حسن بن جميعة: اختفاء الوثائق من ملفات المتقاضين اغتصاب للدستور

حسن بن جميعة: اختفاء الوثائق من ملفات المتقاضين اغتصاب للدستور حسن بن جميعة، ناشط حقوقي وإعلامي
أثارت مجموعة من وسائل الإعلام المغربية موضوعا غاية في الخطورة، هنا  يتعلق الأمر باختفاء وثائق وملفات من إحدى محاكم الجديدة، وقد تداولت هذه الصحف والمواقع فيما بعد، أن المسؤول الأول عن هذه المؤسسة تدارك الموقف، وأنه تمت لملمة الملفات من جديد، حتى لا تضيع حقوق المتقاضين.
هنا مربط الفرس، هل لملمة الملفات واستصدار أخرى من المتقاضي نفسه، أو من محاميه حل منطقي؟
من منطلق هذا السؤال سنتطرق إلى مسائل مهمة، لها ارتباط وثيق باختفاء الوثائق من الملفات أو الملفات عن كاملها بالمحاكم، أول مسألة في الموضوع تتعلق بالجهة التي تسهر على الاحتفاظ بالملفات، وترتيبها وتخزينها، ألا وهي كتابة الضبط، ويعد هذا الجهاز من الأجهزة الحساسة في المحاكم، فكتابة الضبط هي العمود الفقري لهذه المؤسسات، لما لها من دور محوري، فلذى هذه المؤسسة توضع جميع الملفات بدون استثناء، وكلما تطلب الأمر الاطلاع هذا ملف ما، وجب على طالب الاطلاع اللجوء إلى كتابة الضبط، وبالتالي تعد هذه المؤسسة الجهة الأولى المفروض فيها الحرص وحماية ما تتحوزه من ملفات المتقاضين، وكل تلاعب أو إخفاء لوثيقة ما، أو تسريب لمعلومة ما، يعد خيانة للأمانة وتحقيرا للعدالة. ومن هنا لا يمكن أن نتحدث عن اختفاء فلملمة، بل يجب أن نتوقف وقفة تأمل، ونضع الأصبع على الجرح، ونقولها بصراحة، أن هذه سرقة ولصوصية، وكأننا نستحضر رواية بعنوان "لص في بيتنا "، فإذا كان بيننا لص في البيت، وليس غريبا عنا، بل هو واحد منا، هل نكتفي بالقول لما نتعرض للسرقة أننا تداركنا الموقف واسترجعنا المسروق، أم سنوقف هذا اللص مكانه، ونطرده من بيننا.
إن اختفاء الوثائق أو الملفات من المحاكم جريمة كاملة الأركان، ولا يجب الاكتفاء بالقول إننا تداركنا الموقف، بل يجب فتح بحث وتحقيق عميقين للكشف عن كل من هو متورط في مثل هذه الجرائم، لأنه لا دخان بدون نار، ولا يمكن أن تستقيم العدالة، وينصف متقاض صاحب حق، إذا ما تلاعب أحد في ملفه.
المسألة الثانية التي لا تقل أهمية عن الأولى، وهي التأثيرات التي تلي إخفاء وثائق أو ملف ما من المحكمة، فهذا الأمر يؤثر لا محالة على السير العادي للمحاكمة، فإما تطول و يطول انتظار المتقاضي، أو تصدر المحكمة حكما غير منصف، يأتي على حقوق المظلوم، ويغلب الكفة لصالح الظالم، وذلك بجرة قلم ليس إلا، وعندما تفضح الحقائق، يواجه المتظلم بالمقولة المشهورة، مازال أمامك الاستئناف والنقض، وكأننا أمام لعبة لا رابح ولا خاسر، وإنما الهاجس هنا هو تقاسم المتعة.
أما المسألة الثالثة في موضوعنا، وهي ما يتداول عند عامة الناس، عندما تفتضح مثل هذه الانزلاقات، فيتم التعميم، وتشير الأصابع إلى كل منظومة العدالة، متهمة إياها بالتلاعب في مصائر المتقاضين. أما العارفين بخبايا الأمور، فإنهم لا يعممون، ولكن يستحضرون المثل الشعبي: "حوتة وحدة كتخنز الشواري"، و لهذا أشدد على أن الأمر لا يتوقف عند لملمة الملفات وتدارك الفضيحة، بل يلزم فتح بحث وتحقيق، والوصول إلى الأيادي التي تعبث في ملفات المتقاضين، ومحاسبتهم بما يمليه القانون، حتى يكونوا عبرة لكل من يغلب مصالحه الشخصية على المصالح المهنية، و التي تتطلب استحضار أن الملفات أمانة، و ليست أي أمانة، بل عليها تتوقف مصائر المتقاضين، و كذلك تتحقق العدالة، و في نفس الوقت حتى لا يظلم الموظفون السويون، الذين يغلبون ضميرهم في العمل، و يستحضرون الأمانة التي على عاتقهم.
فلا يمكن أن نتكلم في مثل هذه الحالات عن العدالة، ما لم يرتبط الاختفاء بتحديد الأيادي التي أخفت الوثائق، أو أخفت الملفات، ومنه تقديمهم إلى العدالة نفسها، التي وضعوا حراسا عليها، حتى يكون الكل مسؤول عن بلورة دستور 2011، الذي أريد له أن يكون دستورحقوق الإنسان، وميثاق الحقوق وواجبات المواطنة، فبالتلاعب في ملفات المتقاضين يكون كل من سولت له نفسه العبث بالعدالة، قد اغتصب هذا الدستور، وذلك للبحث عن مصلحة خاصة، بعيدا عن المسؤولية الملقاة على عاتقه، وكم من الملفات التي اختفت اختفى معها العدل، و كم من الوثائق بعثرت، فبعثر معها مصير مواطن، فلذلك لا يمكن أن تقف العجلة عند لملمة الملفات، بل وجب كما سبق الذكر، فتح بحث وتحقيق عميقين للكشف عن كل من يعيث في المحاكم فسادا، خدمة لمن يدفع، دون مراعاة حقوق المتقاضين، وكأن لسان حاله يقول: أنا وبعدي الطوفان.