عشيةَ يوم الأحد الماضي صعقَ الموت شاعراً في أوج حياته وعطائه... هكذا توفي مُحسن أخريف بالخيمة "المعدة" للندوات في إطار فعاليات "عيد الكتاب" بتطوان، حيث تعرض لصعقةٍ كهربائية من ميكروفون.
أكيد أن كل مَنْ في دمه ذرةَ شعرٍ وشعور أو إحساسٍ ما قد صُعِقَ من هول الخبر... كيف يكون تنظيم لقاء ثقافي في هذه البلاد سبباً في وفاةِ شاعرٍ وبهذه الطريقة الفجة؟ قد نقول هذا قدر الله ولا مرد لقدره، لكن أليس من حقنا على الأقل أنْ نطلبَ موتاً "مستورة"؟
إن وفاة الشاعر مُحسن أعتبرُها احتضاراً رمزياً لكل ما يمت إلى الثقافة والقراءة والشعر والفن والجمال بصلة، في بلادٍ لا تُحترم فيها الكرامة قيد الحياة ولا في الممات، وعلى أرضٍ نحس أن الأغلبية تعيش فيها "عيشة الدبانة فالبطانة" وتموت فيها "موتة الدبانة فاللبن"، وسط انشغال أولي الأمر بلعقِ اللبن ولا شيء غير ذلك.
مُحسن آخر توفي منذ أكثر من سنتين ونصف، أتذكرون بائع السمك الشاب مُحسن فكري الذي طُحنَ في شاحنة الأزبال مع أسماكه؟ أكيد تذكرونه لأن جريمة قتله اللاإنسانية كانت الشرارة التي أطلقتْ حراك الريف والتي أدتْ في نهاية المطاف إلى أحكام على "الزفزافي ومن معه" ابتدائياً واستئنافياً رجعتْ بنا إلى عهد تزمامارت.
مُحسنان والموت صاعق، موت رمزي لكرامة من يدافع عن لقمة عيشه ضد شطط السلطة وحنينها إلى سنوات الجمر والرصاص، ووفاة معلنة لكل من يحارب الظلام المتكاثف والقبح المتزايد والجهل المعتد بنفسه بقبس من نور المعرفة والثقافة والفن.
ما العمل الآن وقد تأكدنا بالملموس أننا في خطر؟ خطر أنْ تداسَ كرامتنا وحياتنا بأقدام المخزن أو بصعقة كهربائية أو طحناً في شاحنة الأزبال أو بجرة قلم من قضاة حاجة؟
هل سنظل نتفرج في حين أن المتظاهرين يملؤون شوارع العاصمة كل يوم سواء للاحتجاج ضد الظلم والحكرة والمطالبة بالإفراج عن معتقلي الحراك أو ضد جور بدعة "التعاقد" بالنسبة للأساتذة المتعاقدين ويقابلون إما بالتجاهل أو بالتدخلات الأمنية التي لا تعمل سوى على صب الزيت على النار؟
هل سنعتبر الأمر عادياً حين سيقدم أطباء القطاع العام على الاستقالة الجماعية احتجاجاً على ظروف اشتغالهم وعيشهم؟ هل سنجاري من يلعب لعبة "فرق تسد" الخطيرة، سواء بمحاولة إقناع العامة بكون "ريافة" انفصاليين وبالتالي كل ما يصدر في حقهم من عقاب جماعي مستحق أو بتأليب آباء وأولياء التلاميذ ضد الأساتذة المتعاقدين من خلال التلويح بسنة بيضاء أو حتى بالضرب في أطباء القطاع العام؟
لا، فمنْ سكتَ على ما ضَره "الشيطان غَره" كما يقول مثلنا الدارج، وكما رسم النظام خطوطاً حمراء منذ عقود لم يسمح لنفسه ولا لأي كان أن يتجاوزها، علينا أن نحدد لأنفسنا خطوطاً حمراء لا ينبغي أن ننزل تحتها، وتلك الخطوط هي عتبة الكرامة الإنسانية، أي الحدود الدنيا للآدمية التي إن تنازلنا عنها سنصبح كالدابة التي تمشي فوق الأرض، تعيش ولا تعرف للكرامة معنىً وتموت دون أثرٍ يذكر.