عبد القادر زاوي: المغرب..2018 سنة الإرتباك

عبد القادر زاوي: المغرب..2018 سنة الإرتباك عبد القادر زاوي
أشاع رئيس الحكومة المغربية أن سنة 2018 ستكون سنة العمل والإنجاز، وذلك بعد أن تمكن من إيجاد الحد الأدنى من التنسيق بين المكونات الهجينة للحكومة التي ولدت بطريقة قيصرية منتصف 2017 وبإرادة تتجاوز معطيات نتائج الانتخابات التشريعية. ولكن ذلك التفاؤل الحذر الذي حاول السيد العثماني ترويجه سرعان ما تلاشى منذ مطلع هذه السنة عندما وجدت حكومته نفسها أمام تناقضات جمة تنخر كيانها، وأمام أوضاع اقتصادية متردية، وتطورات اجتماعية داخلية عميقة تؤرقها، ومحيط اقليمي وعالمي مضطرب وضاغط عليها.
انعكس ذلك التلاشي في وقوف الحكومة عاجزة معظم الأوقات عن مواجهة المستجدات وتلافي الصعاب والتحديات التي اعترضت طريقها، فبدت مرتبكة ومشلولة في معظم المواقف. كان هذا هو الحال في المجال الاقتصادي والاجتماعي، إذ لحد الساعة لم تستطع الحكومة بلورة نموذج تنموي جديد بعد إقرار جلالة الملك من على قبة البرلمان بفشل النموذج القديم، وتكليفها إلى جانب مؤسسات الدولة الأخرى بفتح نقاش وطني واسع حول الموضوع.
ورغم أن الحركة الاقتصادية في البلاد لم تكن كلها سيئة أو سلبية، حيث بددت التدابير المتخذة من طرف بنك المغرب ( البنك المركزي ) المخاوف التي أثيرت أثناء العمل على تحرير سعر العملة الوطنية قياسا للعملات الصعبة، وعرفت مؤشرات مناخ الأعمال تحسنا ملحوظا ؛ فإن الحكومة لم تواكب تلك الحركة، إذ عوض أن تعمل على الابتكار والإبداع للخروج من نفق الأزمة التي تعيشها البلاد، لجأت إلى الحلول السهلة المستقاة من وصفات المؤسسات المالية الدولية، وذلك بالحد من الإنفاق على الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم وتجميد الأجور، وزيادة الضرائب، ناهيك عن التوسع في الاقتراض الداخلي والخارجي بشكل جعل الدين العمومي يرتفع إلى أزيد 693 مليار درهم.
ومع أن هذه الحلول السهلة التي جرى تبنيها وفرت بعضا من السيولة المالية، فإن الحكومة لم تستطع الوفاء بواجباتها الاجتماعية وامتصاص النقمة الشعبية المتزايدة ضدها، والتي ارتدت أشكالا احتجاجية متعددة بدءا من تمدد الحراكات الجهوية مثلما حصل في منطقة الريف شمالا، ومدينة جرادة شرقا وزاكورة في الجنوب الشرقي، وصولا إلى الإضرابات والاعتصامات القطاعية والمهنية وفشل الحوار الاجتماعي مع النقابات العمالية.
إن الارتباك الناجم عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تضاعف لدى الحكومة، وأضاف لها المزيد من أسباب القلق والأرق بعد أن برز في منتصف سنة 2018 سلاح المقاطعة الشعبية لمنتجات بعض الشركات التي اتهمت بالجشع والاحتكار، وبكون بعضها يشكل نموذجا مستفزا لزواج السلطة والمال، مع ما يروج من أن ذلك الزواج يسبب آثارا مدمرة على السياسة والاقتصاد معا.
ولاشك أن الجمود السياسي وتزايد العزوف الشعبي عن متابعة الحياة السياسية التي تعيش إفلاسا حزبيا حقيقيا من جراء تدهور ثقة المواطنين فيها وعدم قدرتها على إفراز قيادات ميدانية ذات مصداقية شعبية يعدان من بين الآثار المدمرة لسياسات جمع القرارات السياسية والقرارات الاقتصادية والمالية في أيدي فئة قليلة تبين أنها تعيش بعيدا عن نبض الرأي العام، الذي اتضح أن بعض الإجراءات العقابية والتوبيخية ضد وزراء من الحكومة الحالية وشخصيات من الأحزاب المكونة لها لم تشف غليله كما يجب.
ولم تشأ سنة 2018 أن تتوارى قبل أن تعمق الارتباك السياسي والحكومي بالمغرب حين شهدت في آخر أسبوع منها عملية إرهابية ضد سائحتين أجنبيتين في منطقة إمليل الجبلية في نواحي مراكش. عملية ستترك ولا شك تأثيرات سلبية على القطاع السياحي، ولكنها قبل ذلك برهنت على أن المقاربة الأمنية وحدها لن تكون ناجعة بشكل كامل في تثبيت الأمن والاستقرار ما لم تواكبها مقاربة تنموية وسياسات عمومية واضحة ومرقمة وليست مجرد نوايا وأماني.
إن حكومة بدأت السنة الجديدة بافتعال مواجهة جديدة هذه المرة مع الفاعلين من القطاع التجاري من كبار الموردين للسوق وكذا تجار التجزئة الصغار واضح أنها غير قادرة على تجاوز حالة الارتباك بل إن تصرفاتها تدفع في اتجاه المزيد من القلق والاحتقان، معمقة مؤشرات عدم الاقتناع بما تقوم به وتعلن عنه، وعدم الثقة في جدوى المؤسسات الدولتية Les institutions Etatiques برمتها.
فهل من المصلحة العليا للبلاد تركها على هذه الحال ؟