يعتبر الحق في الحصول على المعلومات، أهم حقوق الإنسان المدنية والسياسية التي نادت بها كل المواثيق الدولية، وذلك بما عبرت عنه مقتضيات المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكذا المادة 10 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بالرجوع الى الوثيقة الدستورية المغربية لفاتح يوليوز 2011، نجدها قد كرست هذا الحق في الباب الثاني من الوثيقة ( الحريات والحقوق الأساسية ) في فصله السابع والعشرين، الذي نص على ما يلي : " للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة .
فدسترة هذا الحق في الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011، جاء من أجل إعطاء نهضة قوية للمسار الديمقراطي الذي يعرفه المغرب، وذلك من خلال تمكين الرأي العام الوطني من إحدى الآليات المهمة في الممارسة الديمقراطية، ألا وهي الحصول على المعلومات والتي بدونها يبقى المواطن خارج عن أية مشاركة في الحياة العامة .
كما ينبغي الإشارة بأن دسترة هذا الحق لم تأت من فراغ أو إرادة طوعية للمشرع، وإنما جاءت بضغط مجموعة من هيئات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والإعلام وعدد من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، فالحق في الحصول على المعلومات كانت في صلب اهتمامات العديد من الجمعيات المغربية التي تشتغل في ميدان الشفافية ومحاربة الفساد والرشوة وتخليق الحياة العامة. معتبرة بأن هذا الحق يشكل أحد الأعمدة الأساسية لأي نظام وطني للنزاهة من جهة ومن جهة أخرى إن هذا الحق مرتبط بالمجتمع الديمقراطي، الذي يتمتع فيه المواطن بحرية التعبير وبوسائل اعلام قوية وبإلزامية نشر المعلومات الإدارية .
دخل قانون الحق في الحصول على المعلومات يوم الثلاثاء 12 مارس 2019، حيز التنفيذ بعد سنة من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية رقم 6655. وهو بذلك يعتبر أول قانون عرفه بلادنا ينظم كيفية حصول المواطنين المغاربة على المعطيات والوثائق الموجودة في حوزة الإدارات العمومية، والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام. طبقا للفصل 27 من دستور 2011، وبذلك أصبحت الإدارات العمومية والمنتخبة ملزمة بتقديم المعلومات إلى المواطنين.
فبالرجوع إلى مضامين مسودة القانون نجده انه يحتوي على ثلاثين (30) مادة موزعة على سبع (7) أبواب، وفي كل باب حاول من خلاله المشرع شرح وتوضيح كل ما يتعلق بالحق في الحصول على المعلومات ( تعريف المعلومة- المعلومات التي يحق للمواطن الحصول عليها-المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها-لجنة الحق في الحصول على المعلومات-عقوبات الامتناع عن تقديم المعلومات...) وهذا ما سأحاول ملامسته بالتفصيل.
بالعودة الى مضامين قانون 31.13، نجد أن المشرع قد عرف المعلومات وذلك في المادة الثانية منه واعتبرها المعطيات والاحصائيات حيث حدد شكلها في ( أرقام أو حرف او رسوم أو صور أو تسجيل سمعي أو اي شيء آخر. ) والمضتمنة في وثائق ومستندات وتقارير ودارسات ودوريات ومناشير ومذكرات وقواعد البيانات وغيرها من الوثائق ذات الطابع العام. التي تنتجها او تتوصل بها الهيئات المعنية في إطار مهام المرفق العام. كيفما كانت الدعامة الموجودة فيها، ورقية أو الكترونية او غيرها.
وفي نفس المادة نجد المشرع حدد المؤسسات والهيئات المعنية بهذا الحق ( الإدارات العمومية، المحاكم، مجلس النواب، مجلس المستشارين، الجماعات الترابية، المؤسسات العمومية وكل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام، كل هيئة اخرى عامة او خاصة مكلفة بمهام المرفق العام)
طبقا لمواد هذا القانون ( قانون 31.13 ) وبالخصوص المادة الخامسة منه، فالحصول على المعلومات يكون بشكل مجاني، غير ان طالب الحصول على المعلومات يتحمل على نفقته، تكاليف التي يستلزمها عند الاقتضاء ( نسخ أو معالجة المعلومات المطلوبة وتكلفة ارسالها إليه )، كما منح المشرع الأجانب المقيمين بالمغرب بصفة قانونية حق الحصول على المعلومات وذلك استنادا للمادة الرابعة من القانون نفسه، تطبيقا لأحكام الاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي صادقت عليها المملكة المغربية أو انضمت إليها.
