آيت حمو في قراءة لمشروع تصميم تهيئة جماعة النواصر

آيت حمو في قراءة لمشروع تصميم تهيئة جماعة النواصر من منطقة النواصر وفي الإطار سعيد آيت حمو

انتهازا لفترة البحث العمومي المتعلق بمشروع تصميم تهيئة جماعة النواصر، ومسايرة للنقاش العام الذي أحدثه هذا المشروع بين سكان القطب الحضري للنواصر، وخاصة بين القاطنين منهم بمنطقة السكن الاقتصادي، حثني المشروع ذاته على إبداء ملاحظات تروم بالدرجة الأولى إثراء المناقشة ذات الصلة بتهيئة التراب وتنميته، والممكن إثارتها بصدد التهيئة المقترحة بعيد البحث العمومي.

واللافت للنظر في مشروع تصميم جماعة النواصر كيفية تعامله مع وضعين قائمين في الوقت الراهن:  

- وضع منطقة السكن الاقتصادي المؤلفة للشق الشرقي للقطب الحضري المحدث من طرف الوكالة الحضرية للدار البيضاء بتراب جماعة النواصر لإنعاش السكن المرصود للفئات الوسطى؛

- ووضع حي المطار  ذي الصلة بالقاعدة الجوية الأمريكية القديمة.

ولعل تعامل مصمم التهيئة الحضرية مع الرقعتين الترابيتين المحددتين مصدر المفارقة المزعجة في التصميم المقترح، إذا سلمنا بأن الغرض الجوهري المتوخى من أية تهيئة ترابية يكمن دوما في محاولة تذليل الإكراهات لتغيير وضع ما بما هو أحسن منه.

يبدو من كيفية تعامل مشروع تصميم جماعة النواصر مع منطقة السكن الاقتصادي الحديثة العهد وحي المطار العتيق أن مصمم المشروع خالف الغرض الجوهري المرجو من التهيئة الحضرية، بالنظر إلى الوضع القائم في كل منهما.

1- منطقة السكن الاقتصادي بالقطب الحضري: تهيئة عمرانية استقبالية يهتدى بها

تتميز منطقة السكن الاقتصادي بالقطب الحضري  بهندستها العامة الجيدة، والقائمة أصلا على الأخذ بطرق واسعة، وتوزيع منسجم لعناصر احتلال الأرض، من رقع مخصصة لبناء المساكن، وفضاءات مفتوحة اتخذت مساحات خضراء، أو باحات وممرات عمومية، أو مواقف (للسيارات).

لقد بذل جهد ملحوظ على مستوى تنظيم هذه العناصر، وأرسيت  المنطقية السكنية برمتها على تهيئة إستقبالية من شأنها أن  تفي لأغراض السكان لأمد معقول.

والجدير بالذكر أن الهندسة العامة لمنطقة السكن الاقتصادي تشكل اليوم موضع استحسان القاطنين بها، على قلة إنجاز مرافق القرب المبرمجة بها، وضعف ولوجيتها من الطريق الوطنية رقم 9.

2- حي المطار العتيق

لحي المطار صلة مباشرة بالقاعدة الجوية القديمة، إذ خصص أصلا لإيواء ضباطها وموظفيها. صمم الحي على شكل بيوتات أرضية متواضعة المساحة والبناء ، ومتناثرة عبر لحمة عقارية مؤلفة من بقع ممتدة في العموم.

بعد استرجاع القاعدة الجوية، تولت إدارة الأملاك المخزنية تدبير حي المطار واستغلال مساكنه عن طريق الإيجار إلى أن تم تمليكها لمحتليها في السنوات الأخيرة.   

3-  تعامل مشروع تصميم جماعة النواصر مع منطقة السكن الاقتصادي الحديثة وحي المطار العتيق مخالف لمنطق التهيئة الترابية

عوض أن يستمد مصمم مشروع تهيئة جماعة النواصر روح التهيئة العمرانية الاستقبالية الموظفة في أطراف القطب الحضري، أحكم إغلاق حي المطار وانطواءه على نفسه، بإلغاء ممر مخترق له، و لم يقترح عبره أي منفذ جديد، فظلت كل المحاور الطرقية المهيكلة لمنطقة السكن الاقتصادي (شارع مكة، شارع الوحدة وشارع المقاومة) بدون منافذ مخترقة لحي المطار العتيق، واكتفى الممصم بتحويل اتجاه الشارعين الأخيرين ليؤلفا معا مسلكا تنعدم جدواه من حيث  التمفصل بالشبكة الطرقية.

كما أن المصمم لم يخطط برقعة حي المطار الترابية أي مرفق عمومي، ولو من النوع المقدم لأي من خدمات القرب، لعدم شغورأي شبر من الأرض بالحي بكل بساطة، مما يدل على حرص المصمم التام على صون الوعاء العقاري الممتد داخل أسوار حي المطار العتيق.

