تحقيق تلاميذي: ذهب سائل يلمع بسيدي إفني ومنتوج فريد يغري أسواق المغرب والعالم

تحقيق تلاميذي: ذهب سائل يلمع بسيدي إفني ومنتوج فريد يغري أسواق المغرب والعالم شجرة الأركان
في إطار المشاركة في مباراة الصحفيين الشباب من أجل البيئة للموسم الحالي 2018/2019 ، أنجز تلاميذ من إعدادية 30 يونيو بسيدي إفني، تحقيقا حول شجرة الأركان.
التحقيق الذي أطره الأستاذ محمد غانم، كان من إنجاز التلاميذ: روعة بوعشرا.  مريم ادلحسن. أيوب أعراب. ومن تأطير الأستاذ محمد غانم.
"أنفاس بريس"، إذ تنشر إنجاز هؤلاء التلاميذ، تود أن تخبر الهيأة التربوية بكافة مؤسسات التعليم بالمغرب، بانفتاحها على إشراقات أبناء المؤسسات التعليمية على اختلاف تواجدها.
 

الزائر للجنوب الغربي للمملكة المغربية ستأسره حتما مدينة سيدي إفني، المركز الحضري لقبيلة أيت باعمران، قبيلة عرفت بمواجهة المستعمر الاسباني و اشتهرت ببسالة مقاوميها وبالفروسية والبارود... هذا الإقليم ذو طابع غابوي، تغطي منه الغابة 118600 هكتار.  ففي الطريق إليه تستقبلك من هناك فاكهة الصبار ذات اللون الأخضر البهي، ومن هناك تفتح لك شجرة الأركان ذراعيها مرحبة بك لتستظل بظلها وتتذوق ما قد تجود به عليك من زيت طبيعية قل نظيرها.

لقد ذاع صيت هذه الشجرة التي تنتشر على 98 ألف هكتار، أي بنسبة 83% من الفضاء الغابوي بالإقليم، لما لها من مميزات خاصة على المستويين البيئي والاقتصادي فهي تقاوم التصحر والتعرية وتزود الساكنة بالفحم والخشب..  وساهمت جهات متعددة: مديريات، تعاونيات، وكالات، شركات، إشهارات.. في التعريف بزيتها "أركانينو" (زيتي بالأمازيغية) ذات الجودة العالية، النادرة والصالحة للاستعمال لسنوات طويلة، والشاهد على ذلك الأسواق التي تؤثث الدكاكين منتوجاتها وإقبال الناس بمختلف تلويناتهم عليها.

 

 شجرة الأركان موروث نادر

فأركان في الأصل نبتة شوكية مثمرة ذات طابع غابوي، تعمر طويلا ويمكن أن تعيش إلى نحو 200 سنة، تنحصر بين الأطلسين الكبير والصغير، وتمتد من شمال مدينة الصويرة وصولا إلى نواحي إقليم كلميم جنوبا، تواجدت بسيدي إفني إلى جانب "الدغموس" و"العرعار" تواجدا طبيعيا منذ سنوات وسنوات وعاش معها الأجداد وعاصرها الأحفاد، معتبرين إياها شجرة مباركة وهبة من الخالق تعالى.

وجعلت منظمة اليونسكو شجرة الأركان محمية منذ سنة 1998،وتعتبرها كذلك تراثا ثقافيا غير مادي للبشرية سُجل على قائمتها سنة 2014 تحت اسم: الممارسات والدرايات المتعلقة بشجرة الأركان. وقد قامت دول أخرى بتجربة غرسها وتعديلها جينيا، لكنها لم تنجح في ذلك إذ فُقدت العديد من المكونات والخصائص التي كانت متواجدة في زيت النبتة الأصلية.


أركان بين التراجع والاستغلال

وتعد شجرة الأركان موردا من الموارد الرئيسة للأسر  في أرياف سيدي إفني، وعلى الرغم من مقاومتها للظروف الطبيعية وطول تعميرها، فإنها بدأت تعرف استغلالا مكثفا وتراجعا ملحوظا في الآونة الأخيرة مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك ما تظهره الصور عبر الأقمار الاصطناعية التي ترصد المساحات التي كانت تحتلها هذه الشجرة وما دُمر منها بين فترات معينة، وكذا تناقص الإنتاج وقلته الذي يعزى إلى  الطلب المفرط على المنتوجات المشتقة من ثمار  الأركان وتعدد استعمالاتها بين التغذية " الطهي وإعداد المأكولات " و مستحضرات التجميل والعلاجات الطبية.. وذلك يتأكد من غلاء الأثمنة وارتفاع قيمة هذا المنتوج والتهافت غير المسبوق عليه خصوصا من طرف السياح والشركات الأجنبية وظهور أسواق جديدة لترويجه " السوق التضامني بالدار البيضاء نموذجا"، ينضاف إليه الخلل الكامن في سلسلة الإنتاج من الجني إلى التسويق المحلي والجهوي والوطني والدولي أو ما يمكن تسميته بالتوزيع غير العادل للمداخيل والأرباح بين الأطراف المتدخلة: فالفلاح يحصل على 200 إلى 300 درهم عكس التجار الذين يحصلون على 600 درهم فما فوق ".

