كريم مولاي: مستقبل الجزائر غامض بسبب قدرة عصابة الحكم على بسط سيطرتها على الشعب

كريم مولاي: مستقبل الجزائر غامض بسبب قدرة عصابة الحكم على  بسط  سيطرتها على الشعب كريم مولاي،و مشهد من الحراك الجزائري
يُبْسط الخبير الأمني الجزائري، كريم مولاي، في هذا الحوار، الصعوبات التي تعترض الإنتقال الديمقراطي في الجزئر، والاستجابة لمطالب الحراك، معتبرا بأن المشهد الجزائري واحد من أكثر المشاهد السياسية العربية تعقيدا وتشابكاً، بسبب الطبيعة العسكرية لسلطات القرار:
ما قراءتك للوضع الجزائري ما بعد بوتفليقة؟
تعيش الجزائر منذ اندلاع الحراك الشعبي عملية تحول سياسي عميق، ظاهره طموح شعبي تواق للحرية والديمقراطية، وهو شعور حقيقي، وباطنه عراك بالمعنى الحقيقي للكلمة، وصراع بالمعنى السياسي، بين أجنحة الحكومة الجزائري، الذين تعايشوا خلال العقدين الماضيين من حكم بوتفليقة، بسبب وحدة العدو في البداية، أقصد نتائج صندوق انتخابات 1992 ، لكنهم اختلفوا بعد ذلك حول الصلاحيات، وحجم الغنائم التي يمكن لكل جناح أن يهيمن عليها.
وهكذا فقد عادت المؤسسة العسكرية صاحبة النفوذ التاريخي إلى الواجهة، وأنهت هذا الصراع بعد أن أزاحت جناحي الرئاسة المخابرات بشكل نهائي، بل وحملتهم المسؤولية الكاملة عن الأوضاع المتردية في الجزائر خلال العقدين الماضيين.
وبهذا المعنى يمكن القول انه في الوقت الذي حاول فيه جناحا الرئاسة والمخابرات الضغط على الجيش بالشارع، فقد عمد هذا الأخير إلى إبعاد الطرفين من المشهد بادعاء التحالف مع الشارع.
ما هي الإحتمالات الواردة في سياق الحراك الجزائري؟
أولا، إن الحراك الشعبي الجزائري، هو تحرك شعبي عفوي وتعبير عن حجم الإحباط الذي وصل له الشعب الجزائري من عصابة المافيا التي سيطرت على البلاد خلال الأعوام الماضية، وهناك قيادات ميدانية لهذا الحراك، هي التي توجه دفته وترفع شعاراته وتجهز له بشكل أسبوعي، لكنها قيادات تحتمي بالصمت خشية بطش الأجهزة الأمنية.
وبعبارة أخرى الحراك الشعبي ،هو ثمرة طبيعية للسنوات العجاب التي عايشها الجزائريون ليس بسبب العشرية السوداء فحسب، وإنما أيضا بسبب عصابة الفساد التي أكلت الأخضر واليابس من مداخيل البلاد، وفشلت في إنجاز تنمية حقيقية توفر أمن الناس الغذائي واستقرارهم.
ربما دخل على خط الحراك فاعلون سياسيون من مختلف الاتجاهات، لكن هذا في عالم السياسة أمر معمول به.
ما تداعيات ذلك على المنطقة الإقليمية؟
الجزائر واحدة من أهم دول الشمال الأفريقي وأيضا احد أهمية دول المغرب الكبير، مساحة واقتصادا ومكونا شعبيا..دولة بهذا الحجم لا شك أن أي تغيير فيها ستكون له تداعيات كبيرة على مختلف دول المنطقة، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الأوضاع الأمنية الصعبة في ليبيا، والأوضاع الاقتصادية المتردية في أفريقيا، فان ما يثير الخوف أن ينشغل الجيش الجزائري بتصفية خصومه في الداخل، وينسى أن آلاف الأفارقة الذين أغلقت في وجوههم كل أبواب العيش في بلدانهم يحلمون بالهجرة إلى أوروبا عبر الجزائر، كما أن حركة السلاح، وتنقل الإرهابيين عبر حدود مفتوحة لا حراس لها.
ولذلك فان الأمن الجزائري لا يخص الجرائر وحدها، وإنما هو مهم ، أيضا لدول الجوار ولا سيما أهل الضفة الشمالية من المتوسط.
ما هي السيناريوهات المرتقبة؟
المشهد الجزائري واحد من أكثر المشاهد السياسية العربية تعقيدا وتشابكاً، ليس بسبب تعقيد مكونه الاجتماعي والعرقي والسياسي، وإنما الطبيعة العسكرية لسلطات القرار، التي تجعل من الحديث عن الانتقال الديمقراطي ترفا فكريا وسياسيا في اقل التوصيفات وعبثيا تآمريا مثلما ردد ذلك قائد الأركان.
ربما يبدو السيناريو الأقرب للتحقق هو أن يسيطر الجيش بالكامل على صياغة الخارطة السياسية للمستقبل، وذلك عبر فرضها بمنطق القوة أولا، ثم بالعمل على اختيار حكومة انتقالية تكون معبرة عنه أولا قبل أن تكون حاملة لأحلام الحراك وتطلعاته.
لكن هذا السيناريو تتهدده عدة مخاطر، على رأسها المواجهة مع العراك، الذي يبدو ان قادته مصممين على عدم العودة إلى ديارهم بأيادي فارغة، مستفيدا ليس فقط من عودة الحيوية لمظاهر الربيع العربي في عدد من دول المنطقة، وإنما أيضا من سقوط حاجز الخوف من قلوب الجزائريين وتصميمهم على ضرورة افتكاك حقهم في تقرير مصيرهم.
كيف تنظر إلى مستقبل الجزائر في سياقها الحراكي وفي سياقها الإقليمي؟
المشهد ، ولا أحد يملك القدرة على قراءة مستقبل الجزائر، ليس لنقص في التحليل ولا في قراءة المقدمات التي بين أيدينا، وإنما بسبب قدرة عصابة الحكم خلال سيطرتها على مقاليد الحكم على ترسيخ نهج تكتمي لا يملك احد اختراقه، ومع ذلك يمكن القول أن رياح التغيير التي هبت على دول المنطقة منذ نهاية ديسمبر 2010 في تونس وصولا إلى ما يجري في السودان، تؤكد أن التغيير السياسي الذي يشق النظام العربي الرسمي إنما جاء لا ليموت في الدول التي حصل فيها، وإنما ليغير خارطة المنطقة السياسية، وان الاحتماء بأي لافتة لمنع التغيير ليست إلا محاولات لتأجيل التغيير لا منعه، وهذا تماما ما ينطبق على الجزائر.