محمد الشمسي: "البيجيدي" يفك وثاق بنكيران "أسد الكلاشات"

محمد الشمسي: "البيجيدي" يفك وثاق بنكيران "أسد الكلاشات" محمد الشمسي

بعد سيل من الضغوط الرهيبة التي تعرض ويتعرض لها حزب العدالة والتنمية، حيث تكالبت على عدالته وتنميته الهموم فرادى وجماعات، قرر جنرالات الحزب على ما يبدو الركض نحو فتح قفص "الأسد" بنكيران المتخصص في رد العدوان، ونصرة الإخوان، وتشتيت شمل "العديان"؛  وبعد أن كان الرجل قد أحيل على تقاعد سياسي وصام عن الكلام، وحشر في بيته بحي الليمون ما بين معتكف أو لاجئ .

فبعد قرار إعادة محاكمة برلماني الحزب  حامي الدين ومتابعته بجناية القتل مع سبق الاصرار والترصد بما ينسف مستقبله السياسي، وبعد فضيحة "ردة " البرلمانية ماء العينين، التي خلعت حجابها في فرنسا لـ "تستريح منه" وارتدت كسوة "محلولة" كاشفة عن ما تبقى من مفاتن، وبعد متاعب العثماني في تسيير دواليب الحكومة التي جرت عليه نقمة فئة عريضة من الشعب، أبرزها ساعة جحيم فرضها على الخلق، ثم طعنات وصفعات من أعضاء في التحالف الحكومي بكلام كبير وخطير؛ لم يجد "بابوات" العدالة والتنمية و"قساوسته" بدا من تحرير بنكيران من معقله، والترخيص له بالخروج، وهو سلاحهم  الفتاك أو هو درهمهم الأبيض الذي ينفعهم في  أيامهم السوداء وما أكثرها .

دشن بنكيران خروجه بإطلاق النيران في كل الاتجاهات، معلنا عن تحديد "منطقة صيد الحزب" كما يفعل السبع وسط القطيع، ومستشعرا دنو الخطر من العشيرة ، حيث "كلاشا" الطالبي العلمي و"رد ليه الصرف" على غزوته القديمة التي اعتقد "مول لحمامة" أنها، كما يقول الأشقاء المصريون "عَدّت وخَلاص"، حين "تجرأ"، وما كان له أن يفعل لو أن بنكيران على قيد الحياة السياسية، ونعت العدالة والتنمية بالحزب الذي يقود البلاد الى الخراب، فكان أن صوب له بنكيران قذيفة لغوية ونعته بـ "الوضيع" مستغلا الفقر اللغوي لقاموس الوزير في إدراك المغزى والمعنى، ثم صعد بنكيران للجبل وهو مجرد العضو الضعيف في الحزب ليعاتب العثماني الأمين العام فيه و"الباطرون"، عاتبه ولربما "جبد ليه ودنيه" على عدم ردع الوزير التجمعي في حينه عندما "تطاول" على العدالة والتنمية ، ثم عرج بنكيران على قضية حامي الدين وأدلى بدلوه فيها غير آبه باستقلال القضاء وبمبادئ دستور 2011 الذي منح للسلطة القضائية كامل الاستقلال ومنع التدخل في شؤونها، وقال ما قال، ثم إلى "خلع آمنة لحجابها" حيث غفر لها "زلتها" وآخذها فقط على عدم لجوئها  إليه قبل أن تكبر "المعمعة "، ثم  نبش في عوالم الحريات الفردية التي كان مجرد ذكرها في مجلسه "يغيب ويطيح ويشدوه المسلمين" رغم أنه واحد من هؤلاء المسلمين، فتحدث عن الشذوذ الجنسي بلا خجل، وعن السحاق بلا نرفزة، وعن الأمهات العازبات مدرفا دموعا تمساحية على مواليدهم "الابرياء" وكاشفا وجها أليفا بلا أنياب في التعامل مع مثل هذه الظواهر، وكأننا أمام السيد "بان كيمون" في أيامه، وطار بنكيران ليحلق فوق سماء تونس التي لم تسلم من "كلاشاته".

وأذكر، فيما أذكر، استجوابا صحفيا كان قد أجراه قيدوم الصحافة الرسمية الموالية للدولة مصطفى العلوي، ذات سنة عندما كان بنكيران في أوج معارضته، حيث أراد العلوي إحراج بنكيران بسؤال حول سبب رفض القيادي "الإخواني وإخوته وأخواته" لمهرجان موازين، وكان العلوي "باغي يشريها لبنكيران مع القصر"، لكن جواب المسؤول حشر السائل في زاوية ضيقة، حين أجابه بما احتفظت ذاكرتي به: "أنتا سي العلوي، عجبك هاداك المغني الميريكاني  اللي جا من مريكان، ويعلم الله شحال عطاوه ديال لفلوس، وجا يشارك في موازين، والتلفزة العمومية نقلت السهرة ديالو، وهو يتعرا، بقا بلا حاويج في تلفزتنا أمام أعين نسائنا وبناتنا وأمهاتنا، عجبك الحال آسي مصطفى؟، أشمن رسالة وآشمن من فن عطانا مغني دخل لدارنا وتعرا علينا..."، ندم ليلتها العلوي على استضافة بنكيران .

