المهندسة المعمارية القصيوي.. نموذج المرأة المغربية التي تميل ولا تسقط

المهندسة المعمارية القصيوي.. نموذج المرأة المغربية التي تميل ولا تسقط فاطمة الزهراء القصيوي بصدد تقديم تفاصيل مشروع صحي لعامل بنسليمان سمير اليزيدي

ونحن بَعد يومين من تخليد الذكرى العالمية للمرأة. قد تكون المناسبة شرط لاستغلال الموعد من أجل شد الانتباه إلى أنه وفي الوقت الذي تطغى أصوات المناداة بتحسين ظروف عيش النساء المغربيات، وتمكينهن من آليات الاشتغال في أفق الاندماج الكلي بالمجتمع وبشكل مستقل. تطفو في المقابل ضرورة التذكير بنماذج حفرت في الصخر، تحدت العقبات، كما تسلقت الدرجات على سلم أكتافها إلى أن حققت ما تصبو إليه.

والأكيد، إذا كانت عملية إحصاء فبالأحرى إدراج كل النماذج عملية مستحيلة، يظل مسار المهندسة المعمارية فاطمة الزهراء القصيوي كافيا وإن على سبيل التلميح لصلابة عزم هذه الشريحة. إذ أن ابنة مدينة الرباط هاته والميالة منذ طفولتها إلى كل ما هو علمي، لم يكن غريبا أن تسخر ما لا يقل عن عشر سنوات عمرها لمواصلة تعليمها بعد إحراز شهادة الباكالوريا، وإن لم يشفع لها ذلك في يسر انتزاع منصب شغل، كما اعتقدت.

ومع ذلك، لم تنل خيبة الأمل هاته من إصرار القصيوي، وواصلت مسيرة البحث متأبطة دبلومها الأكاديمي، وبزخم معرفي، مقتحمة أبواب كل ما تصادفه من مباريات إلى أن أنصفتها إحداها بضمان موقع حساس داخل الموقع التقني بعمالة بنسليمان. الأمر الذي مهد لها الطريق لهدف مراكمة تجربة جديرة بالتقييم.

ولظروف عفوية وأخرى مبيتة، بدأ ثقل المضايقات ينهال على المهندسة طيلة مدة ثمان سنوات، حتى أجبرها أخيرا على اختيار أخف الضررين. مستفيدة مما لها من حق "التقاعد النسبي". ولأن المآسي لا تأتي فرادى، تزامن هذا القرار مع إصابة زوجها الصيدلي بمرض عضال، شكل مصدر معاناة إضافي لها، توزع بين واجب عناية شريك الحياة وتلبية متطلبات الأبناء.

وفي لحظة استجابة إلاهية لأول دعواتها "اللهم لا نسألك رد القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه"، حلت مرحلة ما بعد وفاة الزوج وهو يغمض غمضته النهائية، تاركا كل الحمل عليها، سواء المادي أو المعنوي. إلا أن كل ما رافق تلك الأويقات من قوة لم يكن أقوى من اقتناع المهندسة المعمارية القصيوي بأن "الحياة تستمر".

وما هي إلا سنة من ترتيب الأفكار والتقاط الأنفاس، كما الاستئناس مع جديد الأوضاع، حتى وقفت فاطمة الزهراء على حتمية استئناف نشاطها بشكل حر. ومن ثمة، تأسيس شركة بمعية طاقم بشري كفء تمكنت معه من شق طريق جديد نحو الإشراف على بناء المشاريع المحدثة وفق المساطر المنظمة لذلك، وتشاء الصدف أن تنال الإشراف على مشروعين بسيدي بطاش يهمان إحداث مرفقين صحيين، تميزا بتفوقها في عملية تقديم مقومات مشروعها خلال تدشينهما من طرف عامل إقليم بنسليمان سمير اليزيدي.

هي إذن نقطة هامة على حرف مرصع من قطعة نساء مغربيات أبا عن جد، كافحت بنضال مستميت، متحدية الصعاب وبين عينها هدف رسمته بعناية، فكانت النتيجة خير ما يهدى لنواعم المغرب في عيدهن العالمي، ووسام يعتلي صدورهن طيلة باقي أيام السنة.