رشيد الصديق: العدالة الضريبية شرط أساسي للنهوض باقتصاد المغرب والتصدي للتنافسية العالمية

رشيد الصديق: العدالة الضريبية شرط أساسي للنهوض باقتصاد المغرب والتصدي للتنافسية العالمية رشيد الصديق
يحلل رشيد الصديق، خبير محاسب ومؤسس مكتب الصديق للخبرة وشركاؤه، في حوار مع "أنفاس بريس"، الواقع الضريبي مقارنة مع النسيج المقاولاتي الوطني، مبرزا أنه تم التوافق في عدة لقاءات وخصوصا في المناظرات الضريبية على ضرورة العمل على محاربة التملص الضريبي والقطاع غير المهيكل الذي يشكل خطورة على القطاع المهيكل نظرا للتداعيات التي يمكن أن تؤثر سلبا على نتائجه وتنافسيته على الصعيد العالمي وكذا تجاه المقاولات العاملة في السوق الداخلية.
وأشار محاورنا إلى الصعوبات التي تعيق تفعيل القانون 32-10 المتعلق بآجال الأداء الذي حاول وضع حل لهذا النزيف الذي يرهق كاهل المقاولة المغربية.
* أثير في الآونة الأخيرة احتجاج التجار على البرنامج المعلوماتي للفوترة وأصحاب المهن الحرة على المساطر الجديدة لإدارة الضرائب، في حين يطالبون بمحاربة التهرب الضريبي وكبار المتهربين وإرساء العدالة الضريبية. ما هو تقييمك للواقع الضريبي مقارنة مع النسيج المقاولاتي الوطني؟
** للإجابة عن هذا السؤال يجب التذكير بالإصلاح الضريبي الذي عرفه المغرب بداية الثمانينات باعتماد المغرب للقانون الإطار رقم 3.83 بتاريخ 21/4/1984 المتعلق بالإصلاح الضريبي الذي وضع توجهات استراتبجية لهذا الإصلاح، استهدفت الضرائب المباشرة المفروضة على مداخيل الأشخاص الطبيعيين والمعنويين، الضريبة على المنتجات، والضريبة على الخدمات. معالجة الفوارق التي اتسم بها النظام الضريبي آنذاك. وقد نص هذا القانون الإطار على الأهداف التالية:
جميع التدابير الكفيلة بمحاربة أعمال الغش والتملص الضريبي.
ضمان حقوق الملزمين.
بالموارد المالية للجماعات المحلية.
مراعاة متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في إطار العدالة الاجتماعية.
المحافظة على التدابير المتعلقة بتشجيع الاستثمارات.
كما أن قانون المالية 2007، جاء ببعض التعديلات أهمها: إصدار المدونة العامة للضرائب بتجميع جميع الأحكام التشريعية المتعلقة بتأسيس وتحصيل الضرائب، وكذا المساطر الجبائية الخاصة بها.
هذه الإصلاحات جاءت تتوخى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين وتحقيق عدالة جبائية حقيقية في إطار التوجهات التي اختارها المغرب.
كما أن المتتبع لتطور الاقتصاد الوطني يلاحظ تنامي عجز الميزانية العمومية، وكذا تزايد مبلغ الدين العمومي الخارجي بصفة مهولة تصاحبه شحة في الموارد بالنسبة للدولة باعتبار أن الموارد الجبائية تشكل أكثر من 85 في المائة من الموارد العادية للدولة مما يجعل النظام الجبائي في قلب الموازنات الماكرواقتصادية.
ومن الملاحظ أيضا أن النظام الجبائي عانى من نقائص كبيرة وجب إصلاحها، وتتمثل في التملص الضريبي الذي وصفه البعض برياضة وطنية تكرس انعدام عدالة جبائية، خاصة بالنسبة للملزمين الخاضعين لاقتطاع مساهمتهم من المنبع.
من هذا المنظور، وفي إطار تحقيق عدالة جبائية تكرس مبدأ ''لنفس المدخول نفس الضريبة''، وجب تفعيل آليات من أجل توزيع الثقل الضريبي على جميع الملزمين، وكذا تخفيفه بالعمل على إدماج فعلي للخاضعين في محيط الضريبة. الشيء الذي يمكن من تخفيض نسبة الضرائب على الجميع.
على هذا الأساس، تم التوافق في عدة لقاءات وخصوصا في المناظرات الضريبية Les assises fiscales على ضرورة العمل على محاربة التملص الضريبي والقطاع غير المهيكل الذي يشكل خطورة على القطاع المهيكل نظرا للتداعيات التي يمكن أن تؤثر سلبا على نتائجه وتنافسيته على الصعيد العالمي وكذا تجاه المقاولات العاملة في السوق الداخلية.
هنا تكمن صعوبة المعادلة إذ أن الوسائل المعتمدة يجب أن تكون تدريجية وألا تشكل عبئا جديدا على المقاولات الصغرى التي تعاني من شح الموارد المالية ونقص في تأطيرها وكذا صعوبة حصولها على التمويلات البنكية.
