عبد اللطيف برادة: من أجل انبعاث الأدب العربي من سباته

عبد اللطيف برادة: من أجل انبعاث الأدب العربي من سباته عبد اللطيف برادة

يعتبر النقاد بالاجماع أن انفصال الأدب العربي عن المنظومة السياسية السائدة بالعالم العربي كان هوالعامل الحاسم في انطلاق الحراك الثوري العربي، وانه هوالكفيل لحماية هذا الحراك بالمستقبل. وقد اجزموا في نفس السياق أن شعر أبي القاسم الشابي ساهم في تثبيت الاعتقاد بإرادة الإنسان وشد الهمم، وان شعر أحمد فؤاد نجم رسم خريطة الطريق يوم بيوم لهذا الحراك

فبإلاضافة إلى ما جادت به القريحة الأدبية الشعبية ، كانت قصائدهم هو تردد من لدن حناجر الثوار في تونس ومصر واليمن فتبعث فيهم استمرار النَفس الثوري. وهكذا اكدوا جميعا على الدور الحاسم الذي لعبه الأدب العربي في تأجيج ثورة الربيع العربي

و معهم نؤكد هذا الطرح مع الايضاح ان ذلك لم يتاتى الا نتيجة الشرخ الهائل الدي كان يبعد الادب عن الفاعل السياسي على عكس ما كان عليه في عهد سابق مع تواجد المستعمرفي المنطقة العربية حيث سادت حالة تزاوج بين الأدب العربي الحديث والحكم فكان المقاومون بجميع اطيافهم متناغمين يسيرون على نفس الخط مع الحكام يجمعهم هدف التحرر من رقبة المستعمر تحت لواء الوحدة العربية ، "مرحلة كان يتكلم فيها الأدب نفس لغة السياسة ويمنح كل منهما الشرعية للآخر" .فبرز في هذه المرحلة كتّاب وروائيون وشعراء يتغنون بالوحدة العربية مثل رواية زينب لهيكل وشعر أحمد شوقي وإبراهيم مازني وتوفيق الحكيم وأدب طه حسين، حيث تميزت فترتهم بالنظرة التفاؤلية للتاريخ والاستشراف لفلسفة الأنوار، واعتقدوا أنهم سائرون إليها من دون رجعة وهكدا ساير الادب في مجمله الحاكم والسلطة مما اضفى عليه نوع من الشرعية وازال عنه في نفس الوقت فثيل شعلة التغيير وانبعاث المنشود منه

لكن سرعان ما انتهى هذا التناغم ببروز الدولة الوطنية بمنتصف الخمسينيات حين كتب نجيب محفوظ روايته الشهيرة "أولاد حارتنا"، و تشكلت فيها هوة فاصلة بين سطوة الساسة على الأديب الذي حول قلمه في اتجاه الالتصاق بهموم الناس، حيث "تخلص الأدب العربي بمجالاته المختلفة من عباءة السياسي للارتباط بهموم الناس وتعرية الممارسات التسلطية الاستبدادية التي بدأت تسود أكثر مع الدولة الوطنية". ولمع في هذه الحقبة العديد من الشعراء والكتاب والروائيين مثل محمد مغول وأدونيس ونزار قباني ومحمود درويش وعبد الرحمن منيف وهدى بركات وغيرهم من رموزٍ مقاومة هيمنة السلطة منتقدين بذلك الظواهر الاجتماعية.

وهكذا برزت الى جانب منطومة من الكتاب الذين سايروا الحاكم كوكبة من الادباء الروائيين المنشقين عن الخط العام السائد انداك والذي اعاد الى الادب بريقه الطلائعي حيث بدا الكتاب يسلطون اقلامهم الاذعة تارة نحو السلطة وتارة اخرى الى اعماق المجتمع المهمش مما هيا الرواية ما قبل الثورة للقيام بدور ريادي في تهياة الربيع العربي حيث انه اصبح للبعد الروائي الى جانب الشعر فعالية في تأجيج الحراك نتيجة لما تميزت به الروايات من جانب إيحائي وتمثيل يلامس الحقائق. ويرجع ذلك في تميز الأدب العربي في فترة ما قبل الثورات ببروز الإبداع الذاتي للأديب خارج منظومة السلطة ، الشيء الذي جعله يقترب أكثر من قضايا الناس ومشاغلهم، وهذه المسافة بين الأديب والحاكم هي التي منحت الفرصة للأديب أن يصبح اكثر التصاقا يقضايا المجتمع بعيدا عن الضغط الذي يريد ان يفرضه السياسي عليه. وبتوجه الأدب العربي للحديث عن الفرد وملامسة قضاياه الحقيقية والمعاناة التي يمر بها نتيجة الاستبداد جعلت الأديب يهتم اكثر بالمجتمع وهمومه مبتعدا هكذا عن الساسة لصالح الفرد ومعاناته و هي الوصفة التي يجب على الادب عامة ان يستعملها وللاديب ان يتخدها كخريطة طريق ان اراد ان يبعث الحياة في عمله فيجعل هكذا من مستقبل العالم العربي أكثر وضوحا وازدهارا مما كان عليه من ذي قبل.