المحامية سليمة فراجي: هذا تعقيبي على مقال لم يشف الغليل حول تقادم العقوبات

المحامية سليمة فراجي: هذا تعقيبي على مقال لم يشف الغليل حول تقادم العقوبات ذ.سليمة فراجي
إذا كان إبداء الرأي والقبول بالرأي المخالف ومقارعة الحجة بالحجة، والاحتكام إلى منطق البحث العلمي الدقيق من خلال الاستقراء والقياس أمور محمودة لما فيها من إذكاء لروح النقاش من أجل تنوير المهتمين والممارسين للشأن القضائي والقانوني ،و في أفق حث المشرع على تجويد النصوص الغامضة أو المشوبة بالالتباس، فإن تسمية الأشياء بمسمياتها و الإشارة إلى مراجع الوثائق والمستندات المعتمدة بموضوعية وتجرد تساعد حتما على الاطلاع على مكامن الخلل إن وجد ومتى وجد، ومدى تأثيره على مجريات النوازل والقضايا.
ذلك انه بعد الاطلاع على مقال تم نشره في مواقع التواصل الاجتماعي ينسب لنقيب سابق دون ذكر اسمه أو محام أو باحث في الشأن القانوني، يتبين أن المقال حسم في مدة تقادم العقوبات بصفة قطعية شبه تعسفية ليس استشهادا بنصوص لا مجال للاجتهاد معها ، وإنما استنادا على قياس مدد التقادم على المواد المنظمة لمسطرة رد الاعتبار، لكن بالاطلاع على ديباجة المقال الذي تطرق لعدة نقط قانونية مهمة، يتبين أنه أشار إلى دورية صادرة عن رئاسة النيابة العامة معتبرا إياها مجرد رأي رغم دقة الفصل 110 من الدستور بشأن التعليمات القانونية الكتابية والقوانين التنظيمية ، بل معتبرا التفسيرات القضائية من مهام القضاء الجالس وليس القضاء الواقف، متهما العديد من المحامين بتقديس ما جاء على لسان رئيس النيابة العامة وكأنه قرآن مقدس.
وإذا كانت هذه الملاحظات تتسم بالذاتية وبعيدة كل البعد عن موضوع النازلة المتعلقة باختلاف الآراء والتجاذبات بخصوص تقادم عقوبة الحبس المحكوم بها في قضية جنائية والتي كانت تشكل موضوع امتحان الأهلية، فإن أثارتها كديباجة لمناقشة موضوع التقادم يطرح تساؤلا حول مدى جديتها ومدى مطابقتها للواقع وسبب آثارتها، ذلك انه منذ دخول القانون رقم 17-37 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة ،بتاريخ 30غشت 2017، لم تصدر أية دورية في هذا الشأن، اللهم إلا إذا كان القصد هو منشور وزير العدل في عهد سابق السيد مصطفى بلعربي العلوي رقم 1013 المؤرخ في 1989/2/23 المتعلق بتنفيذ الأحكام الزجرية التي مر أجل التقادم على تاريخ النطق بها والذي تطرق إلى النصوص القانونية المنظمة مركزا على كون بنود المسطرة الجنائية المتعلقة بالتقادم تقتضي بأن نوع العقوبة المحكوم بها هو الذي يحدد أمد التقادم وليس نوع الجريمة التي أدين من أجلها المتهم، وبالتالي فإن العقوبة الجنحية الصادرة عن جناية بسبب ظروف التخفيف أو الأعذار تخضع للتقادم الجنحي وعقوبة الاعتقال الضبطية تخضع للتقادم الضبطي، كما أن المقال الفقهي الذي تم تداوله من طرف الممارسين للشأن المهني