القاضي وردي يعلق على قرار حق الدفاع في الترافع بعد انسحاب معتقلي احداث الحسيمة

القاضي وردي يعلق على قرار حق الدفاع في الترافع بعد انسحاب معتقلي احداث الحسيمة حكيم وردي
أصدرت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، التي تنظر في ملف معتقلي أحداث الحسيمة، قرارا قضى بأحقية دفاع المتهمين المعتقلين الذين رفضوا الحضور أمامها، في المرافعة وتقديم الطلبات الأولية والدفوعات الشكلية لفائدتهم في غيابهم، وهو الملف الذي حددت له جلسة الجمعة 8 فبراير2018..
وضمن سلسلة "وحي القلم"، التي يخص بها حكيم وردي الباحت القانوني، جريدة "
أنفاس بريس"، يحلل هذا القرار تحت عنوان "مؤازرة الغائب":
لأسرة العدالة ( قضاة ومحامون) وللفقه الجنائي المغربي أن يفخر بالقرار الصادر عن غرفة الجنايات الاستئنافية بالدارالبيضاء يوم الجمعة فاتح فبراير 2019 في الملف الجنائي الاستئنافي عدد 1897/2612/2019 وهي تبت طبقا للمادة 426 ق م ج في النزاع العارض المثار خلال الجلسة حول مدى أحقية الدفاع في المرافعة عن متهمين اختاروا الغياب رغم إعمال مقتضيات المادة 423 ق م ج في حقهم.
وأهمية القرار أنه فسر مؤازرة المحامي أمام غرفة الجنايات تفسيرا حقوقيا واسعا بأن منح الدفاع الحق في بسط طلباته الأولية ودفوعاته الشكلية في غيبة مؤازريه، علما أن الأصل في المادة الجنائية أن تكون حضورية وشفوية بما تعنيه من ضرورة تواجد المتهم في قاعة المحكمة ليتأتى له الاستفادة من مؤازرة دفاعه، أما عند تغيبه وإعمال المسطرة الغيابية في حقه فإنه يعتبر عاص للقانون ويوقف عن مزاولة حقوقه المدنية وتعقل أملاكه ويمنع من رفع أية دعوى قضائية ( المادة 443 ق م ج ) وتباشر محاكمته بدون حضور أي محام ( المادة 446 فق 1 ق م ج ).
لقد كان بإمكان غرفة الجنايات الاستئنافية أن ترفض منح الكلمة للدفاع في غيبة المتهم بالقياس الجائز في المسطرة الجنائية على المادة 446 ق م ج، أو باقتفاء أثر العمل القضائي في مجموع محاكم المعمور بالتفسير الحرفي والضيق لمفهوم المؤازرة المنصوص عليه في المادة 316 ق م ج وتمييزه عن النيابة في المادة المدنية، أو بالأسانيد التي قالت بها محكمة النقض الفرنسية في العديد من قراراتها ( قبل تدخل المحكمة الأوربية لحقوق الانسان سنة 2001) من أنه ليس للمتهم المتغيب الحق في المؤازرة بدفاع :
‏Crim. 29 oct. 1970:  Bull. crim. no 284،  
‏Crim. 5 mai 1970 : Bull. crim. no 153.
‏Crim. 13 mars 2000: Bull. crim. no 121
اعتبارا لما يشكله غيابه من عرقلة في وجه العدالة الجنائية التي لا يمكنها أن تتساهل وتشجع العصاة على التخلف عن الحضور وتمتعهم مع ذلك من المؤازرة بمحام لن تسعف مرافعته في تمكين الهيئة الحاكمة والطرف المدني من مناقشة رواية المتهم للوقائع مثل ما ستحرمه من المشاركة الإيجابية المفيدة عند تفريد العقاب أمام الغياب.
