عبد الغني السلماني: أمينة بوعياش.. لا تبالي بالخرجات التي تشوش على ملف اغتيال أيت الجيد

عبد الغني السلماني: أمينة بوعياش.. لا تبالي بالخرجات التي تشوش على ملف اغتيال أيت الجيد عبد الغني السلماني

فاتح مارس من كل سنة، تذكير بالألم واستحضار لروح صديق شهيد، كان بإمكان أن أكون أنا أو غيري من المجايلين، لأن العنف الظلامي لم يكن يختار، بنعيسى كان مسالما مبتسما شغوفا بالعلم والمعرفة، متسامحا لم يمارس العنف حتى في اللغة كان ينتقي مفاهيمه بعناية، إنه السحر الذي شدني إليه وجعل الوفاء لذكراه الأليمة لا تعرف التقادم والنسيان.

استعدادا لتخليد الذكرى 26 لاغتيال الشهيد آيت الجيد محمد بنعيسى، تبقى إرادة أصدقاء بنعيسى  ورفاقه ومجايليه والمدافعين عن قضيته؛ قوية في كشف الحقيقة كل الحقيقة. نريد لذاكرة الشهيد أن تبقى نبراسا ينير طريق الحرية والانعتاق والتقدم، لابد من تأريخ الأحداث والاشتغال من كل المواقع. حتى تكون ذكرى 26 في مستوى الحدث وحجم تضحيات الشهيد وباقي ضحايا العنف الديني القاتل. وفاء للذكرى والذاكرة من أجل الحقيقة والتاريخ .

بوعياش والشهيد:

أول خرجة للسيدة أمينة بوعياش لها قيمتها القانونية من شخصية جربت العمل الحقوقي ودافعت عن قناعتها بكل تجرد ومسؤولية، بعد أن عينت على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهذا ليس غريبا، لكون المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي تربت في أحضانها بوعياش، سبق أن عبرت عن إدانتها للاغتيال السياسي الذي كان ضحيته آيت الجيد، ويكفي الرجوع على بيانات الجمعية للتذكير بذلك. لكن موقف أمينة بوعياش من خطوة عائلة الشهيد في البحث عن حقيقة اغتيال ابنها له ما يبرره إنسانيا وقانونيا .

للتذكير:

لقد شَكل الحنين إلى احترام حقوق الإنسان رفيقا للبشرية خلال فتراتها التاريخية المتعاقبة، وواكب هذه المسيرة صراع دائب ومستمر وجهد لا ينضب معينه للحفاظ على الحق في الحرية والسلامة الجسدية بوجه خاص. هذا التطلع للحقوق نابع من ضرورة احترام الإنسان ومن أحقيته في أن يعيش حياة كريمة، بعيدا عن كل ممارسات الظلم والقهر والانتهاك.. فإذا كانت مضامين الحاجة إلى الحقوق تزداد وتتوسع، فإن معاناة الأحرار تكثر ما داموا مؤمنين بحقوقهم وأحقيتهم في الحياة والعيش المشترك، بحيث لا يمكن لأي مجتمع إنساني العيش دون حد أدنى من الأخلاق المشتركة بين الشعوب.

كيف يمكن أن تتفاعل مع مطلب الحق في الحياة وأنت شاهد على جثة صديق ممدد فوق السرير في مستشفى الغساني بفاس، مساء ليلة باردة؟ ماذا يقول لك التاريخ وأنت تتذكر، كما تتذكر مدينة فاس بكاملها، حدثا مؤلما تمثل في الاعتداء على سلامة جسد في واضحة النهار؟ ألم يعتبر الفلاسفة أن الجسد هو قضية الإنسان نفسه! لما للأمر من غاية في أحقية الإنسان وارتباطه الوثيق بالحق في الحياة؟ لماذا لم يتم الحفاظ على السلامة الجسدية للشهيد بنعيسى وهو مُجهز عليه بحجر الرصيف، بعدما تم توقيف سيارة الأجرة رفقة رفيقه الخمار؟ هذا انتهاك للحق في الحياة.. لا بد من التذكير أن الحق في الحياة من الحقوق اللصيقة بكيان الإنسان وبشخصه؛ وبالتالي تم تكريس حماية شمولية لهذا الحق كأول الحقوق الجدیرة بالحمایة والرعایة، ذلك أن الجسم هو الوعاء الذي تصب فیه هذه الحیاة، وهو الكیان المادي الذي یباشر الإنسان من خلاله وظائفه، ولهذا بالإجهاز على جسد بنعيسى تم تعطيل كل حواسه والرغبة في قبر الحقيقة معه.

