أحمد شحيمط: مجتمع بلا مدرسة

أحمد شحيمط: مجتمع بلا مدرسة أحمد شحيمط
في الإمكان الإجهاز على المدرسة العمومية دفعة واحدة والبحث عن فضاء آخر للتعلم في شبكات التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية لما توفره من تعليم عن قرب وميسر بأدوات حديثة وغاية في الجودة والدقة. متنفس المتعلم في واقعنا انه أصبح مسلحا بالهاتف المحمول والحاسوب. واخترق عوالم بحثا عن لذة في الصورة ومتعة في المشاهدة والبحث عن فكرة أو مشهد ما في مجال العلم الفلكي والتاريخ المصور ودراسات من قلب الظواهر. واستطلاع الرأي عن أحداث سياسية وبرامج ترفيهية ونقل المباشر من عين المكان.
فالمدرسة العمومية في تقنيات التلقين والتعلم لازالت أسيرة البيداغوجيا والبحث عن ترسيخ المعرفة من خلال عملية الشحن والزيادة في عدد الساعات. وعندما نسمع عن نموذج التعليم الهادف في العالم من خلال التجربة الفنلندية ندرك أن الأنشطة أو بيداغوجية اللعب وما شابه ذلك من مسميات فعالة في التعلم واكتساب لمعرفة بطرق واليات مفيدة للبناء الخاص بالجاني النفسي والثقافي وعلاقة التكامل بين المدرسة والمجتمع. فالمشروع الفردي والمشروع المجتمعي يسيران في خطوط متنافرة في مجتمعنا المغربي. واقع المدرسة وانقسامها بين العمومي والخصوصي. لا يقيم المتعلم علاقة متينة مع المدرسة العمومية واصدق الأمثلة الفوضى والعبث والتسيب التي تعيشه في الآونة الأخيرة. ويبدو في الأمر قصد واضح في عدم الثقة في مضمونها ووظائفها وما يرمي إليه القائمون على الشأن التربوي والتعليمي. من إصلاحات ارتجالية وتخبط. مدرسة لا ديمقراطية تكرس الشرخ العميق بين الطبقات الاجتماعية وعدم الثقة في قدرتها على تجسيد القيم الحداثية وتنوير المتعلم بالممكن في عالم الفكر والسلوك. مدرسة طبقية تمارس الغبن والانتقاء وتساوي بين المجد والنوابغ وبين أولئك الذين لا يرغبون في التحصيل عند التشويش واللامبالاة في اكتساب المعرفة ومن الأسباب ما تنص عليه المذكرات في عودة المطرود ورسائل الاستعطاف وإعادة التمدرس وغياب العقوبات الردعية. ومن هنا تبدو المقاربة الأمنية والحلول التبسيطية والارتجالية واقعية في تأملات الفاعل التربوي للشأن التعليمي. هل يمكن أن يتخلى المجتمع عن المدرسة العمومية؟ وهل يمكن القول أن شبكات التواصل والتقنيات الجديدة كفيلة بتعليم المتعلم أفضل من مقررات الدراسية؟
يمتنع الإنسان في القول أن الانفتاح على الوسائل الأخرى في التعلم مفيدة ولا يمكن إغفال الجانب المتعلق بالتقنية في التدريس والتعليم. وسائل مساعدة للزيادة في المعرفة والوعي. وعلى طريقة الفيلسوف التربوي النمساوي ايفان اليتش المدرسة في النظام الرأسمالي إنتاج للسائد من الثقافة وتكريس الاستلاب وغلبة التلقين وهيمنة الغبن والانتقاء. وفي دراسة السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو للنسق التربوي ولتعليمي في فرنسا من خلال مفهوم إعادة الإنتاج للسائد من الثقافة المهيمنة على الحقل التربوي والتعليمي في فرنسا وان المدرسة طبقية تمارس الغبن والإقصاء والانتقاء في حق فئات من الشعب وتدفعهم إلى حقول أخرى وتعدد مسارهم وتعطي الامتياز للذين يجمعون بين الرأسمال المادي والرمزي. وفي شرعنة الفعل هناك تضافر العمل بين السلطة البيداغوجية والفعل البيداغوجي والعمل. وتستمر الفكرة ويعاد إنتاج منظومة من القيم الخاصة بالثقافة المهيمنة. وان كان الأمر في فرنسا ودول أخرى متقدمة فالأمر في العالم الثالث يدعو للتأمل في وظائف المدرسة التي أصبحت معزولة عن الواقع. في إعادة إنتاج التخلف والتلقين بأدوات تقليدية وتمرير خطاب للمتعلم لا يجد فيها ما يستهوي الرغبة في التعلم لأنه يعيش في استلاب عالم الصورة وتجليات شبكات التواصل الاجتماعي في نقل الصورة والمعرفة بالصوت والصورة.
