سعيد الكحل: استراتيجية الإخوان لتطويق النظام

سعيد الكحل: استراتيجية الإخوان لتطويق النظام سعيد الكحل

لم تعد استراتيجية تطويق النظام التي ينهجها الإسلاميون عموما، والبيجيديون وحركتهم على وجه الخصوص، خافية على كل متتبع للشأن السياسي المغربي. فمنذ أن تجرأ رئيس حركة التوحيد والإصلاح حينها أحمد الريسوني، في ماي 2003، على استهداف شرعية الملك وأحقيته في تولي إمارة المؤمنين، أدرك البيجيديون أن الاستهداف المباشر لشرعية النظام الدينية والسياسية، خصوصا بعد ردة فعل القوية التي أثارتها تصريحات الريسوني داخل أجهزة الدولة وفي صفوف الأحزاب السياسية، لن يخدم أهدافهم البعيدة وقد يعرضهم لقرار الحل في أية لحظة. لهذا غيروا التكتيك وحافظوا على الاستراتيجية بكل أهدافها؛ إذ ركزوا على الأمور التالية التي تشكل القاعدة الصلبة للنظام :

 

1ــ التصدي للمشروع الحداثي الديمقراطي

لقد تابع المغاربة عامة الحملة الشرسة التي شنها البيجيديون وحركتهم ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، الذي يؤسس للمجتمع الحداثي ويضمن الحقوق لنسائه كافة ويرفع عنهن الحيف الاجتماعي والظلم القانوني والقهر التاريخي. فلا حداثة بدون الارتقاء بأوضاع النساء وضمان مساواتهن في كل المجالات. وما دام البيجيديون يدركون أن تحرير المرأة وتمتيعها بحقوق المواطنة كاملة يشكلان المدخل الأساس لأي حداثة سياسية واجتماعية، فإنهم تصدوا بكل قوتهم العددية وفتاواهم الفقهية لمشروع الخطة. كانت الغاية إذن إفشال المشروع المجتمعي الحداثي الذي توافق بشأنه الملك والقوى السياسية والمجتمعية الحية والفاعلة.

 

2ــ التصدي لجهود الدولة في محاربة التطرف والإرهاب

كانت أولى مواجهة البيجيديين للدولة حين انخرط المغرب في الحرب ضد الإرهاب والتحاقه بالجبهة التي شكلتها الولايات المتحدة الأمريكية. تلاها موقفهم المناهض لقانون الإرهاب الذي صادق عليه البرلمان. بعد فشلهما في الضغط على الدولة للخروج من التحالف الدولي إياه والتراجع عن قانون الإرهاب، وجه البيجيديون سهامهم ضد الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة بمحاربة الإرهاب. إذ كلما أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيك خلية إرهابية، إلا وسارعت أبواق البيجيدي وحركته إلى اتهام الدولة بفبركة الملفات. بل إن قيادة البيجيدي اتهمت الدولة نفسها بتدبير تفجيرات الدار البيضاء والتستر على المخططين الحقيقين لها. وكم دافع البيجيديون عن أمراء الدم وشيوخ القتل وفقهاء الكراهية إثر اعتقالهم، لدرجة أنهم أسسوا هيئة حقوقية مختصة بالدفاع عن المتورطين في القضايا الإرهابية. كانت الغاية من كل هذا هي ممارسة كل أشكال الضغط والتشويش على الدولة وأجهزتها الأمنية حتى تكفّ عن مطاردة الإرهابيين وتفكيك خلاياهم وإحباط مخططاتهم التخريبية. ولا شك أن الضغط على الدولة والتشويش على الأجهزة الأمنية يسمح للإرهابيين بتشكيل الخلايا واستقطاب مزيد من المتطرفين وتوسيع نفوذهم ليشمل جميع التراب الوطني قبل الانتقال إلى تنفيذ العمليات الإرهابية، بهدف زعزعة استقرار الوطن والعمل على إضعاف الدولة. وفي هذا ضرب لصلاحية الملك الدستورية المتمثلة في حماية الدين والوطن.

 

3ــ عرقلة تجديد الخطاب الديني

حين أدركت الدولة أن الإرهاب هو عقائد قبل أن يكون قنابل وأحزمة ناسفة، قررت الانخراط في برامج إعلامية، دينية، تعليمية وثقافية، تروم تجديد الخطاب الديني وجعله منفتحا على قيم العصر وثقافة حقوق الإنسان وحذف كل ما يحرض على الكراهية والتكفير. وما دامت استراتيجية الدولة لا تخدم أهداف البيجيديين المناهضين للحداثة، فقد عملوا على عرقلة جهودها  بشتى الوسائل، أهمها :

أ ــ تجنيد خطباء المساجد (بالمناسبة غالبيتهم ينتمون أو متعاطفون مع البيجيدي وحركته الدعوية) للتصدي لهذه الاستراتيجية مثلما سبق وجندهم البيجيدي ضد مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ومطالب نسائية أخرى (الإجهاض الطبي، المساواة في الإرث..)