هنا وجب التصفيق لمبادرة خلق نظام المقاول الذاتي الذي مكن استدراك ودمج العديد من المقاولات، كما تؤكده الإحصائيات المتعلقة بعدد المنخرطين فيه، نظرا لبساطتة وقلة تكلفة اعتماده على مالية المقاول.
وكما يقول المثل المغربي ''الناس طوب وحجر''، ومن موقفي كتقني في المادة الضريبية لا يمكنني إلا أن أنادي بالعدالة الضريبية كشرط أساسي للنهوض باقتصاد المغرب وتمكينه من التصدي للتنافسية العالمية، وضمان سلمه الاجتماعي.
* هل سيحل اعتماد مشروع الفاتورة الإلكترونية الذي يرتقب إطلاقه في ماي 2019، مشاكل التأخر في الأداء بالنسبة للمقاولات التي أبرمت صفقات مع الدولة، مع العلم أن فرنسا سارت على نهج الفاتورة الإلكترونية تدريجيا انطلاقا من المقاولات العمومية الكبرى إلى المقاولات المتوسطة والصغرى؟
** تعتبر مسألة الديون التجارية من أهم وأخطر المعيقات التي تعاني منها المؤسسات التجارية، إذ أنها تعثر سيرها وتؤدي إلى إفلاسها وتعرضها لخطر التصفية والحجز على أصولها ومعداتها. هذا الأمر الذي يكون أكثر وقعا على المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعاني كذلك من شح في الموارد المالية بفعل صعوبة الحصول على التمويلات من طرف الأبناك.
كما تجدر الإشارة إلى الصعوبات التي تعيق تفعيل القانون 32-10 المتعلق بآجال الأداء الذي حاول وضع حل لهذا النزيف الذي يرهق كاهل المقاولة المغربية، بحيث تشير الإحصائيات إلى أن الديون التجارية بلغت في 2016 مبلغ 387 مليار درهم متجاوزة بذلك القروض البنكية التي بلغت 319 مليار درهم خلال نفس السنة.
إلا أن الممارسة أكدت عدم فعالية هذا القانون نظرا لعدم توافق القوى بين الأطراف وخاصة القطاع العام والمقاولات الكبرى من جهة والمقاولات المتوسطة والصغرى التي تجد نفسها عرضة لآجال أداءات قاهرة تصل حسب الدراسات إلى:
9.9 شهرا بالنسبة للمقاولات الجد صغيرة TPE
5.1 شهرا بالنسبة للمقاولات المتوسطة والصغرى PME
3.4 شهرا بالنسبة للمقاولات الكبرى
وهنا يجب الإشارة إلى أن المقاولة تجد نفسها دون حول ولا قوة خاصة وأن ديونها تجاه الضريبية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على سبيل المثال تخضع في حالة التأخير إلى غرامات مالية مرهقة بينما لا تستفيد من فوائد كلما تعذر على القطاع العام والقطاع الخاص احترام الآجال القانونية للأداء.
* ماهي الرهانات المرتبطة بالمدونة العامة الجديدة للضرائب التي سيعلن عنها في ماي 2019؟
** بخصوص المناظرة الوطنية حول الضرائب المزمع عقدها في شهر ماي 2019، يشكل هذا الموعد فرصة لإعادة النظر في النظام الجبائي المغربي اعتبارا للتغيرات التشريعية التي يعرفها مناخ المقاولات، وكذلك لأخذ بعين الاعتبار لمشاغل المقاولات ومقوماتها في إطار مخطط التنمية للبلاد.
للتذكير فإن المناظرة الثانية التي عقدت في أبريل 2013 كان شعارها "أية جبايات من أجل دعم التنافسية الاقتصادية؟" تبلورت على التوافق عن العديد من التوصيات التي يجب التأكد من تفعيلها وكذا مدى مسايرتها للتطورات السريعة التي يعرفها مناخ المقاولة.
وحسب المعطيات المتوفرة حاليا، فإن المناظرة ستقيم حصيلة المناظرتين السابقتين، وخاصة تلك المنعقدة في 2013 مع العمل على تفعيل التوصيات في إطار قانون المالية لسنة 2020، باعتبار أن الهدف من عقد هاته المناظرة هو إصلاح المنظومة الجبائية وتكريس الضمانات الممنوحة للملزمين، كما أن المناظرة ستعمل حسب التصريحات الأولية على إرساء الحياد بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة. مع العلم أن الحكومة تعمل حاليا على بلورة قانون إطار لإصلاح ضريبي جديد يمكن من إرساء تصور جديد، وأكثر وضوح من أجل تفعيل الأهداف المنوطة بالمنظومة الجبائية التي يطغى عليها في الآونة الأخيرة هدف العدالة الجبائية.