عبد المجيد مومر: هل يستوعب العرب خطاب الملك محمد السادس؟!

عبد المجيد مومر: هل يستوعب العرب خطاب الملك محمد السادس؟! عبد المجيد مومر

تعيش شعوب دول الجامعة العربية مع ألم متابعة واقع التشرذم وانشطار العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية، ومعها دولة الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والجمهورية العربية المصرية من جهة، وعلى نقيض هذه الجهة توجد دولة قطر.

وإذا كانت مواجهة خطر التغلغل الإيراني الذي تجاوز مداه الجغرافي، وبلغ خطره حدود الأمن القومي العربي بالصحراء المغربية من خلال وضعية التمترس خلف قواعد معسكرات جبهة البوليساريو الإرهابية جنوب الجزائر، وعبر تكليف ذراع "ولاية السفيه" حزب حسن اللبناني بِنَقل الامتداد الثوري الإيراني من خليج فارس إلى المحيط الأطلسي. إذا كانت مواجهة هذا التغلغل الإيراني تتطلب وحدة قوية قادرة على كبح جماح اختراقاته التوسعية، فإن واقعَ فشلِ دولِ الجامعة العربية في وضع استراتيجية مُوَحَّدة فعالة يُسائِل بشكل خاص دول السعودية، قطر، الإمارات، مصر، لبنان والجزائر.

وأمام الآثار السلبية لرفض هذه الدول إحقاق المادة الثامنة لميثاق جامعة الدول العربية، والتي تنص علي ما يلي: "تحترم كل دولة من الدول المشتركة فى الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى، وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول، وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمى الى تغيير ذلك النظام فيها".

فإن الكثير ممن يؤرقهم هذا الظرف الديبلوماسي العربي المشحون يشتركون في إحساس المرارة والحسرة على انزلاق مجريات  الصراع العربي-العربي نحو حالة عَمَاه الديبلوماسية، التي تعلن اقتراب زمن خريف ميثاق جامعة الدول العربية. هذا الخريف الذي سَبقَهُ سقوط أوراق التضامن المشترك، نتيجة صرصر اللغو العنجهي ورفض مبادرات إصلاح ذات البين التي بادرت إليها المملكة المغربية، بكل حسن نية ووفاءً لروابط تاريخية عزيزة على قلوب المغربيات والمغاربة، روابط عميقة يحفظها تاريخ عريق يجمع شعوب الدول العربية، روابط وحدوية كانت ينابيعُ التشبث بها تنطلق من أواصر الأخوة المتبادلة و شعارات وحدة المصير أو كذلك وحدة الخلاص.

وبالتالي، فإننا -كشباب مغربي- لا نجِدُ تَمَظْهُراتٍ كريهةٍ للحقد والضغينة وسوء التقدير وذميم الكياسة، إلاَّ من خلال هذا الرُّكام من الأخطاء السياسوية المتراكِمة، التي تنسف عرى التماسك والتضامن بين دول الجامعة العربية. مثلما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس المُوَجَّهِ إلى القمة العربية الأوروبية، الذي كان صارماً في التأكيد على أن ما يواجهه العالم العربي من تحديات خطيرة تهدد أمنه واستقراره، راجع أحيانا إلى سياسات وسلوكيات بعض دوله تجاه البعض الآخر.

ولعل أبشع هذه السلوكيات المقيتة، نجدُها ظاهِرةً في جرائم السياسات العدوانية التي يرتكبها النظام الجزائري ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية، والتي تهدد السلم والسلام بمنطقة شمال افريقيا، بشكل يزيد من تهديد الأمن القومي العربي؛ مع استنزاف الجهود والطاقات في معارك الهدم، وليس في استكمال بناء الصرح المغاربي الكبير القادر على إحقاق حلم الشباب في مجتمع التنوع البشري، مجتمع السلم والسلام والحرية والمساواة والكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية. وهذا ما يفسر قوة خطاب جلالة الملك محمد السادس الذي دعا التكتلات العربية الإقليمية -ومن بينها اتحاد المغرب العربي- إلى ضرورة تجاوز العوائق السياسية والخلافات الثنائية.

وهنا -أيضا-، لابأس من التذكير بالحرب الإعلامية التي يَشُنُّ غاراتِها قُطْبَي القنوات الخليجية المُمَوَّلَة من ريع أموال البِتْرودُولاَر العربي -وأعني بالذكر قناة "الجزيرة" وقناة "العربية"-، حيث أنهما تَتَعَمَّدَان عرضَ خريطة المملكة المغربية مفصولةً عن أقاليمها الصحراوية بالجنوب. وهذا ما يُثْبتُ بالملموس أن المملكة المغربية تتعرض لِطعنات عربية غَادِرَة تستهدف الوحدة الترابية لِمغرب الاختيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه، وحدة المغرب الثقافي الرائد في ترسيخ أنموذج عربي للتعايش الإنساني المتعدد الروافد.

كما أن مستوى العنف اللفظي والإشاعة المُمَنهجة الذي يُصاحِب النقاش داخل بلاطوهات هذه المدافع  الإعلامية الخليجية أصبح علامة فَارِقَة تَدُلُّ على دُنُوِّ حِقْبَة "خريف ميثاق الجامعة العربية"، الذي قد تتساقطُ معه أوراق ما تبقى من شُجَيْرات السلم والأخوة وحرمة الجوار.