لقد كرس مشروع التصميم المقترح لجماعة النواصر التناقض الصارخ القائم بين :

- تهيئة عمرانية إستقبالية مميزة لمنطقة السكن الاقتصادي، وضامنة لتنمية حضرية يمكن استدامها لأمد لا يستهان به،

- وتهيئة مقفلة لحي المطار، وذات نزعة رجعية بحكم حمايتها لبنية عقارية موروثة قد لا تستحق التشبث بها كثيرا لجذورها.

إن البنية العقارية لحي المطار لاتلائم  تهيئة حضرية عصرية، ولو بأسلوب الفيلات المقترح

إن حي المطار العتيق يتأتى بدوره لتهيئة مفتوحة تستلزم من المصمم الحزم والموضوعية، وتأخذ في الحسبان ماهيئ قبلا، وما يهيأ راهنا من حول الحي، وأيضا ما يرتقب من تطور للأوضاع بتراب جماعة النواصر.

4 - التهيئة الحضرية المفتوحة بحي المطار ومستويات التمفصل الطرقي والاندماج الحضري والترابي المنشودة

قد لا يستند إرساء التهيئة الحضرية بحي المطار بالتشبث بإغلاقه إلى تقديرات تنبؤية من شأنها أن تستوعب تطور الأوضاع بتراب جماعة النواصر، و أيضا برقعة جماعة الدروة المتصلة بها، باعتبار معالم الهيكلة العامة لحي مخلوف الحديث، المقابل لحي المطار.   

إن حي المطار القديم يتطلب تهيئة حضرية جادة تأخذ بتذويب أسواره وفتحه من الوسط لإحكام تمفصل الشبكة الطرقية المهيكلة للقطب الحضري مع الطريق الوطنية رقم 9، لما تمكنه عملية توسيع هذا المحور الطرقي، بازدواج الاتجاه عبره، من تمتين ربط تراب جماعة النواصر بالدار البيضاء والمحمدية، و لما تتيحه أيضا من إمكانيات الوصول إلى أطراف التراب الجماعي، وولوجية القطب الحضري من المحور الطرقي الوطني.

وفي سياق هذا التمفصل الطرقي، يكتسي ربط شارعي المقاومة والوحدة بمنطقة السكن الاقتصادي بالطريق الوطنية  رقم 9 أهمية قصوى.   

يتم  ربط شارع المقاومة بالمحور الطرقي الوطني عبر منفذ يربطه بشكل مباشر مع زنقتي آسفي والرباط بحي المطار، مع مراعاة توسيع الزنقتين، ليوثق المنفذ المطلوب الصلة مع حي مخلوف عبر شارع مهيكل ينجز به في الوقت الراهن.

ما يملي ربط شارع الوحدة بالطريق الوطنية رقم 9 أمور آنية وتنبؤية، منها ما يعزز محوريته حاليا كأهم شريان للمواصلات  يخترق القطب الحضري من وسطه. وستوطد برمجة محطة للقطار في الطرف المحدث من هذا الشريان في مشروع التصميم طابعه المحوري. بل إن مركز القطب الحضري كمدينة جديدة سينتظم تدريجيا حول الجزء الأوسط لنفس  الشريان، المحتضن لأهم ملتقى للمحاور الطرقية المهيكلة للمدينة الجديدة.

يمكن أن تستجيب تهيئة حي المطار الحضرية لمستوى التمفصل الطرقي المرغوب، بإعادة هيكلة الوعاء العقاري على امتداد المنفذين المقترحين.

وقد تتأتى هذه الهيكلة بدون صعوبة كبيرة، إذا راعينا الوضعية الأصلية للعقارات، وطبيعة اللحمة المركبة منها، وتواضع البيوتات الأولية المنشأة عليها، بل وضآلة التكلفة التي يمكن أن تترتب عن تعويض المقتنين الجدد لهذه العقارات، في حالة اللجوء إلى نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.

إن تهيئة حي المطار وفق هندسة معمارية مفتوحة تضمن انسجامه مع باقي أطراف القطب الحضري، وتتيح تحقيق مستويات من الاندماج الحضري والترابي، مرجوة عبر آماد محددة.

يتوخى من الأمد القصير توثيق الصلة بين كافة أطراف جماعة النواصر نفسها، وبالأخص بين القطب الحضري وحي المطار، بتمتين الربط بينهما وتيسير ولوجيتهما، وتحقيق تناغم بينهما عبر تهيئة عمرانية مفتوحة.

وللأمدين المتوسط والبعيد ارتباط بما يفرزه اليوم ترابا جماعتي النواصر والدروة معا من علاقات تفيد تجاور وظيفتين نوعيتين يجمع بينهما التكامل: حوض للشغل  بالجماعة الأولى لأهمية فرص العمل المتولدة من توطد المطار الدولي وتركيز النشاط الصناعي بترابها، ومهد لتناسل قوة العمل بتراب جماعة الدروة، مترتب عن رسوخ الوظيفة السكنية عبر أطرافه.   

وقد تظهر خلال الأمدين الأخيرين حكامة ترابية ثاقبة تأخذ بالجمع بين الجماعتين الترابيتين بتذويب الحدود الفاصلة بينهما، وضم أنسجتهما الحضرية في كتلة عمرانية موحدة.