والمهتمين إنما يرجع تاريخه الى سنة 2011 منشور في مجلة الشؤون الجنائية وأعيد نشره سابقا وحاليا في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي والجرائد الالكترونية لكاتبه الدكتور محمد عبد النبوي مدير الشؤون الجنائية والعفو آنذاك والذي تطرق إلى موضوع تقادم الدعوى العمومية وتقادم العقوبة وخصه بدراسة قانونية فقهية دقيقة ولا علاقة له بأية دورية لم تصدرها إطلاقا رئاسة النيابة العامة حاليا، علما أن القول بان القضاء الواقف هو وحده المختص في التفسير السليم للقانون هو قول اقل ما يقال عنه انه لا يرقى إلى درجة الاعتبار ويعتبر تقزيما لقدرات القضاء الواقف ولهيئة الدفاع والباحثين والمهتمين بالشأن التشريعي والقانوني والقضائي والفقهي ، لان البحث العلمي المعرفي والتفسير السليم للقانون ليس مقصورا على القضاء الجالس الذي لا نجادل في قدراته ، ولكن مجال البحث والتدقيق و التأليف هو مجال مفتوح لجميع الباحثين من ذوي الاختصاص من مشرعين وأساتذة جامعيين ومحامين وباحثين ، بل إن ما يؤكد التحامل البين هو كون كاتب المقال أشار إلى كون الكثير من رجالات المهنة أي المحامين يقدسون ما جاء على لسان رئيس النيابة العامة وكأنه قرآن مقدس، وفي ذلك انتقاص من قدرات وتمكن وتملك المحامين لآليات البحث المعرفي القانوني ، وتحامل على رئيس النيابة العامة وكأنه مستبد برأيه الفقهي لدرجة وصف اجتهاذه الفقهي بالقرآن المنزل ، وفي ذلك تعصب وعدم قبول بالرأي وما يستتبع ذلك من ضرب لمبادئ التضامن والتآزر والتعاون وإبداء الرأي و تبادل وجهات النظر وإغناء النقاش بين مختلف الهيآت، بل إن دستور المملكة لم يفرق بين قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة وجعل قضاة الحكم ملزمين بتطبيق عادل للقانون وقضاة النيابة العامة ملتزمين بتطبيق القانون والالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن الوكيل العام لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة بمختلف محاكم المملكة تطبيقا للفصل 25 من القانون التنظيمي 13-106 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمكمل للدستور ،وحيث انه من جهة أخرى وحتى لا يبقى المقال موصوفا بأنه شفى الغليل وحسم النقطة المثيرة للجدل بخصوص امتحان الأهلية لولوج مهنة المحاماة ،بدون جواب وتعقيب على ما أثير، وكأنه مقال مقدس ،فانه لا بأس من الإشارة انه تم اعتماد عملية القياس على المادة 688 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة برد الاعتبار معتمدا على كون فقرة الثالثة لم تشر إلى لفظ الجنحة، أي قد تشمل الجناية أيضا في الوقت الذي أشارت فيه الفقرة الرابعة إلى وصف الجنحة، كما اعتمد على المادة 112 من القانون الجنائي ليخلص أن تقادم العقوبة الجنائية يخضع لمدة 15 سنة حتى ولو تم الحكم بعقوبة جنحية بسبب ظروف التخفيف .
