نوفل البعمري: ثورة المتنبي

نوفل البعمري: ثورة المتنبي نوفل البعمري
فجأة بدون سابق إنذار أحيى شباب الراب شاعر كبير اسمه المتنبي وأعادوه إلينا من قبره في أكثر حرب شرسة موسيقية يتابعها ملايين الشباب، الجون البيغ حصد أكثر من 8 ملايين مشاهدة،حليوة مئات الآلاف من المشاهدة، ديزي دروس وصل الكلاش الذي رد به على البيغ لحدود كتابة هذه الأسطر لأكثر من خمسة ملايين مشاهدة و مازالت تحصد عدد متزايد منها، إننا أمام حرب شبابية جديدة بأدوات موسيقية فيها الكثير من الإبداع الفني و الاجتهاد، و إذا ما قمنا بمعدل تقريبي لعدد الذين استمعوا لهذه الاغاني سنكون أمام أكثر من عشرة مليون متابع/ة وهو رقم كبير جدا لجيل من الشباب مهووس بنوع آخر من الحروب و من الموسيقى، بما تحمله من قيم وثقافة لا يمكن القول أنها دخيلة على المجتمع المغربي في تحليل يعكس نوع من التكلس الفكري و الكسل في تقدير التغييرات الكبيرة التي عاشها و تعيشها فئات عريضة من الشبان و الشابات الذين  يتم تأطيرهم خارج المنظومة الرسمية،خارج الجمعيات ودور الشباب، خارج الشبيبات الحزبية، في المجمل  خارج الوسائط الاجتماعية التأطيرية التقليدية،نحن أمام نفس الصورة الثقافية الشبابية التي اجتاحت المغرب مع بداية حكم محمد السادس ومع مرحلة ما بعد الحقيقة والإنصافو التناوب التوافقي الذي كانت له انعكاسات أكثر من سياسية بل امتدت لمجالات أخرى من بينها الحقل الثقافي الشبابي،  حيث مكن المغرب قطاع واسع لجيل شبابي من التواصل و اكتشاف العالم الخارجي بما يعني ذلك من التأثير و التأثر المتبادلين وهو ما أنتج لنا راب مغربي خالص بكلمات مغربية قحة معبرة عن حالة غضب و آمال فئات عريضة من أوساط المجتمع.                                                                            
أن نتعاطى مع ما يحدث دون أن يستفز تحليلنا ودون أن نتابعه بالكثير من الفرحة، أولا للموسيقى التي يتم إبداعها و ثانيا لحالة الركود التي تم تكسيرها ففي كل مرحلة عندما نقول أن شبابنا قد ماتت روحه يخرج علينا بقمقمه المارد ليعلن عن نفسه و يرفع صوته ليقول لنا ها نحن هنا موجودين، فعلها مع انطلاق ثورة الموسيقى الشبابية، و فعلها مع حركة عشرين فبراير و فعلها اليوم مع هذه الحرب الموسيقية التي و إن كانت تستعمل فيها كلمات وموسيقى خارج عن المألوف وعن القيود فهي تعكس كذلك نوعا من التقدير المتبادل بين المتحاربين، وهو جزء من منطق الراب. من يتابع هذه الحرب سيكتشف أنها تعكس نوع من التدافع الذي قد نكون غائبين عنه، تدافع جيلين،بين جيل بيغ الذي تفتقت موسيقاه و إبداعه مع بداية سنة 2000 و بين جيل ما بعد 2011 الذي يجسده ديزي دروس، و حليوة الذي اكتشفته صدفة من خلال برنامج ميد راديو في قفص الاتهام للصديق رضوان الرمضاني و كانت الحلقة سببا لابحث عنه من خلاله تعرفت على جيله من الشباب الموسيقي الذي طور الراب المغربي و أضاف عليه الكثير من التوابل الموسيقية و الإبداعية المغربية.                                                                     
التدافع الحالي هو إعلان عن ميلاد جيل جديد من الشباب بموسيقاه الذي يريد و بقوة ”قتل الأب” السلطوي و الانتفاضة عليه و تكسير قيوده و إسقاطه رمزيا، هي حالة نفسية قد تكون موجودة لدى فئات عريضة من الشباب وهو ما دفعها إلى متابعة هذه الحرب وزيادتها تشويقا وأضفت عليها نوع من المشروعية، قد تكون هذه ”الحرب” موجودة في مجالات شبابية أخرى لم نستطع بعد تبينها لأنها قد تكون خفية كما كانت هذه الحرب الموسيقية التي لولا كلاش البيغ لما انفجرت و لما استمتعنا بها و بموسيقاه، هي إنذار للجميع بكون هناك جيل جديد من الشباب يحتاج لمن ينصت له و يستمع إليه و يصاحبه ليس من منطلق أبوي أو سلطوي، بل بالكثير من الإنصات و التفاهم، هو جيل أكثر غضبا و”عنفا” ورغبة في قيادة جيله نحو المستقبل بروح متقظة مشتعلة، متحسم و ثائر....  
كلاش البيغ، وحليوة و ديزي دروس.... هي دعوة صريحة لدمقرطة مجالات الشباب من شبيبات حزبية، جمعيات، دور الشباب... ومختلف الوسائط لأنها في صيغتها الحالية متجاوزة ولا تلبي حاجاتهم الإبداعية والثقافية والسياسية، هي دعوة لاحتضان جيل ما بعد 2011 بكل ما يمثله هذا التاريخ من رمزية سياسية وتاريخية.