ب ــ استدعاء شيوخ ودعاة معروفين بتطرفهم ومناهضتهم لقيم حقوق الإنسان ومعاداتهم للنساء. والغاية هي تطويق جهود تحديث بنيات المجتمع، خصوصا وأن الدين يلعب دورا مهما في حياة الأفراد. ففي عز المعركة من أجل خطة إدماج المرأة في التنمية، استدعى البيجيديون/ الحركيون شيخهم القرضاوي ليفتي بمصادمة بنود الخطة للشريعة الإسلامية. وكلما تعالت أصوات الحركة النسائية من أجل المساواة والمناصفة ورفع كل أشكال التمييز والعنف ضد النساء، إلا وسارعت أذرع البيجيدي إلى استقدام دعاة آخرين للاستقواء بهم بهدف الضغط على الدولة حتى لا تستجيب للمطالب النسائية أو تفعّل التزاماتها الدولية وما صادقت عليه من مواثيق واتفاقيات.

 

4ــ العمل على إفشال خطة تغيير البرامج التعليمية عموما، ومقررات التربية الإسلامية على وجه الخصوص

بمجرد أن أعلنت الدولة ضرورة مراجعة البرامج التعليمية في مادة التربية الإسلامية حتى تعالت الاتهامات للدولة بالانخراط في الحرب على الإسلام والاستجابة للضغوط الأمريكية. كما ركزت خطة البيجيدي على تحريك عناصره داخل اللجان المكلفة بالمراجعة بهدف أن يبقى التغير شكليا ولا يمس الجوهر. وكذلك كان، حتى أن الملك، في كل مرة يعطي تعليماته بتغيير مضمون البرامج الدينية في المناهج التعليمية إلا ويتم التحايل عليها بحيث لا يشمل التغيير سوى الأغلفة والعناوين بينما تبقى المضامين على حالها. وخير مثال على هذا التحايل لتعطيل أهداف التغيير ما تضمنه مقرر التربية الإسلامية للسنة أولى باك من تفكير للفلسفة والفلاسفة واتهامهم بالزندقة والفسوق. أما على مستوى الإعلام العمومي فالأمر أخطر إذ تحولت المحطات الإذاعية والتلفزية الدينية مثل إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، منابر لبث الخطاب الديني الإخواني والداعشي في نفس الوقت.

 

5ــ العمل على تعطيل الدستور وتفريغ بنوده من مضامينها بتشكيل مؤسسات صورية أو تأخير إخراج القوانين التنظيمية

يمكن الإشارة هنا إلى هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز التي تم تشكيلها وإفراغها من صلاحياتها المنصوص عليها في الفصلين 19 و164 من الدستور. وقد أعدت مشروع القانون المؤسس لهذه الهيئة الدستورية بسيمة الحقاوي الوزيرة عن البيجيدي. وكذلك الشأن فيما يتعلق بقانون التحرش الذي لم تأخذ فيه السيدة الوزيرة البيجيدية بعين الاعتبار اقتراحات ومطالب الجمعيات النسائية .

 

6ــ اعتماد سياسة تفقير غالبية الشعب وضرب قدرتها الشرائية بسلسلة من القرارات والإجراءات

والغاية منها إحداث قطيعة بين الشعب وبين النظام؛ بل جعل النظام المسئول المباشر عن وضعية التفقير والتهميش. فحتى عندما تدخل الملك وطالب من رئيس الحكومة بإعداد برنامج لتشغيل الشباب في ظرف 3 أشهر، عجز هذا الأخير. بينما البرامج التي تستهدف ضرب القدرة الشرائية المواطنين، فإن الحزب يعدها في أسابيع قليلة. وعبارة بنكيران، رئيس الحكومة المقال، "أنا خدام عند الملك" يريد بها جعل الملك المسئول عن تلك القرارات التفقيرية التي أثارت غضب المواطنين.

 

7ــ إغراق المغرب بالديون الخارجية ورهن قراره السيادي بيد الدوائر المالية الدولية

تلك هي إحدى الخطط الجهنمية للبيجيدي لتفجير الوضع الداخلي ودفع المواطنين إلى تنظيم الاحتجاجات التي لا يستطيع أحد التنبؤ  بمآلاتها. فبسبب ارتفاع المديونية إلى مستويات قياسية (92% من الناتج الداخلي الخام) سيكون على الدولة رصد مواردها لتسديد الديون بدل الاستثمار؛ الأمر الذي سيزيد من حدة التوترات الاجتماعية.

 

إذن، الدعوة الحالية الموجهة لطارق سويدان تدخل ضمن استراتيجية البيجيدي، وحلقة من حلقاتها الهادفة إلى تطويق النظام وضرب شرعيته، خصوصا وأن سويدان معروف بتهجمه المباشر على الملك ونعته بنعوت خسيسة.