وحده بنكيران الذي يمكنه أن يقول ما يشاء في قبيلة العدالة والتنمية بلا رقيب، وحده بنكيران الذي يستحيل الفصل في حديثه بين أوراق الحزب ووجهة نظر الرجل، وحتى العثماني ترك لبنكيران "التيران" ليفعل ما يشاء ويقول ما يشاء، بعدما ضاقت السبل بسعد الدين الذي لم يسعد يوما منذ تعيينه في منصبه الذي وجده أكبر منه بكثير، فرئيس الحكومة الجديد "حشومي" ثم إنه "خجول" ويكاد يكون غبيا أو ساذجا، أو هكذا أعتقد شخصيا "والله يسمح ليا من الرجل"، لكن في عالم السياسة بلا أخلاق فلا لغة تعلو على لغة التآمر والمكائدة، وتصيد زلات الخصوم بلا شفقة، و"فشان الروايض" للغريم السياسي ولو كان شريكا في التحالف .

ربما اقترب امتحان 2021 حيث موعد الانتخابات التشريعية والبلدية، وربما شعر حزب العدالة والتنمية أن خصومه "يسمنون" حساباتهم السياسية، وأن سواعدهم تشتد، وأن مصباح البيجيدي تتلاعب به هبات الريح، وأن الوقت قد حان لعودة بنكيران لأجل رتق ما مزقه "الإخوة" من أطراف ثوب الحزب وما دنسوه، بسبب نزوات حينا وقلة تجربة حينا آخر، وتهور أحيان أخرى، ويتذكر الشعب يوم قاد الداودي مسيرة ناصر فيها شركة من الشركات ضد فئة من الشعب اختار مقاطعة منتوجها، فتزعم الوزير احتجاج الشركة وتقدمه يصيح "الشركة تريد إسقاط الشعب"، وكيف قام وزير ثان وهو كبيرهم سنا ومراهق فكرا، فتنته أنامل مدلكته، فاستحلى و"تدلى"، وقرر الزواج بها مثنى بعد رمي الأولى في سلة مهملات التاريخ، حيث لم تعد تصلح لتكون زوجة "معالي الوزير" فهي مجرد ربة بيت تجيد فقط إنتاج العيال، وطهي الطعام، والوزير يريد اشياء أخرى، ثم كيف أضاف العثماني ساعته الإضافية ثقلا جديدا فوق حمولة شعب، ثم كيف عجزت حكومة سعد الدين على إنتاج الثروة، فعمدت إلى سلك مسلك الأمم البدائية الغابرة من الرومان والوندال والبيزنطيين حين كانوا يثقلون شعوبهم بضرائب إضافية، مما كان يعجل بالسقوط والاندثار، كان لا بد لحزب العدالة والتنمية أنه "يكاد الميزان"، ويفتح الباب لبنكيران ليخرج على "التحكم" مزمجرا زائرا لعل زئيره يعيد الروح لحزب صدئت هياكله وتآكلت، بعدما أن انتفخت أوداج غالبية مسئوليه فباتوا قطط موائد، وقد استلطفوا النعم وتمرغوا فيها  .

ربما يلعب حزب العدالة والتنمية آخر الأوراق، وهو مثل فريق رياضي منهزم ويداهمه الوقت، فهل تسعفه رتوشات الوقت بدل الضائع؟، وهل يكون بنكيران "الجوكير" الذي يمكنه أن يقلب الهزيمة إلى فوز أو على الأقل الى تعادل.. نقول هذا ونحن نعاين كيف أن حزب التجمع الوطني للأحرار ماض في تجييش الأتباع، مراهنا على "الأمازيغية " في برنامج يقوم على العنصرية، متوجه صوب إخماد نور مصباح كان عصيا على الإخماد، نقول هذا ونحن نعلم أن صناديق الاقتراع تعود فيها الكلمة الأوفر للكتلة الناخبة، التي هي مزاجية وغير خاضعة لأي معيار أو مقياس، كتلة ناخبة عاطفية تنسى وتصفح بسرعة مثل الأطفال، يكفي أهل البيجيدي فيها تأبط السجادات وارتداء "الفوقيات"، ومخالطة القوم في ارتياد المساجد، ليقلبوا المعادلات .

أتخيل بنكيران في "كلاشاته" التي أرسلها حتى خارج المغرب، أتخيله مثل "حياح" هام "معربطا" في إحدى الأحياء، يرمي ويكسر كل ما يجده أمامه، يسب ويلعن في كل الاتجاهات، يصيح "وفينكم آالرجالا... خرجوا... بانو.... ياله"...