فاطمة رومات: مستقبل حقوق الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي (1)

فاطمة رومات: مستقبل حقوق الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي (1) فاطمة رومات

لا شك في أن الذكاء الاصطناعي يذهلنا كل يوم بطرحه الحلول لمجموعة من القضايا التي أصبحت عالمية في عصر العولمة والعولمة التكنولوجية. وقد أثار مفهوم الذكاء الاصطناعي جدلا واسعا، واختلف الخبراء في تعريفه بين من اعتبره فرعا من فروع علوم الحاسوب، أي ذلك الحقل المعرفي الذي يهتم بتطوير الحواسيب لتصبح قادرة على القيام بعمليات شبيهة بتلك التي يقوم بها البشر والمقصود هنا التعلم والتفكير بعقلانية وباستخدام المنطق، بل أيضا القدرة على تصحيح الأخطاء في حالة وقوعها. وهناك من يعرف الذكاء الاصطناعي بالتطور التكنولوجي الذي يجعل للآلة قدرات مثل ذكاء البشر، أي القدرة على التعلم والتفكير والتكيف والتصحيح الذاتي، إلخ.. وهناك من يعتبره توسيعا لنطاق الذكاء البشري من خلال استخدام الحواسيب وذلك بتطوير تقنيات البرمجة أكثر فعالية، كما جرى في الماضي عندما تم تعويض المجهود البدني بالآلة الميكانيكية. لكن تعريف المفهوم تطور بنفس الوتيرة التي عرفها التطور التكنولوجي لتكون نقطة الالتقاء بين كل التعاريف الحديثة هي محاولة "تقليد السلوك البشري الذكي".

وعلى العموم يمكن الوقوف عند أربعة أنواع من الأنظمة الذكية وهي: الأنظمة التي تفكر مثل البشر؛  الأنظمة التي تتصرف مثل البشر؛ الأنظمة التي تفكر بعقلانية؛ الأنظمة التي تعمل بعقلانية.

فكما أن الهدف الأساسي للذكاء الاصطناعي هو تسهيل تمكين الأفراد من حقوقهم، فإنه بالمقابل يؤثر سلبا على هذه الحقوق. الأكيد أن هذا التطور يلحق تغييرا كبيرا بحقوق الإنسان يجعلنا نطرح الجواب على ملحاح، السؤال: ما هو مستقبل حقوق الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي؟

في الواقع هذه الورقة هي بمثابة نداء للتفكير في وضع استراتيجيات مستقبلية استشرافية كفيلة بضمان حقوق الانسان في عصر الذكاء الاصطناعي.    

رغم أن العولمة التكنولوجية سهلت إلى حد كبير ثورة حقوق الإنسان وفتحت فضاء جديدا لممارسة الحريات. فإنها بالموازاة مع ذلك تطرح مجموعة من التحديات بالنظر إلى مخاطر الاستعمال الواسع لهذا الفضاء واستثماره من طرف البعض في أشياء سلبية أدت لظهور مجموعة من القضايا الدولية التي يجب أن يجد لها المجتمع الدولي حلولا، مثل الأمن الالكتروني والجريمة الالكترونية، بل إن الإنترنيت أصبح يستعمل ضد الأمن القومي للدول وضد سيادتها، وكلها تمس في العمق حقوق الإنسان.

إن الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي جاء بهدف ضمان مستقبل تطرح فيه حلول بديلة للقضايا العالمية، بدءا بالأمن الغذائي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية وتطوير الخدمات الصحية. لكن بقدر أهمية  الآثار الايجابية للذكاء الاصطناعي على الحقوق الأساسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأفراد، بقدر ما نلاحظ أنها تعمل على تعزيز دور الشركات المتعددة الجنسيات مقابل تراجع دور الحكومات. والشركات هدفها ربحي محض، في حين أن ضمان الحقوق هو مسؤولية الدول. وهنا يطرح تحد أساسي وهو ضرورة تحقيق التوازن بين حماية حقوق الإنسان وتحقيق التنمية الاقتصادية. لكن الأمر سيكون أكثر صعوبة و تعقيدا في عصر الذكاء الاصطناعي لأن الأفراد سيكونون أمام خيارات تحددها الشركات لا الدول الملتزمة تجاه الأفراد بمقتضى العقد الاجتماعي. في عصر الذكاء الاصطناعي ستكون الكلمة الفصل في تحديد مسار الانسانية ومآل حقوق الإنسان إلى من يمتلك السيادة التكنولوجية. وهذا ما يبرر السباق نحو الذكاء الاصطناعي في الحرب الباردة الحالية بين القوى الاقتصادية والتكنولوجية، وعلى وجه التحديد الصين والولايات المتحدة الأمريكية اللتان تتنافسان من أجل امتلاك السيادة التكنولوجية البوابة الوحيدة للحفاظ على مركز الصدارة عالميا سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي.