لقد احتاج المحامون في فرنسا وهولندا وبلجيكا وإيطاليا واليونان إلى تدخل من المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لفرض تمكينهم من تناول الكلمة في غيبة مؤازريهم:
‏Arrêt Pelladoah c. Pays-Bas du 22 septembre 1994, série A n° 297-B/
‏Arrêt Poitrimol c. France du 23 novembre 1993, série A n° 277-A, p. 15
‏Arrêt Van Geyseghem c. Belgique [ GC], n° 26103/95/
‏Arrêt Philis c. Grèce (n° 2) du 27 juin 1997, Recueil 1997-IV, p. 1083
‏Arrêt Krombach v France du 13.02.2001.   ،
وظلت قوانين المسطرة الجنائية للعديد من الدول الأوروبية التي تعد مضرب المثل في الديمقراطية (بريطانيا مثلا) لا تستوعب كيف يمكن للمحامي في قضية جنائية أن ينوب عن المتهم الغائب الذي لا يمكنه أن يستفيد من أية مؤازرة بعدما اختار العصيان والامتناع عن الحضور، حتى ولو كان الدفاع سيثير دفوعا جوهرية من النظام العام ( كالتقادم وسبقية البت مثلا ).
وإذا كان الفراغ والغموض سمة القانون 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية المغربي في تناوله للقضية، إلا أن العديد من مقتضياته تسمح للدفاع بالمرافعة في غيبة مؤازره،  كتقديم طلب السراح المؤقت ( المادة 180 ) أو طلب إقرار بطلان الاستدعاء (المادة 310 ) أو طرح أسئلة على الخبير عند الاستماع إليه كشاهد (المادة 345 ) أو الاستمرار في المؤازرة عند طرد المتهم من طرف المحكمة للضوضاء ( المادة 358 ) أو تبرير أسباب غياب المتهم (المادة 446 فق 2) أو التقدم بملاحظات شفوية أمام الغرفة الجنائية بمحكمة النقض ( المادة 543 ) مع الإشارة إلى ذلك في صلب القرار ( المادة 548 )، وإبداء وجهة النظر في النزاعات العارضة المتعلقة بتنفيذ الأحكام أمام غرفة المشورة ( المادة 600 )، وتدعيم طلبات رد الاعتبار المرفوعة أمام الغرفة الجنحية ( المادة 700) و المرافعة في السراح المؤقت أمام الغرفة الجنائية بمحكمة النقض بمناسبة مسطرة التسليم ( المادة 734 )، فضلا عن كون المتهمين باعتبارهم مستأنفا عليهم في الدعوى المدنية التابعة يحق للدفاع تمثيلهم والنيابة عنهم حتى في غيبتهم طبقا لقواعد المسطرة المدنية المحال عليها في المادة 752 من قانون المسطرة الجنائية.
لقد سبق لمحكمة النقض المغربية التي أناطت بها المادة 518 ق م ج وظيفة توحيد الاجتهاد القضائي أن أبطلت قرارا لغرفة الجنايات الاستئنافية بعلة خرقه لحقوق الدفاع الذي حرم من الكلمة نتيجة لغياب مؤازره (القرار عدد 402/9 المؤرخ في 18/04/2013 في الملف عدد 8022/9/2012 ) كما اعتبرت في قرار آخر (غير منشور) أنه لا يترتب  أثر البطلان عن تمكين الدفاع من المرافعة أمام الغرفة الجنحية في غيبة المتهم رغم عدم استئنافه. وفي نفس المنحى اتجهت غرفة الجنايات الاستئنافية بالرباط بمناسبة نظرها في قضية "أكديم إيزيك" عندما عينت للمتهمين المنسحبين ودفاعهم، محامين في إطار المساعدة القضائية ومنحتهم الكلمة للمرافعة في الموضوع.
غير أن الإضافة النوعية التي تفرد بها قرار غرفة الجنايات الاستئنافية بالدارالبيضاء في غمرة هذه  التأويلات الحقوقية للقاعدة القانونية الغامضة، أنها كرست الحق في الدفاع رغم الانسحاب وحتى ولو لم يتم استنطاق المتهمين عن المنسوب إليهم عقب رفضهم الحضور وإقرار مواصلة المناقشات في غيبتهم بعد استنفاذ إجراءات المادة 423 ق م ج.
وإذا كان التفسير القضائي للقاعدة القانونية المتسمة بالغموض أو القصور هو من صميم وظيفة القضاء، فإن مبدأ فصل السلط باعتباره قوام دولة الحق بضمان سيادة القانون يقتضي أن يتدخل المشرع لسد ما يعتري التشريع من نقصان حتى يرفع عن المشتغلين بالقانون مشقة التيه في دروب التأويلات وتناقض التعليلات. رغم التفسيرات المشبعة بثقافة احترام حقوق الدفاع بدون سقف التي ما فتئ يكرسها قضاؤنا الوطني في العديد من القرارات.