زهور: السنة الأمازيغية و هوية وطن اسمه المغرب.. أسكاس ئغودان

زهور: السنة الأمازيغية و هوية وطن اسمه المغرب.. أسكاس ئغودان الحسن زهور

ما هو الوطن؟ هل الوطن بطاقة هوية فقط؟ هل الوطن شعار نردده بحناجرنا دون ان نربطه بثقافة الأرض؟ هل الوطن تصنعه جملة تلقناها في المدارس و تحمل ما تحمل من دلالات التحقير لتاريخ الشعب المغربي: "سكان المغرب الأولون هم البرابر سكنوا الكهوف و لبسوا الجلود.."؟ و هل الوطن مزرعة تسير حسب قانون الغلبة؟ و هل يحق للإبن نكران أمه و أبيه و الإنتساب إلى أم ليست أمه إلى أب ليس أباه لعلة فيه أكانت نفسية أو نفعية؟

أسئلة مشروعة و مستفزة القصد منها تنبيه المغاربة إلى هذه العقوق التي تلبستهم منذ الإستقلال إلى اليوم اتجاه أمهم الأرض، أي منذ أن اجتاحتهم ثقافة الشرق فنسوا أنفسهم و انسلوا من هويتهم و من ثقافتهم هائمين و تائهين بين الشرق و الغرب، فلا الشرق اعتبرهم منه و لا الغرب اعترف بهويتهم. لأن الشرق شرق و الغرب غرب و المغرب إفريقي و "إفريقيا للأفارقة" كما صرخ بها الملك الأمازيغي ماسينيسا في وجه الرومان.

مناسبة هذا الكلام حلول السنة الأمازيغية الجديدة بما تحمله من دلالات و قيم ثقافية مرتبطة بهذه الأرض التي نعيش فيها، أرض تجمعنا جميعا بعمقها التاريخي و الثقافي و الحضاري الموغل في القدم و الممتد لأكثر من 10 ألف سنة، فلا يحق لأي كان التنكر لتاريخها و لثقافتها و إلا أصبح ابنا عاقا، و العاق في ثقافتنا لا أخلاق و لا إنسانية له و لا خير يرجى منه.

هذه الأرض التي تحتضننا جميعا هي أمنا، ارتبط بها الأجداد أيما ارتباط و احتضنوها فخصصوا لها احتفالات، و توجوا هذه باحتفال "ئض ن يناير" أي ليلة السنة الجديدة، يحتفلون بها كل ليلة 13 يناير وفق طقوس خاصة تنم عن شدة تعلقهم بالأرض. فكان تقويمهم الفلكي يعتمد عليها، هذا التقويم الذي سماه البعض من أبنائها تقويما فلاحيا جهلا أو تزييفا لكنهه الثقافي، و تأبى ثقافة الأرض إلا أن تسميه باسمه الحقيقي "السنة الأمازيغية".

ارتبط الأجداد بهذه الأرض المعطاء و لم يبخلوا عنها بدمائهم ذوذا عنها، وألبسوها ثقافتهم و رفعوا شأوها، فنسجوه قيما و أخلاقا و خصصوا لها احتفالات بطقوس مقدسة، و هكذا الحال إلى أن حلت علينا لعنة العقوق و نكران الجميل و ظلمة الإيديولوجيات الوافدة فبدلنا عطاءها جحودا و لهثنا وراء الغير نستجدي منه لباسا نتدثر به بعد أن أزلنا عنا لباس هذه الأرض.

لكن العقوق مهما انتشرت مآلها الاندثار، لأن من طبيعة المغاربة الرجوع إلى الأصول المتأصلة فيهم بعد زوال الغشاوة عنهم، و هذا ما نلاحظه في السنوات الأخيرة برجوع الكثير منهم إلى ثقافتهم المرتبطة بهذه الأرض التي تجمعنا جميعا بأحيائهم احتفال عيد الأرض أو ليلة السنة الأمازيغية، رغم أن البعض ما زالوا مترددين لعلة نفسية أو إديولوجية أو دينية متطرفة أو لأثر القيود التي كبلها بهم الشرق أو الغرب. فما نراه اليوم يبشر بعودة الإحساس بالإنتماء إلى هذه الأرض.

الحكومة التي كان عليها أن تحمي هوية هذه الأرض و أن تعبر عن وطنيتها ما زالت لم تخرج بعد من الإملاءات الفكرية و الإيديولوجية الخارجية المترسخة في الفعل السياسي منذ الإستقلال، و كأننا شعب قاصر او لقيط بدون هوية و لا تاريخ و لا ثقافة.

يكفي لحكومتنا أن تطبق الدستور الذي صوت عليه المغاربة، لا أن تأخذ ما يعجبها منه و تذر ما لا يوافق إيديولوجيتها.

إقرار رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وطنية رسمية يا حكومتنا الموقرة لا تتطلب لا مالا و لا زادا و لا حملا، تتطلب فقط الإعتراف بهوية هذه الأرض و بثقافتها، أي الإعتراف بمغربيتها و بتاريخها، فهي مغربية الهوية تاريخا و ثقافة و حضارة و ليست تركية او سورية أو عراقية.

فالإحتفال يا حكومتنا الموقرة بالسنة الأمازيغية ليست احتفالا بالأرض فقط بله احتفال بالإنسانية المغربية الحاملة للقيم الإنسانية التي تتميز بها الثقافة المغربية كقيم التسامح و الإعتدال و العقلانية و الإعتراف بالآخر... إن الرجوع إلى ثقافتنا المغربية بقيمها و باحتفالاتها يا حكومتنا الموقرة هو حصن حصين للمغاربة أمام هذا التطرف المتغول الذي اكتسح ساحتنا نتيجة العري الثقافي والهوياتي الذي وجد فيه المغاربة أنفسهم، فأصبح المغربي عاريا من هويته كغراب ابن المقفع الذي التبس عليه المشي لأنه أراد أن يقلد مشية الحجلة، فلا هو أصاب هدفه و لا هو قادر على الرجوع إلى مشيته الأصلية.

فاستمعوا إلى نبض هذه الأرض يا سياسيينا و يا حكومتنا.

أسكاس ئغودان (سنة سعيدة).

باحث ومحلل سياسي