سعيد المفتاحي: لرد الاعتبار للفنون الأصيلة لابد من "تشطيب" الرداءة من التلفزيون والساحة الفنية

سعيد المفتاحي: لرد الاعتبار للفنون الأصيلة لابد من "تشطيب" الرداءة من التلفزيون والساحة الفنية سعيد المفتاحي

سعيد المفتاحي، فنان استطاع المزاوجة بين فن الملحون والألوان التراثية في تناسق بديع، وهو ما جعله ينضم إلى قافلة المبدعين القلائل الذين هاجروا إلى ديار الغربة، ليعمقوا الصلات بين عالمين، ولفسح المجال أمام التمازج ثقافي والحضاري، وتلقين فن الملحون الى أبناء الجالية المغربية بفرنسا.

التقته جريدة "أنفاس بريس" وأجرت معه الحوار التالي:

+ اخترت الإقامة بباريس منذ سنوات طويلة، فهل الهجرة بالنسبة لسعيد المفتاحي اختيار أم بسبب التهميش الذي يطال فن الملحون؟

- صراحة، لم يسبق لي أن فكرت في الهجرة، وكنت دائما أناضل من أجل تحقيق مجموعة من المطالب الفنية، لكن شاءت الأقدار أن أهاجر إلى أوروبا بعد أن شاركت في إحياء مجموعة من السهرات، حيث تلقيت مجموعة من العروض هناك.. وكنت أفكر في البداية أفكر في الاستقرار مؤقتا بباريس، وبينما كنت أحضر نفسي للعودة للوطن شاء الله سبحانه أن أستقر بفرنسا. وشكلت هذه الإقامة فرصة بالنسبة لي لإكمال ما سبقني إليه مجموعة من الأسماء مثل محمد الفاسي الذي كان ينشر قصيدة الملحون لما كان طالب بباريس. ولهذا فإن إقامتي بفرنسا هي مناسبة للتعريف بالتطورات التي عرفها فن الملحون والتعريف بقصيدة الملحون وحمولتها لأبناء جاليتنا وأيضا للآخر الذي يعرف الشيء الكثير من الملحون وعن الموسيقى الأندلسية والعيطة من خلال المراجع المتوفرة في فرنسا. أما بخصوص فن الملحون، فأعتقد أن هذا الفن لا يمكن أن يتعرض للتهميش لأسباب عدة، ففن الملحون إلى جانب فن العطية وأصناف أخرى تعد من الفنون التراثية التي أنتجها المغرب على مر التاريخ، لكنه بحاجة ماسة إلى الدعم لتحقيق الانتشار. فالملحون أصبح جزءا من الذاكرة الوطنية، خصوصا ومن الذاكرة الإنسانية عموما، لأنه وثق لعاداتنا وتقاليدنا، ووثق للباس التقليدي، كما وثق للقاموس اللغوي الذي نتواصل به أي اللهجة الدارجة، ووثق للعديد من الأمور لدرجة أن قصيدة الملحون تحولت إلى مرجع (المطبخ المغربي، اللباس المغربي..). كما لعبت قصيدة الملحون دورا مهمها في تثقيف وتوعية الناس الذين لم تتح لهم الفرصة لولوج التعليم الأكاديمي؛ فعبر قصيدة الملحون عرف الناس صحيح البخاري، وابن كثير، وعلى أمور لها علاقة بالتدين، وبالطبيعة ولهذا تجد في الملحون "النزايه "، وتجد في ملحون ما يسمى بـ "دارت".. وتجد أيضا الترجمات والمسرح المغربي. ونذكر على سبيل المثال قصيدة "الحراز" التي نقلها الطيب الصديقي الى خشبة المسرح، حيث يعد الشيخ الجيلالي امتيرد من أشهر شعراء فن الملحون في القرن الثامن عشر والذي نظم مجموعة من القصائد الناجحة والتي نقلها وترجمها المناضل الكبير والباحث الأستاذ عبد المجيد فنيش، فأعطت أعمال كبيرة جدا، فقصيدة الملحون تحتفظ بخصوصية المغاربة.

