كما رفع المغرب ،في عام 2011، تحفظاته عن الاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية. واستجابة للمطالب النسائية بدسترة المساواة والمناصفة حتى تتواءم التشريعات المغربية مع المواثيق الدولية، أقر الدستور المغربي (2011) مبدأ المساواة في فصله 19، كما نص على إحداث الهيئة المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز (الفصل 164).
أما على المستوى القانون الجنائي، فإن الهيئات النسائية خاضت ولازالت تخوض نضالها من أجل رفع كل أشكال التمييز والعنف ضد المرأة، وتمكنت من فرض إلغاء الفقرة الثانية من المادة 475 من القانون الجنائي المغربي التي كانت توفر لمرتكب جريمة الاغتصاب فرصة الإفلات من عقوبة السجن إن هو قبل الزواج بضحيته.
بفضل الوعي النسائي ونضال الهيئات النسائية والحقوقية ، اضطرت الحكومة إلى الاستجابة لمطلب حماية النساء من التحرش الجنسي الذي طالما دعت تلك الهيئات إلى سن قانون إطار ضد العنف بكل أشكاله. وعلى الرغم من تشريع قانون يجرم التحرش الجنسي، فإن الجمعيات النسائية تعتبره خطوة مهمة لكن غير كافية نظرا لكونه لا يشمل كل حالات التحرش والعنف. ودخل هذا القانون الذي يحمل رقم 103.13 حيز التنفيذ في 12 من شتنبر 2018. وينص على العقوبة بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10 آلاف درهما أو بإحدى هاتين العقوبتين ضد كل من أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية. كما يعاقب بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة من 5000 إلى 50 ألف درهم، إذا ارتكب التحرش من طرف أحد الأصول أو المحارم أو من له ولاية أو سلطة على الضحية، أو إذا كان الضحية قاصرا.
بالموازاة مع النضال من أجل القضاء على كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء، خاضت الهيئات النسائية معاركها النضالية من أجل رفع التجريم عن الإجهاض الطبي/الإرادي وتغيير القانون الجنائي الذي كان الفصل 453 يسمح فقط بالإجهاض في حالة كانت حياة الأم في خطر. وترتب عن هذا القانون استفحال ظاهرة الإجهاض السري حيث يبلغ 800 حالة إجهاض يوميا. فكان ضروريا من تعديل القانون للحد من هذه الظاهرة التي باتت مخيفة وتستنفر الهيئات النسائية والحقوقية خصوصا مع ارتفاع نسب الأطفال المتخلى عنهم وحالات الوفاة في صفوف النساء ضحايا الإجهاض السري. هكذا قرر الملك تعيين لجنة تحدد الحالات التي يكون فيها الإجهاض مسموحا، وقد حددتها في ثلاث حالات: تنصّ المادة الأولى في الفصل (1-453) على "عدم المعاقبة على الإجهاض إذا كان ناتجاً عن اغتصاب أو زنا المحارم، وذلك شريطة أن يقوم به الطبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، وأن يتم قبل انقضاء تسعين يوماً على الحمل". الحالة الثانية في الفصل (2-453) تنصّ على "عدم المعاقبة على الإجهاض إذا كانت الفتاة الحامل مختلة عقلياً شريطة أن يقوم به طبيب في مستشفى عمومي أو مصحة معتمدة لذلك، وأن يتم قبل انقضاء تسعين يوماً على الحمل، وأن يتم بموافقة الزوج، أو أحد الأبوين إذا لم تكن متزوجة، أو النائب الشرعي إذا كانت قاصراً، أو الشخص أو المؤسسات المعهود إليها رعايتها". أما الحالة الثالثة في الفصل (3-453) فتنصّ على أن "يسمح بالإجهاض في حال ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، بواسطة شهادة تسلمها لجنة طبية يعينها وزير الصحة في كلّ جهة من الجهات، على أن يتم الإجهاض قبل مرور 120 يوماً من الحمل".
وساهم كذلك نضال الجمعيات النسائية إلى جانب الجمعيات الحقوقية في حمل الحكومة على إصدار قانون "العمال المنزليين" رقم 19-12 الذي دخل حيز التنفيذ في 2 أكتوبر 2018، وذلك بعد حوالي 27 شهراً من التصويت عليه بالبرلمان في 26 يوليو 2016. وقد وُجهت عدة انتقادات لهذا القانون الذي يسمح بتشغيل الأطفال في سن 16 و17 سنة خلال الفترة الانتقالية التي حددها في 5 سنوات بعدها يُمنع تشغيل الأطفال أقل من 18 سنة.
وبخصوص نضال النساء السلاليات اللائي كن يُحرمن نهائيا من الاستفادة من الأراضي السلالية ومنافعها ، فإن الدولة استجابت، عبر مراحل، لمطلب المساواة بين ذكور وإناث الجماعات السلالية، بحيث أصدرت وزارة الداخلية دورية غير ملزمة لنواب الجماعات باعتماد مبدأ المساواة، والآن وافقت الحكومة على مشروع قانون يلزم الجماعات السلالية بتطبيق مبدأ المساواة وضمان حق الانتفاع بالتساوي بين الذكور والإناث.
ستستمر النضالات النسائية من أجل انتزاع حقوقهن وحمْل حكومات دولهن على رفع كل التحفظات عن مواد الاتفاقيات الدولية التي تروم النهوض بأوضاع المرأة وإقرار كافة الحقوق التي تنص عليها منظومة حقوق الإنسان.
إن المخرج الأساس لإقرار حقوق المرأة كاملة غير منقوصة هو النضال من أجل إقامة دولة مدنية والخروج من الوضعية الحالية التي هي وريثة الدولة الدينية التي طبعت 14 قرنا الماضية. فازدواجية التشريعات (مدنية ــ دينية) ناتجة عن إقرار الدساتير العربية بإسلامية الدولية وأن التشريع الإسلامية مصر أساسي لتشريع القوانين. الأمر الذي يكبّل النضال الديمقراطي من أجل دولة مدنية ديمقراطية ومجتمع حداثي يؤمن بقيم المواطنة وحقوق الإنسان في بُعدها الدولي. فإطار الدولة المدنية هو وحده القادر على حماية النساء من أي استغلال باسم الشريعة التي حولتها المنظومة الفقهية إلى مسوّغ لقهر النساء وإقصائهن عن المشاركة الفعالة في تدبير الشأن العام وحتى الأسري. والتجربة التونسية الحالية جديرة بالاهتمام، إذ لم يتم الإقرار بالمساواة في الإرث بين الذكور والإناث إلا بعد دسترة مدنية الدولة التونسية.