حرب البيجيدي القذرة ضد الولاة والعمال!

حرب البيجيدي القذرة ضد الولاة والعمال! عبد الرحيم أريري

كلما اقترب استحقاق انتخابي معين، إلا وعاد قادة حزب العدالة والتنمية إلى «رياضتهم المفضلة»، أي الطعن في المسلسل الانتخابي مسبقا والتشكيك في نتائج الاقتراع عبر ضرب الإدارة الترابية والتشهير برجالاتها، علما أن الإدارة المدنية ككل تابعة مباشرة لرئيس الحكومة التي يرأسها الأصوليون، وعلما كذلك أن رئيس الحكومة (أي زعيم حزب المصباح) هو المسؤول المباشر عن المسلسل الانتخابي بدءا من التشاور مع حلفائه ومع المعارضة وانتهاء بتقديم مقترحات القوانين المرتبطة بتأطير وتمويل العملية الانتخابية.

 

الخرجة المسمومة للوزير الرميد الأخيرة ليست إذن خرجة بريئة، بل تدخل في إطار تبادل الأدوار بين زعماء البيجيدي من جهة، كما تدخل في إطار الديانة التي يعتنقها حزب المصباح، ألا وهي الطعن في الولاة والعمال وإظهار أنهم «أولاد الزنقة» و«شفارة» و«قمارة» من جهة ثانية.

 

ورغبة في إضفاء مسحة على حملتهم القذرة على الإدارة الترابية يركز الأصوليون على رخص الاستثناء، علما أن هذه الرخص ليست قرارا فريدا أو إملاء مزاجيا، بل جاءت بناء على صيرورة دولتية، بدأت على مراحل:

 

- أولا: دعوة المرحوم الحسن الثاني في أوساط التسعينيات من القرن الماضي إلى خلق مشروع 200 ألف سكن، وهي دعوة جاءت بعد الجمود الذي أصاب الاقتصاد المغربي عقب حملة التطهير المشؤومة عام 1996 التي قادها الوزير إدريس البصري، إذ بفضل بعض الحكماء في دواليب القرار (وعلى رأسهم المستشار محمد القباج) تم الاهتداء إلى وجوب تبسيط المساطر، خاصة وأن المغرب آنذاك كان يتميز بخصاص كبير على مستوى تغطية المدن والمراكز الحضرية بوثائق التعمير، بل لم تكن توجد وكالات حضرية أصلا بعدة مناطق لمرافقة السلطات تقنيا في مجال التعمير.

 

- ثانيا: تصادف اللجوء إلى مساطر الاستثناء مع بلوغ تصاميم التهيئة مداها عام 1999 مما اقتضى قانونا إرجاع الأراضي إلى أصحابها بعد أن عجزت الحكومة والجماعات عن إنجاز المرافق العمومية، خاصة وأن نسبة إنجاز ما نصت عليه تلك التصاميم لم يتجاوز 17 في المائة. وبالتالي كان لصاحب العقار الحق في الانتفاع من نفس الارتفاق المجاور لأرضه حسب التنطيق (Zonage)، أي أن يبني عمارة إذا كان الجوار يضم عمارات أو فيلا إن كان الجوار فيلات وهكذا دواليك. وفي هذا الإطار نحيل على المذكرة الشهيرة التي أصدرها الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، وهي المذكرة التي أطرت مسطرة التفاوض مع الملاكين وإعفاء الاستثناءات في الترخيص.

 

- ثالثا: مع بداية الألفية الثالثة ظهرت رغبة في تجاوز التكلس القانوني المصاحب للاستثمار، فخلقت المراكز الجهوية للاستثمار عام 2002 وأعطيت دفعة أخرى لتخويل الحكومة سلطة البت في الملفات الاستثمارية التي تتجاوز 200 مليون درهم بالترخيص لها ومنحها الإعفاءات اللازمة (ضريبية كانت أو عمرانية أو تعميرية).

 

- رابعا: أطلق المغرب المخططات الكبرى (مدن بدون صفيح، المخطط الأزرق، المغرب الأخضر... إلخ)، وهو ما أدى إلى عدم التقيد بالقوانين الأرثوذكسية في قانون التعمير أو انتظار صدور تصاميم التهيئة المتأخرة في هذه المدينة أو تلك، فكانت الاستثناءات في التراخيص التي صاحبت معظم المشاريع المطروحة.

 

- خامسا: رغبة المغرب في الانضمام إلى الشبكة العالمية في المهن العالمية جعلته يطلق «إقلاع»، الذي سطر مهنا جديدة نصت على الأفشورينغ، وهو ما أدى إلى منح رخص الاستثناء لمشروع كازانيرشور وفاس شور والرباط شور... إلخ، فضلا عن أن مهن الطيران لم يكن المغرب يحلم بها، لولا التنازل الذي أبداه لشركة سافران وDELL، وغيرها من الشركات العالمية الكبرى التي توظف الآن آلاف المغاربة (من مهندسين وأطر تقنية ويد عاملة مؤهلة) في النواصر وطنجة والقنيطرة والبيضاء.

 

- سادسا: التحول الوظيفي للدار البيضاء اقتضى من واضعي الوثيقة التوجيهية لإعداد التراب الوطني التنصيص على وجوب الانتباه إلى عدم الارتكان للجانب الصناعي وحده بالبيضاء، بل لابد من تطوير وظائف أخرى لضمان ريادة الدار البيضاء من قبيل وظائف سياحية (خاصة سياحة الشوبينغ) ووظائف قطاع المال، فكانت الاستثناءات في عدة مشاريع.

 

من كل ما تقدم، يظهر أن الهجمة «المخدومة» التي يقودها أقطاب «البيجيدي» ضد الولاة والعمال ليس مبدئية أصلا، بل تروم التشويش على مواقف الإدارة الترابية حتى لا يتم اتخاذ أي قرار يهم المدن بغرض توقيف الحركة (المشلولة أصلا بفعل تناسل ضربات حكومة الحزب الحاكم وضعف أدائها منذ 2012 إلى اليوم) حتى يتم تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في «أن تفش الروايض للبلاد». أو على الأقل إذا أراد والي أو عامل عمالة اتخاذ قرار في إطار الصلاحيات المخولة له، عليه أن يعرج على «الزاوية»: زاوية حزب البيجيدي ليبارك له قادته وكتابه الجهويون الخطوة وليمنحوه «التزكية» و"البركة" !