+ كيف تنظر إلى اكتساح الأغنية الرديئة للساحة الفنية، وكيف يمكن في نظرك التعاطي مع هذا الوضع؟

- لابد أولا من استحضار ضميرنا المهني في جميع المهن، فالفنان ينبغي أن يتحمل مسؤوليته وعليه أن يدرك أن له دور كبير في تنمية وتهذيب أذواق الناس، حيث أصبحنا نسمع أغاني لا تمت لـ "تمغربيت" بصلة لا على مستوى الإيقاعات ولا على مستوى المقامات ولا على مستوى الكلمات.. كفى من الاستهتار وتمييع الذوق العام.. فأبناؤنا أضحوا يحفظون أغاني لا تخلو من كلمات بذيئة، مع احترامي للفنانين الذين يحترمون أنفسهم رغم كونهم يعانون.. ينبغي للفنان أن ينال ما يستحقه.. ما هو دور المكتب المغربي لحقوق المؤلفين؟ هل يعقل أن يتم بث أغانيهم في الإذاعات دون أن يتوصلوا بمستحقاتهم؟ هل حصلنا على حقوق التأليف كي نتحدث عن الحقوق المجاورة؟.. لابد من استحضار الضمير المهني، مع إعطاء كل فنان ما يستحقه، وبلدنا والحمد غني بالكفاءات والمبدعين، وكفى من الميوعة باسم الإبداع.. كفى من التهميش.. ينبغي إعادة النظر في عقلياتنا، فأنا أستغرب لوجود أشخاص يودون الهيمنة على الساحة فالفن، علما أن بروز عدد هام من النجوم يعني أن الفن حي ويتحرك في بلادنا، كما ينبغي إعطاء الأسبقية للإنتاجات الفنية الوطنية من أجل الحفاظ على ثقافتنا المغربية.. فشبابنا للأسف أصبحوا يعرفون الشيء الكثير من ثقافات تركيا والمكسيك، من ثقافات أخرى، مقابل جهل تام بثقافتنا المغربية، والذنب ليس ذنب هؤلاء الشباب، فهم متعطشون للفنون المغربية، لكن السؤال هو: ماذا نقدم لهم؟

+ ما هي سبل رد الاعتبار لفن الملحون وللفنون الأصيلة بصفة عامة؟

- لابد من دعم  جميع الفنون الأصيلة، وليس فقط فن الملحون، فإذا كان دعم وزارة الثقافة تطغى عليه العشوائية، فأنا أقول إنه إذا لم تتوفر شروط "تمغربيت" في القطعة فليس من المعقول دعمها.. وأعتقد أن الملحون وكذا فن الآلة وفن العطية يعانون من الإقصاء فيما يتعلق بالدعم من خلال فروض شروط مجحفة للحصول على الدعم (أن لا تتعدى القطعة 5 دقائق، أن تكون قطعة جديدة لم يسبق سماعها..)؛ وهذا غير ممكن علما أننا نشتغل على موروثنا الفني. اذن يجب إعادة النظر في شروط الدعم أو خلق دعم خاص بالفنون الأصيلة وفي مقدمتها الملحون، العيطة، موسيقى الرايس، الموسيقى الأمازيغية.. ورد الاعتبار للملحون لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال خلق معهد عالي لفنون القول، أي كل الفنون المغربية التي تعتمد على الكلمة، وهو ما سيمكن من التوثيق لرموز فنون القول في بلادنا.. فمن العار انتظار رحيل الفنانين لكي نجعل منهم أعمدة ورموزا.. وكما يقول المثل المغربي "لي يبكي عليا.. يبكي عليا وأنا حي".. أليس من حق الفنان أن يسمع الكلام الجميل والتكريم في حياته.. ولابد أيضا من رد الاعتبار للساحة الفنية التي اخترقتها الرداءة عبر الاهتمام بالإبداع المغربي، وبالدرجة الأولى الفنون المغربية.