المالية المختتمة والنتائج المحصل عليها، قبل 30 يونيو لحصر القوائم التركيبية للسنة المالية المختتمة، قبل 31 أكتوبر لدراسة الميزانية والبرنامج التوقعي للسنة المالية وحصرهما.
وينص القسم الثاني من القانون على إحداث جهاز تقريري على صعيد كل جهة من جهات المملكة يعهد إليه بتنسيق عمل الإدارات المختصة في مجال الاستثمارات يحمل اسم اللجنة الجهوية الموحدة للاستثمار.
وستتولى هذه اللجان إجراء تقييم مسبق لمشاريع الاستثمار المعروضة عليها، من الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والعمراني، وكذا في ما يتعلق بإحداث مناصب الشغل، والتحقق عند الاقتضاء، من قابليتها للاستفادة من نظام التحفيزات والامتيازات التي تمنحها الدولة كما هو منصوص على ذلك في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، والبت أو إبداء رأيها أو رأيها المطابق في جميع القرارات الإدارية الضرورية لإنجاز مشاريع الاستثمار.
وبخصوص تأليف اللجنة وكيفيات سيرها، فإن القانون ينص على أن يرأس والي الجهة اللجنة الجهوية ويمكن له أن يوفض رئاستها إلى مدير المركز الجهوي للاستثمار المعني. وتتألف اللجنة الجهوية، حسب القضايا المدرجة في جدول الأعمال، من عمال العمالات والأقاليم التي ستنجز داخل نفوذها الترابي مشاريع الاستثمار أو ممثلوهم، رؤساء مجالس الجماعات التي التي ستنجز داخل نفوذها الترابي مشاريع الاستثمار أو أحد نواب كل واحد منهم، مدير المركز الجهوي للاستثمار، المدير العام للمصالح بإدارة الجهة، ممثل عن ولاية الجهة المعنية، مدير الوكالة الحضرية المعنية أو من يمثله، المسؤولون الجهويون عن المصالح اللاممركزة والممثلون الجهويون للمؤسسات العمومية وكل الهيئات الأخرى المعنية بمشروع أو مشاريع الاستثمار.
ويشير القانون في قسمه الثالث إلى اللجنة الوزارية للقيادة التي توجد تحت رئاسة رئيس الحكومة وهدفها تتبع عمل المراكز في مجال تنفيذ سياسة الدولة على المستوى الجهوي الرامية إلى إنعاش الاستثمارات والتحفيز عليها وتنميتها، بتنسيق مع الإدارات والهيئات المعنية.
وتتولى اللجنة الوزارية قيادة إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وتتبع تنفيذه والنظر في اقتراحات المراكز الرامية إلى تسوية الصعوبات التي قد تعترضها أثناء القيام بمهامها المتعلقة بتبسيط المساطر الإدارية المتعلقة بالاستثمار وتلك المتعلقة بتوفير عرض مندمج وجذاب للاستثمار على صعيد الجهة والبت في الطعون ودراسة تقارير تقييم الأداء.
و ما يمكن ملاحظته هو أن القانون 47.18 يضم شقين،شق متعلق بالمراكز الجهوية للاستثمار و شق متعلق بإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار،و بالتالي خلق نوعا من انعدام التوازن في الكم إذ خصص حيزا كبيرا للحديث عن المراكز الجهوية للاستثمار(27 مادة) بالمقارنة مع إحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار(12 مادة)،أما اللجنة الوزارية للقيادة تم تناولها فقط في ثلاث مواد، في حين كان من المفروض صدور قانون آخر يتحدث عن إحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار و ليس دمجهما في قانون واحد.
وفي الأخير،عموما،فالمراكز الجهوية للاستثمار في صبغتها الأولى منذ سنة 2002 كانت ستنجح إذا كانت استمرت على نفس المنوال الذي ذهبت به في اليوم الأول،فتركيبتها كانت لا تعاني من النقص،كما أن المشكل في تراجعها لا يكمن في ضعف النص القانوني،بالعكس فالقوانين المغربية تضاهي الدول المتقدمة،المشكل الحقيقي يكمن في العقليات التي لم تتغير و تحن إلى سلوكات الماضي،و نجاح القانون الجديد 47.18،رهين بتوفر إرادة حقيقية لدى الجميع و بتوفر المراكز الجهوية للاستثمار على موارد بشرية مؤهلة تتمتع بالكفاءة و النزاهة و الإنسانية و حسن التعامل مع المواطنين و حسن استقبالهم،و أن كل مسؤول لا يستطيع القيام بمهامه عليه التحلي بالجرأة و الشجاعة لتقديم استقالته تنفيذا لما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش سنة 2017،إذ قال جلالته:"...كفى واتقوا الله في وطنكم،إما أن تقوموا بمهامكم كاملة و إما أن تنسحبوا،فالمغرب له نساؤه و رجاله الصادقون..."،و ذلك لخلق جو تسوده الثقة ما بين الإدارة و المواطن،و بالتالي على جميع الفاعلين أن تكون لهم إرادة حقيقية للدفع بالمغرب إلى الأمام،فالإرادة الملكية هي الارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة،كما أن الإدارة الإلكترونية ستساهم بكل تأكيد في إنجاح المراكز الجهوية للاستثمار،و أن القانون الجديد مهما جاء بإصلاحات فإن نجاحه رهين بوجود النجاعة في الأجهزة الإدارية،بل اكثر من ذلك نجاعة الأجهزة القضائية،فالقضاء له دور كبير في توفير مناخ للاستثمار تسود فيه الثقة،و هذا ما نستشفه من الخطاب الملكي سنة 2013 بمناسبة عيد العرش،إذ قال جلالته:"...شعبي العزيز،ما فتئنا منذ تولينا أمانة قيادتك نضع إصلاح القضاء و تخليقه وعصرنته، وترسيخ استقلاله في صلب اهتماماتنا،ليس فقط لإحقاق الحقوق و رفع المظالم، وإنما أيضا لتوفير مناخ الثقة كمحفز على التنمية و الاستثمار...".
البشير الحداد الكبير، باحث أكاديمي من طنجة.