هذا الخريف حزينٌ بانعدام الشروط الذاتية والموضوعية القمينة بمواجهة الخلاف العربي الواقع. لأن القضاءَ على خطر انهيار جامعة الدول العربية يظل رهنا بالالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية، والتوقف والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية، مثلما أشار إليه جلالة الملك محمد السادس.

وحيث أننا لسنا بمقام قراءة النوايا المستورة، فلابد من التنبيه -كذلك- إلى أخطر المخاطر التي باتت تتربص باستقرار "الوطن العربي" المتميِّز بتاريخه الحضاري العريق. هذه المخاطر التي تتجسد في حالة الزيغ عن أولويات تحصين الأمن القومي العربي الذي ينبغي أن يظل شأنا عربيا، في منأى عن أي تدخل أو تأثير خارجي.

ولا بد من اعتماد الواقعية السياسية في كشف الأفاق الاستراتيجية لِمستقبل وحدة شعوب الدول العربية، و الذي تعبث به عشوائية التعامل غير الديبلوماسي ونرجسية التفاضل غير الأخوي. وبالتالي، لا مناص لنا عن ضرورة استيعاب خطاب جلالة الملك محمد السادس: خطاب العقل العربي الحكيم، لكي نستطيع به اجتناب مصيبة القطيعة التامة بين الدول العربية، و التشبث بما يمكن الوصول إليه من تعاون محمود وشراكة مثمرة، واجتناب اتباع الهوى الآمر بالسوء.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإننا نَتَّجِهُ -أيضا- بالسؤال إلى حكماء دولة قطر حول أسباب ومُسَبِّبات احتضانِها ومنح رخص الإقامة على أراضيها لشيوخ ذاك "الاتحاد الإرهابي لسفهاء الفتنة" الذي يتدخل في شؤون الأمن الروحي للمغربيات والمغاربة بشكل سافر. ولا يمكننا التغاضي عن هذه التهمة/ الجريمة لأن لا أحد يستطيع نفي الوقائع الميدانية المرتبطة بوجود هذه الجماعات الخطيرة وقياداتها التي تتدخل في شؤون المغرب الدينية تحت ضيافة مادية قطرية.

وإذا كانت المعطيات الميدانية المعلومة تؤكد ارتباط خلايا "الاتحاد الإرهابي لسفهاء الفتنة" بأجندات "شبه انقلابية" داخل بعض الدول، وتكشف كذلك عن استفادتها من امتيازات عدم إدراجها ضمن لوائح الأمم المتحدة للجماعات الإرهابية، واختباء بعضها الآخر خلف واجهات الدعوة أو المقاومة، أو تحت غطاء أيديولوجيا أحزاب التدين السياسي.

كل ما سبق بَسْطُهُ يؤدي إلى فضح محاولة تلبيس الشرعية والمشروعية القانونية والدعَوِيَّة، وتبييض وجهِ "دعاة الإرهاب" بشكل يجعل من إمارة قطر مُتورِّطة -عن قصْد أو دونه-. وذلك وِفق سيناريو مُشابِه تمامًا لما سبق أن قام به التبشير الوهابي السعودي من تقسيم شعوب دول الجامعة العربية إلى معسكر الإيمان ومعسكر الكفار، وكانت النتيجة بروز تَديُّن داعشي قاتل للإنسان ورافض للديمقراطية والحكامة العقلانية القادرة على إحقاق المطالب الشبابية في التنمية.

على سبيل الختم، فإن مضامين الخطاب الملكي المُوَجَّهِ إلى القمة العربية الأوروبية تدعو -جميع من يهمهم الأمر- إلى ضرورة التأسيس لمرحلة مكاشفة صادقة، واضحة وبناءة، مرحلة مكاشفة تُمَكِّنُنَا من تجاوز بؤس المعارك الديبلوماسية الفوضوية التي تناقض طموحات الشباب في بزوغ فجر الديمقراطية والحداثة والتنمية. مرحلة مكاشفة تساعدنا على اجتناب سفاهة الاستقواء على بعضنا البعض، وتجاوز فشل ديبلوماسية الابتزاز وشراء الذمم في إيجاد حلول عقلانية عملية فعالة للأزمة الخطيرة التي تتخبط في أوحالِها العديد من الدول العربية.

ويبقى الأمل في تجاوب قادة ورؤساء دول الجامعة العربية مع خارطة طريق التي تضمنها الخطاب الملكي المُوَجَّه للقمة العربية الأوروبية، والتي تشكل مدخلا بارزا لتدشين حقبة عربية جديدة باعتماد استراتيجية عقلانية مُوَحَّدة، استراتيجية مُتَبَصِّرة سلمية وفعالة نتفادى من خلالها ويلات "حرب الإخوة" التي قد تُدخل المنطقة والعالم في دوامة عنف أخطر بعد أن أَنْهَكَنَا الواقع المستمر لِتْراجِيدْيَا مشاهد الفرقة، الحزن، الألم ومظاهر الشتات العربي.

ملحوظة لا بد منها: إن مواجهة الخطر الإيراني تفرض إعادة تشكيل الدرع العربي الديمقراطي العقلاني. ولا تعني الارتماء الأعمى في أحضان الحماية الإسرائيلية، مع إعادة تقديمها لشعوب دول الجامعة العربية بصفة المنقذ للأمن القومي العربي. فلا تنسوا أن التطبيع مع دولة إسرائيل المُسْتَحْدَثَة ينطلق من تمكين الشعب الفلسطيني من حقه المشروع في إعلان قيام دولتِه المستقلة!

- عبد المجيد مومر الزيراوي، شاعر وكاتب مغربي