في واقعنا المغربي المدرسة العمومية في طور النهاية واكتمال الأزمة. في الإجهاز على مجانية التعليم وفرض التعليم التعاقدي وهيمنة المذكرات والقرارات من فوق. في عملية تنصل من الإصلاح الجدري وفي عملية التورط الايجابي للعناية بالشأن التربوي وخلق الشروط الموضوعية في التعلم وإعادة النظر في المقررات والبرامج والمناهج. وايلاء أهمية كبرى للعنصر البشري في التكوين والتدريب والتأهيل. وصل التشخيص والتحليل إلى درجة استيعاب وفهم القاصي والداني وكل من كان غائبا لا يعلم بحيثيات المدرسة العمومية المغربية عرف الآن نهاية المدرسة في إحلال صورة أخرى. ومن يقرا في خطاب السيد بنكيران وعهده في الرئاسة يستنتج بوضوح نهاية المدرسة العمومية في تصاعد الاحتجاجات والتنزيل القسري للقوانين. وان الناس يجب أن يدفعوا من جيوبهم وهذا دليل قاطع على سياسة الإملاء الآتية من صندوق النقد الدولي في تقليص النفقات والكف عن استنزاف الدولة. فالنصائح التي قدمها السيد بن كيران التوجه للأعمال الحرة وإنشاء مقاولات وليس التركيز على الوظيفة العمومية. لنقل أن الخيارات متنوعة فكيف يمكن للشباب التوجه للعمل الحر في غياب التحفيز والمساعدة؟
الواقع تزايد البطالة وانحصار فرص الشغل وغياب الربط بين التكوين والتشغيل. وان كانت الجهات المعنية تعتبر الفكرة صحيحة في ظل تدني مستوى الطلاب ومردودية المدرسة العمومية فان الأمر يستدعي التدخل العاجل للإصلاح وتأهيل المتعلم وخلق الاستثمارات في العمل. نهاية المدرسة العمومية يفتح تكهنات وتأملات في البدائل والصور الجديدة للمدرسة. إن كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين يعتبر المدرسة المغربية مفعمة بالحياة والحيوية بفضل مقاربة ونهج يميل للربط بين المدرسة والمجتمع وبين المدرسة والمقاولة وحيوية الحياة المدرسية فالصورة ليست كذلك. أفكار جذابة ومفيدة ونفعية. يبقى التطبيق والإنزال من دون قطائع وأجندات سياسية وتدخلات سلبية. فالصراع يدون الآن عن جدارة المدرسة وخروج الأستاذ المتعاقد للاحتجاج والمطالبة واعتراف وزارة التربية والتعليم بإدخال إصلاحات في العقد الموقع بين الأستاذ والدولة يزيد من شرارة وتصلب المواقف لاختلاف الأطروحات بين الطرفين.
بد أن يتضمن العقد حقوق وواجبات. لا يمكن أن يكون العقد ضد حرية الإنسان وكرامته. التعاقد في نظر الدولة خيار استراتيجي لا مفر منه في الجودة والتكوين وإلزام المتعاقد بالواجب. وفي نظر الأستاذ المتعاقد نوع من الاستسلام والعبودية في ظل شروط غير موضوعية. عقد مفروض ولا يلبي تطلعات رجال التعليم في التعليم والاستقرار النفسي والمادي. فالصراع على المدرسة العمومية المغربية الآن تشترك فيه أطراف خارجية من نقابات وجمعيات ومنظمات وأحزاب. تميل في أفكارها بين الرفض وحق الجميع في مدرسية للكل في كشف المستور عن دوافع التعاقد من توصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي. وبداية تفويت المدرسة المغربية وبيعها في المزاد العلني. وبين قائل أن التعاقد المبني على صيغة توافقية يضمن كافة الحقوق والكرامة للمدرس ويشترط عليه أداء الرسالة ولا توجد عقود نهائية. في مضمون العقد مواد شاملة للحق والكرامة. الشق المادي والمعنوي.
في الدراسة عن قيمة العقد الاجتماعي في الغرب بين الحاكم والشعب وفق ما جاء في أدبيات العقد الاجتماعي عند رواد الفكر التعاقدي خصوصا توماس هوبس وجون لوك وجون جاك روسو. الفلاسفة الذين أعلنوا عن ميلاد الدولة الحديثة والمجتمع المدني. في واقعنا تجربة التعاقد جديدة ومن يقرأ في سطوره يدرك نهاية المدرسة العمومية وميلاد مدرسة بالمواصفات التي وضعها نظام الوظيفة العمومية في 2016 أي التشغيل بموجب عقود في حدود المناصب الشاغرة المحدثة بموجب قانون المالية. ولا يمكن في أي حال أن يؤدي هذا التشغيل إلى ترسيم المتعاقد معه في اطر الإدارة. تتشبث الدولة بخيار التعاقد في الإدارة وكل القطاعات ولا يمكن أن يستثنى التعليم من هذا الخيار أما الطرف الآخر فيرفع شعار " الترسيم أو البلوكاج " ويستمر الوضع ويدار النقاش والحوار مع المركزيات النقابية ورفض الحوار مع التنسيقيات في إطار البحث عن الحل المنصف من دون تجاوز المرسوم في إستراتيجية الدولة في خيار التعاقد بدون ترسيم. ومناقشة أجزاء التعاقد القابلة للحل والحسم والتوافق.