فريد الحمديوي: رحلة في زنازن معتقلي الريف بعكاشة (1)

فريد الحمديوي: رحلة في زنازن معتقلي الريف بعكاشة (1) فريد الحمديوي رفقة المعتقل يوسف الحمديوي (صورة من الأرشيف)

يوثق الناشط الحقوقي، فريد الحمدوي، زيارته رفقة عائلات معتقلي الريف، لسجن عكاشة أثناء تفقده معتقلي حراك الريف، بكل التفاصيل والجزئيات، تنشرها جريدة "أنفاس بريس" الإلكترونية في حلقات. وفي ما يلي ننشر الحلقة الأولى:

 

"كانت زيارتي لمعتقلي الحراك السلمي خلال الأربعاء الماضي (23 يناير 2019) بطعم خاص، لأنها تزامنت مع العطلة المدرسية، وكانت فرصة أيضا للمعتقلين بأن يروا أبناءهم ويرى الأبناء آباءهم المغيبين عنهم قهرا وظلما.. قطعنا المسافة ليلا في اتجاه البيضاء وسط جو بارد وماطر في نفس الوقت، رغم أن الحسيمة لم تذق طعم المطر خلال مدة الرحلة، وكان نصيبها الرياح القوية والبرد القارس..

 

كان موعد الوصول حوالي السابعة والنصف صباحا، اتجهنا صوب مقهى لتناول وجبة الفطور، كان الكل مرهقا، خصوصا النساء من أمهات، زوجات وأخوات المعتقلين، الأطفال الصغار يضفون على الرحلة جوا عائليا، بصراخهم أو صرخاتهم في كل وقت وبلا قيود أو تحفظات، لهم بطاقة بيضاء ليقوموا بكل شيء، ولا أحد يحتج أو ينفر منهم، كما لهم نصيب من الطرائف خلال  الرحلة أو داخل السجن.

 

حين التقيت رشيدة القدوري، زوجة الحكيم محمد المجاوي، بعد انتهاء عملية التفتيش قبل الدخول إلى قاعة الزيارة، داخل قاعة الزوار في قبو تحت أرضي، اتجهت طفلتاها نحوي لتعانقاني، فتحت ذراعي بحجم السماء لأعانقهما، أحسست أني أعانق طفلتي نوميديا بعد طول غياب، وضعت قبلات على خديهما، كانتا تبتسمان بحياء، سألت لويزا: هل أنت مستعدة لزيارة والدك؟ أجابت: نعم؟ سألتها: هل اشتقت إليه؟ ردت بحماس: نعم اشتقت إليه كثيرا، وأنتظر بفارغ الصبر متى أراه لكي اريه نتيجة الدورة الأولىقلت لها: هل يمكن لي أن أراها قبل والدك؟ ردت بكل عفوية: نعم. ثم التفتت نحو امها تطالبها بمطبوع نتيجتها المدرسية، فقد كانت هي بدورها تتابع الحوار الذي يجري بيننا، أما دينا فكانت صامتة تنتظر دورها، مدت لي لويزا النتيجة، تأملت معدلاتها، فرحت كثيرا لفتاة تعاني ألم الفراق والبعد عن أبيها الذي اغتصب في حق تواجده قرب طفلتيه، وتتبع مسار دراستهما والوقوف بجانبهما، وكيف أنها تحصل على نتائج لا يحصل عليها الكثير من الأطفال الذين لا يمرون بما تمر به، ولأعبر لها عن فخري وفرحي بمعدلاتها الحسنة.. قلت لها بفرحة أبوية وبعفوية صادقة، بعد أن رفعت كفي اليمنى في السماء: هيا اضربي كفك بكفي وعانقيني بقوة أيتها المجتهدة.. فعلت ذلك وتعانقنا.. دينا فعلت نفس الشيء، فرغم أنها لا زالت لم تبلغ بعد سن التمدرس، فقد أعدت لها والدتها مطبوعا خاصا ليراه والدها أيضا، حتى تحس بنفس الفرحة ولا تحس أيضا بأي مركب نقص.. تأملت زوجة المجاوي، فأحسست بفخر أن أشارك ألم ومعاناة اعتقال الأبرياء، مع امرأة حكمت عليها الظروف أن تكون أبا وأما في نفس الوقت، وأن تقاسي كل أسبوع تعب الرحلة ذهابا وإيابا من الحسيمة إلى الدار البيضاء.. وأن تظل واقفة تعيش على أمل أن يعانق زوجها الحرية لترتاح من هذا العبء الثقيل.

 

كان في غرفة الانتظار تلك، شاشة تلفاز، يعرض عليها الممنوعات الغير مسموح بإدخالها إلى السجن، وكذا بعض محاولات إدخالها من طرف زوار السجن، لم أعر للفيديو أي اهتمام، كما فعل نفس الشيء باقي أفراد العائلات، الذين خاصوا في نقاشات تهم شؤونهم، وفي الكثير من الأحيان كان عبارة عن مواساة.. كان يسود الغرفة هدوء نسبي، حتى سمعت صراخا من أم صلاح لخشم، التي احتجت لحارس كان يرافقها، احتجت له عن طريقة التفتيش التي تعامل بها من طرف بعض المكلفات بالعملية، وكان موظف السجن يشرح لها، ويهدئ من روعها، وقبّل رأسها حتى تهدأ، وكان للقبلة على الرأس مفعول سحري.. صمتت وجرّت طفلتها الصغيرة وانضمت إلينا داخل القاعة، التي كانت سابقا متجرا يقتني منه السجناء حاجياتهم.

 

قبل الوصول إلى قاعة الانتظار، مررنا بعملية تفتيش دقيقة، أمرني أحد الموظفين بنزع حذائي، استغربت في البداية وقلت له: هل سندخل إلى قاعة الزيارة حفاة؟

 

ابتسم في وجهي، واشار دون أن ينطق بكلمة، نحو جهاز السكانير، على يساري والذي لم أنتبه إليه، خلعت حذائي، ومددتهما له، وضعهما في علبة بلاستيكية بيضاء؛ قام بالعملية مرتين، وعلى وجه الحذاء وقاعدته.. ثم قال لي: انتعل حذاءك، لا شيء يذكر.. وفي علبة/ غرفة بحجم علبة عود ثقاب صنعت بالألومينوم، كان هناك موظف آخر، يقوم بعملية التفتيش يدويا، يمرر يديه على كل أعضاء الجسم، حتى الحساسة منها، ثم يقوم بتمرير جهاز كشف يمسكه بيده اليمنى على كل جسدك من جديد.. لا شيء يذكر..

 

خرجت، من الباب الآخر للغرفة الصغيرة، كان الجو ماطرا.. أشار إلي أحد الموظفين بأن أتوجه مباشرة إلى قاعة الانتظار، حيث كان ينتظرني إطار حديدي آخر أمر وسطة، وكان عبارة عن كاشف ربما للأدوات الحديدية، وبما أنني وضعت كل شيء في حقيبتي التي تركتها مع سائق الميني باص، فلم أحمل معي سوى بطاقة الهوية التي جردت منها منذ دخولي إلى السجن".

(يتبع)