أما استثناءات من الحق في الحصول على المعلومات، وكما جاء في المادة السابعة فإنه تستثنى من الحق في الحصول على المعلومات، كل المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني وبأمن الدولة الداخلي والخارجي، وتلك المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد او التي تكتسي طابع معطيات شخصية، والمعلومات التي شأن الكشف عنها المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور. ويستثنى ايضا من هذا الحق المعلومات المشمولة بطابع السرية بمقتضى النصوص التشريعية الخاصة الجاري بها العمل من قبيل سرية مداولات المجلس الوزاري ومجلس الحكومة، سرية الأبحاث والتحريات الإدارية، سرية المساطر القضائية والمساطر التمهيدية المتعلقة بها، ما لم تأذن بذلك السلطات القضائية المختصة، مبادئ المنافسة الحرة والمشروعة والنزيهة وكذا المبادرة الخاصة، حماية مصادر المعلومات. وهنا ينبغي الإشارة اذا تبين ان جزءا من المعلومات المطلوبة يندرج ضمن نطاق الاستثناءات المنصوص عليها في المادة السابعة، يحذف هذا الجزء ويسلم الباقي من المعلومات الى طالبها، هذا ما تطرقت إليه المادة الثامنة من القانون ( قانون 31.13 (
أما بخصوص كيفية الحصول على المعلومات، فقد حدد المشرع طرق واجراءات ممارسة هذا الحق وذلك من خلال المادة 14 من القانون ذاته، انه يتم الحصول على المعلومات بناء على طلب يقدمه المعني بالأمر وفق نموذج تعده لجنة اعمال الحق في الحصول على المعلومات، يتضمن الاسم الشخصي والعائلي لصاحب الطلب وعنوانه الشخصي، وعند الاقتضاء، عنوانه الالكتروني، والمعلومات التي يرغب في الحصول عليها، مع ذكر مبررات تقديم الطلب، وبعد ذلك يوجه الطلب الى رئيس المؤسسة او الهيئة المعنية ( المؤسسات والهيئات التي حددتها المادة الثانية من القانون ) عن طريق الإيداع المباشر مقابل وصل او عن طريق البريد العادي او الالكتروني مقابل اشعار بالتوصل. ويجب على الشخص المكلف ( المؤسسة او الهيئة المعنية ) الرد على طلب الحصول على المعلومات داخل اجل لا يتعدى (30) يوما ابتداء من تاريخ تسليم الطلب، ويمكن تمديد هذا الآجال لمدة مماثلة اذا لم يتمكن الشخص المكلف من الاستجابة كليا او جزئيا لطلب المعني بالأمر خلال الآجل المذكور، أو كان الطلب يتعلق بعدد كبير من المعلومات، واذا تعذر توفير المعلومات خلال الاجل السالف الذكر.
او كان تقديمها يحتاج الى استشارة الغير قبل تسليمها، كما يتعين على الشخص المكلف اشعار المعني بالأمر مسبقا بهذا التمديد كتابة او عبر البريد الالكتروني. كل هذا تطرق اليه المشرع من خلال المادة 16 من القانون. اما في الحالات المستعجلة، فيجب على الشخص المكلف الرد على طلب الحصول على المعلومات في اقرب الآجال الممكنة والتي يكون فيها الحصول على المعلومات ضروريا لحماية حياة الاشخاص وسلامتهم، طبقا للمادة 17 من القانون نفسه.
هذا بالإضافة إلى أن المؤسسات المعنية الزمها المشرع بتعليل ردها كتابيا في حالة رفض تقديم المطلوبة بشكل كلي او جزئي، ويحق لطالب المعلومة عند عدم الرد على طلبه او عدم الاستجابة تقديم شكاية إلى رئيس المؤسسة او الهيئة المعنية في ظرف (30) يوما من تاريخ انقضاء الاجل القانوني المخصص للرد على طلبه، او من تاريخ التوصل بالرد، وهنا يتعين على رئيس الهيئة المذكورة دراسة الشكاية وأخبار المعني بالأمر بالقرار الذي تم اتخاذه بشأنها خلال خمسة عشر (15) يوما ابتداء من تاريخ التوصل بها، كل هذا تطرق إليه المشرع في المادة 19 من القانون.
اجل حماية وضمان حسن ممارسة الحق في الحصول على المعلومات، فقد نص المشرع في الباب الخامس من القانون وبالخصوص المادة 22 منه، على لجنة تحدث لدى رئيس الحكومة، وهي لجنة لأعمال الحق في الحصول على المعلومات، والسير على تفعيله، حيث تناط بهذه اللجنة مجموعة من المهام : السير على ضمان حسن ممارسة الحق في الحصول على المعلومات، تقديم الاستشارة والخبرة للهيئات المعنية حول آليات تطبيق أحكام هذا القانون وكذا النشر الاستباقي للمعلومات التي بحوزتها، التحسيس بأهمية توفير المعلومات وتسهيل الحصول عليها لاسيما عن طريق تنظيم دورات تكوينية لفائدة أطر الهيئات المعنية...
ويرأس هذه اللجنة رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، المحدثة بموجب المادة 27 القانون رقم 09.08. وتتألف من ممثلين اثنين عن الادارات العمومية يعينهما رئيس الحكومة وعضو يعينه رئيس مجلس النواب وعضو يعينه رئيس مجلس المستشارين وممثل عن مؤسسة "ارشيف المغرب" وممثل عن المجلس الوطني لحقوق الانسان وممثل عن الوسيط. كما يمكن لرئيس اللجنة أن يدعو على سبيل الاستشارة، كل شخص أوهيئة أو ممثل ادارة لحضور اجتماعات اللجنة او الاستعانة بخبرته. تجتمع اللجنة كلما اقتضت الضرورة ذلك، بدعوة من رئيسها بمبادرة منه او بطلب من نصف أعضائها، ولا تعتبر اجتماعات اللجنة صحيحة الا بحضور ثلثي اعضائها الحاضرين. كما ان اللجنة تستعين في أداء مهامها بالجهاز الاداري المنصوص عليه في المادتين 40 و41 من القانون رقم 09.08 .
أيوب نشاط، طالب باحث بسلك الماستر القانون العام المعمق بكلية الحقوق بسطات/جامعة الحسن الاول