من هذا المنطلق  لابد من التذكير دائما أن الجهود الدولية سعت، خصوصا من داخل الأمم المتحدة، إلى تكريس الحماية العامة والخاصة لكينونة الإنسان عبر إقرار عديد المواثيق التي كانت حاسمة في توفير هذه الحماية، لعل أبرزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أعطى أهمية كبيرة لحق الإنسان في سلامته الجسدية.. وهذا  اعتبر فقط البداية، حيث تلاه إقرار مواثيق دولية أخرى تهتم بنفس الأهداف، كان أهمها اتفاقية مناهضة التعذيب وبروتوكولها الاختياري.

هذه هي الخلفية الحقوقية التي تجعل المؤمنين بحقوق الإنسان ينشدون الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. والعامل من داخل أي إطار حقوقي لابد أن تكون له هذه الخلفية، وأمينة بوعياش يستحضرها هذا الإرث، وخاصة أنها تترأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لما لهذه المؤسسة الوطنية من أهمية في حماية الحقوق والحريات للمغاربة، والنهوض بها ثقافة وممارسة، في نطاق احترام المرجعيات الوطنية والكونية ومقتضيات دستور 2011، الذي يعد بمثابة وثيقة قانونية بطموح أن تكون في مستوى ميثاق متكامل لحقوق الإنسان، في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. ونظرا لأهمية المؤسسة ودورها في النهوض بحقوق الإنسان في مواصلة الجهود لتعزيز وتثمين المكاسب التي حققتها المغرب، والتي تحظى بتقدير المؤسسات والهيآت الدولية والجهوية المختصة. وهو ما يضاعف من حجم المسؤولية الملقاة على هذه المؤسسة وما يُنتظر من الأستاذة أمينة بوعياش كمناضلة حقوقية سابقة في المساهمة في كشف حقيقة اغتيال الشهيد آيت الجيد وفتح تحقيق في الاغتيالات التي كان آيت الجيد والمعطي بوملي ضحية لها، اعتبارا للصلاحيات الواسعة التي أصبح يتمتع بها المجلس كمؤسسة وطنية.

لهذا يبقى أمل الحركة الحقوقية والمطالبين بالحقيقة كل الحقيقة في اغتيال الشهيد أن يتحمل المجلس مسؤوليته، وأن لا يخضع للابتزاز السياسي الذي يمارسه الحزب الأغلبي في طمس الحقيقة والكذب على التاريخ .

المجلس الوطني وقضية بنعيسى :

تجاوبت العديد من الأصوات الحقوقية مع تصريحات أمينة بوعياش حين عبرت عن موقفها من الجدل الذي أثير حول قانونية متابعة القيادي في حزب العدالة والتنمية والمستشار البرلماني، عبد العالي حامي الدين، في قضية اغتيال آيت الجيد محمد بنعيسى، في برنامج شباب "فوكس" الذي بثته قناة ميدي1، ومطالبتها باحترام دعوى عائلة الضحية؛ مؤكدة بأن القضايا من هذا المثيل حقوقيا لا تطالها التقادم من حيث التقاضي؛ مشددة على ضرورة "أن يكون لنا الثقة في القضاء والتقاضي، مادام انه لم يحسم الملف بعد سواء لصالح حامي الدين أو لصالح عائلة الشهيد، وعلينا كمغاربة وفاعلين سياسيين أن تكون لدينا الثقة في القضاء". كلام واضح لا يقبل التأويل والمزايدة.. إذا لم يتدخل خبراء المجلس الوطني لحقوق الإنسان وينورون الرأي العام في قضية سُيِسَت أكثر من اللازم، ماذا ستقول العائلة، وماذا سيقول رفاق الشهيد وهم يطالبون بالحقيقة كل الحقيقة؟

حين عبرت أمينة بوعياش عن موقفها، وأقرت أنه ليس هناك تقادم من حيث التقاضي في ملف المتهم حامي الدين، وبأن القضاء لم يحسم بعد، مادام ان الملف لم يغلق؟؟، بدليل أن الملف فتح من جديد وبمعطيات جديدة.. وهناك أمثلة عديدة في القضاء دوليا؛ متسائلة "فلماذا علينا ان نبدي تخوفنا والقضية معروضة أمام القضاء، كما لا ينبغي علينا إثارة اي توتر في كل قضية من هذه القضايا، ويكون فيها المستهدف هو القضاء والمؤسسات الدستورية، يجب علينا تقليل التوتر السياسي في مثل هذه القضايا؟؟؟ انتهى كلام بوعياش .

لهذا  نقول لك سيدتي لا تبالي للخرجات التي تشوش على هذا الملف، والتي تربطه بحسابات سياسية ضيقة.. مارسي اختصاصاتك، وعبري عن قناعاتك بموضوعية بما يتناسب والقانون والدستور ولا تخضعي لأشكال الابتزاز والتجاوز الذي يمارسه أنصار المتهم من أجل قتل الحقيقة والذاكرة .

د. عبد الغني السلماني، باحث وناقد