في ظل هذا السباق يبقى مستقبل الإنسانية حافلا بالتغييرات، لاسيما مع بروز روبوتات قادرة على تطوير نفسها بنفسها، وبقدر يفوق بكثير خبرة البشر أو المهندسين الذين صنعوا هذا النوع من الروبوتات في البداية. وهذا الأمر في حذ ذاته يشكل تهديدا لأحد أهم الحقوق، ألا وهو الحق في الحياة، لاسيما إذا ما استخدمت هذه الروبوتات من طرف الجماعات الإرهابية.

وقد أشار الأمين العام للأمم المتحدة في خطابه الذي ألقاه في الجلسة الافتتاحية للدورة الثالثة والسبعين للجمعية العامة، التي انعقدت في 24 من شهر سبتمبر 2018، للمخاطر التي قد تنجم عن هذا المستوى من التطور التكنولوجي، حيث دعا الدول إلى التفكير في كيفية الاستفادة من التطور التكنولوجي وبالموازاة التقليل من مخاطره واعتبره بمثابة تهديد جديد للسلم والأمن الدوليين.

وحسب تقرير هيئة الأمم المتحدة حول شبكة الإنترنت الصادر في3 يونيو2011: "وبالنظر إلى أن الإنترنت أصبحت أداة لا غنى عنها لتحقيق عدد من مبادئ حقوق الإنسان، ومكافحة عدم المساواة، وتسريع التنمية والتقدم الإنساني، ينبغي ضمان حصول الجميع على خدمة شبكة الإنترنت وأن يكون من أولويات جميع الدول".

إن أجهزة الذكاء الاصطناعي كلها توظف في التدخل في الشؤون الداخلية  للدول الآن، حيث لم تعد الحروب حروبا تقليدية، بل أصبحت حروبا الكترونية أو سيبريانية. هناك أيضا تأثير الذكاء الاصطناعي على الحرية كحق من الحقوق الأساسية. فرغم أن الانترنيت والهواتف الذكية سهلت إلى حد كبير ممارسة الأفراد لحرية التعبير، فإنها بالمقابل تساهم في تقييد هذه الحرية، وذلك لأن نفس الوسائل والتقنيات التي تشجع حرية التعبير تسهل مراقبة هذه الحرية أحيانا كثيرة بدوافع أمنية. من يستطيع الآن أن يتحدث عن سرية المراسلات حيث يمكن لأي كان الاطلاع على الإيميلات والرسائل النصية؟ من يستطيع أن يضمن حماية البيانات الشخصية عندما يتنازل الأفراد عنها بمحض إرادتهم لشركات لا نعلم كيف ولماذا  تستثمر هذه البيانات؟ إذن هامش الحرية الدي تمنحه آلات الذكاء الاصطناعي له ثمن، ألا وهو الحق في الخصوصية.

الحق في الخصوصية: تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على كمية هائلة من البيانات بما في ذلك البيانات الشخصية، والتي قد تحتوي على معلومات حساسة مثل العلاقات الأسرية والآراء الدينية والجمعيات السياسية والظروف الصحية للأفراد. خلال عملية التجميع نادراً ما يُطلب من الناس تأكيد موافقتهم على مشاركة هذه البيانات وغالباً ما يفتقرون إلى القدرة التقنية على التحكم في كيفية استخدام هذه البيانات.

أيضا، وحسب تحقيق أجرته هيئة الأمم المتحدة في مارس 2018 حول تصاعد العنف في مينامار، فإن بعض البرامج الذكية والتي تشجع وتسهل حرية التعبير، ساهمت في تصاعد خطاب الكراهية الذي يعتبر السبب الرئيسي في حالة العنف التي تعرفها مينامار. وحسب نفس التقرير فإن الفيسبوك ونظامه الذكي أدى إلى تفاقم خطاب الكراهية والتحريض على العنف في هذا البلد.

ماذا عن الحق في التعليم؟ نعم الانترنيت والذكاء الاصطناعي يسهل الوصول الى هذا الحق؟ وهذا بالضبط ما أرادت الولايات المتحدة الأمريكية في التسعينات من القرن الماضي تحقيقه عند ادراج اتفاقية تحرير الخدمات ضمن الاتفاقات المشمولة للمنظمة العالمية للتجارة، حيث اعتبرت هذه الأخيرة التعليم الإلكتروني خدمة تباع وتشترى باعتبار مستقبل التعليم عن بعد بواسطة الانترنيت، والذي كانت الولايات المتحدة آنذاك قادرة على ضمانه كحق للأفراد؛ كيف لا وهي من يحكم الانترنيت وهي المتربعة على عرش السيادة التكنولوجية دوليا؟

في هذا الإطار تم إلقاء أول درس من طرف روبو في شهر أكتوبر 2018 في إحدى المدارس العسكرية وكان درسا للفلسفة تفاعل فيه الربو بمهارة مع تساؤلات الطلبة.

- فاطمة رومات، أستاذة بكلية الحقوق أكدال، رئيسة المعهد الدولي للبحث العلمي