النوري: التعليم ليس قضية لغة بقدر ما هو قضية سياسية بالدرجة الأولى

النوري: التعليم ليس قضية لغة بقدر ما هو قضية سياسية بالدرجة الأولى محمد النوري (يمينا)، وسعد الدين العثماني رفقة سعيد أمزازي

تناسلت في الآونة الأخيرة تصريحات العديد من الوزراء والمسؤولين من كبار وعلية القوم، تندرج كلها في التمسك باللغة العربية في تدريس المواد العلمية، وكان بنكيران وصحبه من أشرس "فرق الموت" التي دافعت عن هذا الموقف. إلا أن شعب الفايسبوك اكتشف كذب وبهتان هؤلاء " الممسوخين" الذين يعلمون أبنائهم بأرقى وأجود المؤسسات التعليمية الخصوصية بمختلف اللغات الأجنبية. وسقطت أقنعتهم أمام الرأي العام.

في هذا السياق تتقاسم جريدة " أنفاس بريس" ورقة الفاعل المدني الأستاذ محمد النوري الذي  شخص سلوك هؤلاء ووصف سادة "الخطاب السياسي المزيف، و الانفاصم في الموقف".

يبدو لي أن طرح تدريس العلوم باللغة العربية أو الفرنسية كشف زيف الخطاب السياسي لعدد كبير من السياسيين الذين يكيلون بمكايلين مختلفين ، هم يضمنون لأبنائهم تعليما مختلفا لما ينشدونه سياسيا .

هذا الانفصام في الموقف، له جذور تاريخية لما كان التعليم موضوع صراع بين سلطة الحماية والوطنيين الذين عملوا على إحداث مؤسسات تعليمية تختلف كليا عن التعليم الفرنسي أو الإسباني، وبالرغم من الدور الرائد الذي لعبته هذه المؤسسات الوطنية في التوعية بالقضايا الوطنية، إلا أن بعض مسؤوليها كان أبنائهم يرتادون المؤسسات العصرية مما بوأهم مكانة مهمة أهلتهم لتقلد المناصب المهمة عقب الاستقلال، في حين أغلبية الذين استفادوا من تعليم المدارس الوطنية وتعليم البعثات العربية بكل من مصر أو سوريا وغيرها اتجهوا إلى التعليم ، أو بعض الوظائف العادية ( عابد الجابري، أحمد السطاتي..)، كما لم يكن غريبا أن يلتحق هؤلاء بأحزاب المعارضة.

الانفصام في الموقف يمتد زمنيا إلى يومنا هذا حيث أن جل الذين يزايدون دفاعا عن التعليم العمومي أبناؤهم يرتادون مؤسسات البعثات الأجنبية أو مؤسسات التعليم الخصوصي بما فيهم رجال التعليم العمومي أنفسهم، دون أن نتحدث عن البرلمانيين والوزراء، وأعضاء المجلس الأعلى للتعليم ومسؤولي النقابات التعليمية.

كيف لهؤلاء أن يدافعوا عن التعليم العمومي وهم أول من يهد أركانه ؟

المآل الذي وصلته العملية التعليمية مقصودة أهدافه وغاياته، لأنه تعليم طبقي يكرس سياسة الفوارق الاجتماعية، هو ليس قضية لغة بقدر ما هو سياسة تتوخى استمرار الهيمنة والتحكم.

دولة رواندا التي أنهكتها الحرب الأهلية لسنوات طويلة، اتفق سياسيوها على اعتماد اللغة الانجليزية كلغة للتدريس، هي اليوم تعد من الدول الصاعدة حيث أن نسبة النمو فيها لم تنزل عن تسعة بالمائة منذ سنة 2000. أما دولة إسرائيل التي تعتمد اللغة العبرية فهي تترجم سنويا ما يفوق بكثير ما تترجمه الدول العربية مجتمعة.

سقت المثالين لأبين بأن التعليم ليس قضية لغة بقدر ما هو قضية سياسية بالدرجة الأولي.