لكن مما تجدر الإشارة إليه أن الأمر يتعلق بتقادم العقوبة ،والوصف طبعا يخص نوع العقوبة لا نوع الجريمة ، ويتعلق بتقادم العقوبات الجنائية والجنحية، ولا يتعلق الأمر بعقوبات صدرت من اجل جناية أو من اجل جنحة كما هو الشأن بالنسبة للمادة السادسة من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بتقادم الدعوى العمومية والتي تتحدث عن تقادم الدعوى في الجنايات ـ و في الجنح حيث العبرة هنا بنوع الجريمة التي يستند إليها اجل التقادم، في حين تقادم العقوبات يهم نوع العقوبة بغض النظر عن الجريمة المدان المتهم من اجلها ، ومعلوم أن الفصلين 16 و 17 من القانون الجنائي يحددان العقوبات الجنائية بما فيها السجن واقل مدته خمس سنوات والعقوبات الجنحية بما فيها الحبس وأقصاه خمس سنوات ما عدا الاستثناءات ، وبطبيعة الحال فإن التقادم تحدد مدته تبعا لنوع العقوبة وما إذا كانت جنائية او جنحية، وقد ميزت محكمة النقض بين هذه المقتضيات لما اعتبرت ان تقادم الدعوى العمومية غير تقادم تنفيذ العقوبة ، ذلك ان التقادم المسقط للدعوى يطال وقائع الجريمة ويمحو الصفة الإجرامية ويزيل الجريمة نفسها في حين ان تقادم تنفيذ العقوبة يطال إجراءات التنفيذ بعد صدور الحكم وبالتالي فان التقادم يطال نوع وطبيعة العقوبة ما إذا كانت جنائية أو جنحية لا طبيعة الجريمة . علما أن ما ورد من قياس على المادة 688 من قانون المسطرة الجنائية والقول بان الفقرة الثالثة لم تورد لفظ : من اجل جنحة ، لاستنتاج إن الأمر يتعلق بجناية، مشوب بالارتباك لأنه ربما توجه قصد المشرع إلى الجنح الضبطية التي تحدد مدة حبسها الأقصى سنتان طبقا للمادة 111 من القانون الجنائي ، خصوصا انه لا يعقل ان تكون مدة رد الاعتبار بالنسبة للجناية عشر سنوات ، ومدة رد الاعتبار في الفقرة الرابعة بالنسبة للجنح التي تتجاوز عقوبتها سنتين خمسة عشر سنة، الشيء الذي يؤكد ان الفقرة الثالثة تقصد الجنح الضبطية التي تحدث عنها وزير العدل في منشوره المؤرخ سنة 1989 ، علما ان القياس الوارد في مقال الكاتب شمل رد الاعتبار بقوة القانون في حين ان رد الاعتبار القضائي ميز بخصوص الأجل بين العقوبات الجنائية والعقوبات الجنحية، الأكثر من ذلك فانه بالرجوع الى المادة 622 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالإفراج المقيد بشرط نجدها تنص على أن المحكوم عليهم بعقوبة جنائية أو بعقوبة جنحية من اجل وقائع وصفت بانها جناية او من اجل جنحة يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات حبسا يستفيدون من الإفراج إذا قضوا حبسا فعليا يعادل على الأقل ثلثي العقوبة المحكوم بها، الشيء الذي يؤكد قطعا أن المشرع يقصد العقوبة الجنحية ولو تعلق الأمر بوقائع وصفت بأنها جناية ويجعل مقتضيات المادة 650 المحددة لأجل تقادم العقوبات الجنحية في أربع سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم صيرورة الحكم الصادر بالعقوبة مكتسبا لقوة الشيء المقضي به هي الواجبة التطبيق، علما انه اذا كان الاستنتاج مبنيا على قياس نصوص مرتبكة ومتناقضة على حد تعبير كاتب المقال الذي شفى الغليل ،فان القراءة المتأنية للنصوص القانونية ، و الاجتهادات والمقالات الفقهية كلها عوامل تغني النقاش وترفع مستواه لا محالة وتعتبر محفزا للمشرع من اجل تجويد النصوص الغامضة أو المتجاوزة كما ستكون من أسباب الإسراع بتعديل وتتميم القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية الذي لا زال يتواجد في الرفوف رغم المصادقة على القوانين التنظيمية ذات الصلة والقانون 17-33 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك بصفته رئيساً للنيابة العامة ، أو ملاءمة بعض النصوص المتجاوزة كالفصل 54 من القانون الجنائي الذي لا زال يحيل على مواد كانت تتعلق بالتقادم وأصبحت تتعلق بمسطرة الاعتبار ولم يتم التفكير في تعديله ناهيك عن المواد التي أصبحت متجاوزة وغير محينة وتعيق عمل المحامين وممارسي الشأن القضائي .
سليمة فراجي، محامية، وعضوة سابقة بلجنة العدل والتشريع