 

شجرة الأركان تشتكي في صمت

والمؤكد أن هذا التراجع الذي قد يؤدي إلى اندثار هذه الشجرة مستقبلا، يعود حسب تصريحات السيد المدير الإقليمي للمندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر بسيدي إفني إلى عوامل عدة يأتي في مقدمتها: الضغط الممارس على غابة الأركان الذي يتجاوز طاقتها خاصة الرعي الجائر، فتسلق الماعز للأشجار وجعلها مرعى لقطعان الرعاة الرحل وعلفا لها خصوصا قبل نضج الثمار يسبب في إتلافها، يليه مشكل التغيرات المناخية والتراجع الملاحظ في معدل التساقطات وعدم انتظامها خلال السنوات الأخيرة، الشيء الذي لا يساعد الشجرة على الاستخلاف، دون أن نغفل تأثير الحرائق خاصة في فصل الصيف المعروف بارتفاع درجات الحرارة، حيث سُجل في إقليم سيدي إفني ما بين 1997 و2011 أربعة حرائق كبرى دمرت أزيد من 556 هكتار، وما بين 2012 و2018 فسجل حريق واحد التهم 4 هكتارات فقط. أضف إلى ذلك قطع الأشجار لجمع الحطب بغرض التدفئة أو غيره من الاستعمالات "الأفران التقليدية، الحمامات، الفحم"، وأيضا التنقية غير السليمة للشجرة بقطع أغصانها السفلى القريبة من الأرض أو استعمال العصي لجني الثمار . وأخيرا الاستغلال المفرط لاستخراج الزيت وتسويقها.

 

 

شجرة الأركان تقاوم الاندثار

ونظرا لهذه العوامل التي قد تفتك بهذه الشجرة العظيمة، لم تبق الساكنة ولا السلطات المعنية مكتوفة الأيدي بل حاولت جاهدة التقليص من حدتها، وفي هذا الإطار خصصت المديرية الإقليمية للمياه والغابات ومحاربة التصحر بسيدي إفني ميزانية تبلغ 8 مليون درهم سنويا للقيام بمجموعة من البرامج والأنشطة التي تصب في مشروع إعادة إحياء وتنمية المنظومة الغابوية لأركان بما فيها نشاط التخليف الاصطناعي لشجيرات الأركان الذي يهم تقريبا مساحة 70 حتى 80 هكتار سنويا، وتوزيع الأشجار المثمرة "الزيتون واللوز" لحماية التربة وتحسين وضعيتها وبالتالي العودة بالنفع على النظام البيئي بما فيه أشجار الأركان، وفتح الطرقات وصيانتها وكذا المسالك الغابوية للوصول إلى الأركان وجنيه ومراقبته.. وإنشاء السدود الوقائية للحماية من الانجراف والتعرية، وتوظيف حراس موسميين لمدة معينة بغرض مراقبة المجال الغابوي، دون إغفال تطبيق القوانين والعقوبات الجزرية إزاء مرتكبي المخالفات .

وفي المقابل تنهج الساكنة سلوكات وقائية في صالح الشجرة على حد قول السيد عبد الله أمزاي "أحد الفاعلين المحليين المهتمين بالأركان" من مثل التشذيب الذي إذا ما تم بطريقة صحيحة لا يمكنه إلا أن يساهم في نمو الشجرة بشكل سليم جدا، والحماية الجماعية المؤقتة أو الظرفية - المسماة أمازيغيا "اكدال" - التي تخضع لأعراف متوارثة بدءا من الجني والقطع ووقت الرعي.

 

 

صورة للسدود الوقائية ( المديرية الإقليمية للمياه والغابات ومحاربة التصحر بسيدي إفني)

الوعي جوهر الحل

أضحت هذه الشجرة النادرة مهددة بالانقراض ورغم مختلف الحلول الممنهجة إلا أن الوعي والتحسيس يعتبر أنجعها، وهنا يتجلى دور السلطات المعنية وجمعيات المجتمع المدني في القيام بالندوات واللقاءات والعروض التحسيسية واستهداف الساكنة والتلاميذ وغيرهم لتوعيتهم بأهمية الحفاظ على هذا الإرث الإنساني وهذه الثروة العالمية، هذا الوعي يجب أن يتجسد في سلوكات معقلنة لتساهم في صيانة الأركان وعدم حرمان الأجيال القادمة من حقوق الانتفاع به.

 

"الأركان الفلاحي" توجه ونموذج جديد

وتماشيا مع ماسبق، أعطت الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (أندزوا) الانطلاقة لتنفيذ برامج ايكولوجية وفلاحية  تهدف إلى غرس الأركان الفلاحي بالمناطق الهشة وتنميته كنموذج اقتصادي متأقلم مع التغيرات المناخية، بتمويل مشترك بين الحكومة المغربية والصندوق الأخضر للمناخ، وذلك قصد تحسين إنتاجية شجر الأركان وظروف عيش الساكنة المحلية، وكذا دعم البحث العلمي المتعلق بالأركان ومجاله الحيوي، فهل ستنجح إعادة تشجير الأركان وتحويله من الطابع الغابوي إلى الطابع الفلاحي؟ وهل ستساعد هذه التوجهات والتجارب الجديدة في الحد من انقراض هذه الجوهرة النادرة؟

 

من إنجاز التلاميذ:  - روعة بوعشرا - مريم ادلحسن - أيوب أعراب

ومن تأطير الأستاذ محمد غانم. (الثانوية الإعدادية 30 يونيو)