محمد المرابط: أما آن الأوان ليتجاوز حراك الريف يمينيته السياسية؟!

محمد المرابط: أما آن الأوان ليتجاوز حراك الريف يمينيته السياسية؟! محمد المرابط

شهد يوم الأحد 24/2/2019، مسيرتين احتضنتا مطلب سراح معتقلي الحراكات الاجتماعية. الأولى محلية في الحسيمة، دعا إليها الاتحاد المحلي للكونفدرالية الديموقراطية للشغل، في سياق التوجيه المركزي لهذه النقابة للاحتجاج ضد السياسات الحكومية في الجانب الاجتماعي، حضرتها عائلات المعتقلين و الطيف الديموقراطي .

 

وتكون الحسيمة بترخيص السلطات لهذه المسيرة -ومن قبل في 29/9/2018 لليوم التواصلي لمجموعة العمل من أجل الريف وكل الوطن، والتئام لجنة المتابعة المنبثقة عن هذا اللقاء في 15/2/2019، إلى جانب تظاهرتين دينيتين واحدة بالحسيمة من تأطير شيخ الطريقة البودشيشية سيدي جمال، وأخرى بإمزورن من تأطير الشيخ مولاي علي الريسوني- في موقع استعادة حياتها الطبيعية. ولعل هذا الانفراج الذي تعرفه "الخزامى" في مجال الحريات العامة، هو ثمرة طبيعية للزيارة الصيفية لصاحب الأمر لهذه المدينة.

 

أما المسيرة الثانية فكانت وطنية، احتضنتها الدار البيضاء بدعوة من لجنة دعم الحراك بها. وقد حضر طليعتها بعض عائلات المعتقلين، وبعض المفرج عنهم. لكن يبقى من الملاحظ أن موقع جمعية ثافرا للوحدة والتضامن، قام بتغطية مسيرة الحسيمة فقط. أما حساب اعزي أحمد الزفزافي فلم ينشغل بالمسيرتين، في حين لم تفته الكتابات المنبهرة بزعامة ناصر. فاعزي أحمد تنسيه في الكثير من الأحيان، مناقب ناصر وزعامته، أنه رئيس لجميع عائلات المعتقلين.

 

وإذ نزجي التحية لكل النشطاء بالدار البيضاء الداعمين لملف حراك الريف، فإني أستأذن في التركيز على الحسيمة، فيما تبقى من حيز هذه المادة، لعلنا ننحت قاعدة التحرك المطلوب لمطلب الحل السياسي لهذا الملف.

 

لقد سبق أن تم الإعلان في 4/6/2017 عن ميلاد جبهة الهيئات اليسارية والحقوقية بإقليم الحسيمة للمساهمة بشكل جماعي للتصدي للهجمة المخزنية"، في أعقاب "المنعطف الخطير الذي سارت فيه أحداث حراك الحسيمة". وبصرف النظر عن مآل هذه الجبهة، فإن مسيرة CDT بالحسيمة -انطلاقا من عنوان الجمعية المغربية لحقوق الانسان، وباحتضان كل مكونات الصف الديمقراطي، وهم في هذه المسيرة تتقدمهم عائلات المعتقلين- تحيي الآمال في بعث هذه الجبهة على أرضية الحل السياسي لملف الحراك. وبالمناسبة فمجموعة العمل من أجل الريف وكل الوطن، منشغلة وبهذه الخلفية، بالتحضير لندوة بالحسيمة في شهر أبريل المقبل.

 

وما يزكي هذا الأفق، اهتداء جمعية ثافرا مؤخرا لهذا المنحى. كما وقفنا قبل ذلك على موقف للأستاذ محمد جلول بقوله: "أنا مع كل المبادرات التي تخدم الريف ومصلحة الوطن وإطلاق سراح  المعتقلين"، ومن بعد، على موقف الحبيب الحنودي وهو يعلن: "أنا ألتقي  مع كل من يعمل من أجل إطلاق سراح المعتقلين، والدفاع عن الحريات العامة والخاصة، ومن أجل تنمية الريف ورفع الحصار عنه".

 

وتحملني هذه المؤشرات الواعدة، إلى جانب الإشارة إلى تدوينة الأستاذ رشيد المساوي: "آن الأوان للتفكير جديا في أنسب الصيغ لفك شفرة هذه المعادلة: هيبة الدولة "العناد الريفي"، على مصارحة الذات من وجهين: الأول يتعلق بشعار "لا للدكاكين السياسية والجمعيات الاسترزاقية الممخزنة"، حيث كان يستهدف الحراك بهذا الشعار، اليسار المغربي في مختلف مواقعه السياسية والنقابية والحقوقية؛ ومن ثم فهو شعار يميني بخدم الأصولية والرجعية. ومن المؤسف أن اعزي أحمد الزفزافي رفع هذا الشعار في وجه الأحزاب اليسارية قبل الجولة الأخيرة للتصويت على جائزة ساخروف ليجامل الجمهوريين في أوروبا، فنوه به عزيز ويوبا. ونسي بلغة المجاز، أن الحراك بدون عمق التوقيت الوطني لن ينفعه التوقيت الأوروبي. وبالتالي يكون بهذا التخندق الإيديولوجي، قد فقد دور الوسيط الذي يسعى لحشد عناصر "القوة" له، في الوقت الذي كنا ننتظر منه أولا، ترشيد تصور ناصر للمسألة، خصوصا وأنه يسعى لتعميم هذا الموقف العدمي في الجوار المغربي، من خلال اصطفافه إلى جانب مناهضي العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، وهو يوجه نداءه للشعب الجزائري بالقول: "وحفاظا على نزاهة حراككم من أي اختراق واستغلال، لا بد من رفض الدكاكين السياسية".

 

أما الوجه الثاني، فيتعلق بأعطاب منهجية الاشتغال البديلة. فمثلا في الوقت الذي كان فيه اليوم التواصلي في شتنبر الماضي ملتئما، كان الأستاذ محمد المساوي معتكفا في قاعدة امرابضن بتماسينت، وربما كان الرفيق بوعلي في مكان آخر. ولربما لضمان حضور الأستاذ جمال أمزيان، لم تتم توجيه الدعوة للبعض الآخر. وحتى أحد بنود بلاغ اليوم التواصلي، كان موضع خلاف فايسبوكي بين الأستاذين سفيان الحتاش وأحمد البلعيشي. لذلك فدقة المرحلة تقتضي قدرا من عقلانية وضوح الرؤية. كما أن سعينا الجماعي لبناء منطق التعاقدات مع الدولة، يفرض الالتزام البيني، بما يتم التعهد به من تصحيح الأخطاء وتجاوزها الواعي.

 

ويبقى الأمل في أن تكون هذه الإشارات كافية في باب ضرورة بذل الجهد للم شعث النخبة الريفية، كعمق حيوي لحراك اجتماعي مشروع واع بأخطائه كقيادة يمينية، وذلك لنحت ملامح المخاطب الجدي والمسؤول، في مسعى الحل السياسي.