أحمد بلمختار منيرة: الحقيقة.. إصلاح الإدارة رهين بإصلاح تعليمنا

أحمد بلمختار منيرة: الحقيقة.. إصلاح الإدارة رهين بإصلاح تعليمنا أحمد بلمختار منيرة

للأسف، بالرغم من أن الدولة قامت منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي بإطلاق دينامية تحديث وعصرنة الإدارة العمومية والعمل الإداري في إطار ما يسمى بالإصلاح الإداري، فما زال الحديث مستمرا عن ضعف أداء ومردودية الموظفين، واستمرار ظاهرة الرشوة بالرغم من الجهود المبذولة لمحاربتها.

وقد انضاف إليهما ضعف قيم المواطنة. والحقيقة، توجد أعطاب بنوية قلما يتم الحديث عنها، سنحاول ملامسة ثلاثة منها.

تدني المستوى اللغوي: اللغة هي الوسيلة الرئيسية لتبليغ الرسائل للمتلقي، سواء تعلق الأمر بالرسائل الإعلامية أم الاقتصادية أم السياسية أم الإدارية. وهو ما يعني على مستوى الإدارة أن جودة العمل الإداري تتطلب علاوة على توفر الشروط الموضوعية اللازمة مثل كفاءة وجدارة القيادات الإدارية والقانونية والمالية والتقنية، (تتطلب) متانة اللغة الإدارية وصحتها ولو تعلق الأمر بالإدارة الالكترونية التي تهدف الوزارة المعنية  من خلالها إلى تجويد الخدمات المقدمة إلى المواطن وتسريع وتيرتها.

إن واقع حال الإدارة العمومية والجماعات الترابية، اليوم، متخلف مقارنة بواقع إدارة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. فقراءة المختصين في الوثائق الإدارية بين الأمس واليوم، والحوار مع الأطر المسؤولة في عدة إدارات عمومية (والجماعات الترابية منها)، يجعلان المحقق يسجل تدني مستوى لغة التحرير الإداري (تحرير الرسائل الإدارية، كتابة التقارير، إعداد المحاضر...).

وهو ما ينعكس سلبا على التواصل بين الإدارات وبين المصالح داخل الإدارة الواحدة نفسها. وبالتالي، يفضي إلى تدني العمل الإداري.

فكيف يمكن أن تتوفر عناصر التحرير الإداري من دقة واختصار ووضوح (...) مع وجود تدني مستوى اللغة الإدارية واللغات عموما.

تدني مستوى التواصل الداخلي: يقول روجي إيفرت (Rogers Evert): "التواصل هو دم الحياة في المؤسسة". نستشف من هذه القولة، أنه لا يمكن للإدارة العمومية والجماعات الترابية أن تجلب الاستثمار والسياح، وتبعث الثقة لدى المنظمات المالية الدولية... في غياب نجاح التواصل داخلها. والمقصود التواصل الناجح والفعال بين قياداتها وأطرها وأتباعهم. فنجاح التواصل الداخلي في أي منظمة يقوي روح الانتماء إليها. والقيادة التواصلية/ الديمقراطية، تبعث روح الاطمئنان في نفوس العاملين في المنظمة من خلال الحوار والمساواة بينهم، والتحفيز المادي والمعنوي لهم، والنتيجة رفع مستوى الأداء والمردودية.

للأسف، مازالت إدارتنا تعرف البيروقراطية ودكتاتورية الأفراد. ولعمري إننا نعيش أزمة تواصل في إداراتنا.

مزاجية التعيين: في حالة الجماعات، على سبيل المثال لا الحصر، يثبت الواقع اندماج العديد من خريجي الجامعات والمدارس العليا الهندسية وغيرها بسرعة ملحوظة. ولكن يحصل عكس ذلك في جماعات أخرى، حيث تسيطر "مزاجية التعيين". والنتيجة، فلا خريج القانون في مكانه المناسب، ولا المحاسب في المصلحة الملائمة لتكوينه، ولا الإنصات لمهندس الدولة...

وحسنا ما فعلته في السنوات الأخيرة المديرية العامة للجماعات المحلية، حيث طلبت من رؤساء الجماعات تحديد حاجياتها الحقيقية من الموارد البشرية. لكن الواقع يؤكد أنه لا بد من تتبع التعيينات حتى لا تهدر الطاقات، لأسباب غالبا ما تكون غير موضوعية، فتضيع التنمية المحلية ويضيع معها المواطن(ة).

قد نختلف حول أسباب هذا الواقع المتخلف لإدارتنا، لكن يجب أن  نعود إلى الماضي ونقرأه بموضوعية لنفهم الحاضر، كما يدعو إلى ذلك المفكر عبد الله العروي.

لقد نجح في تدبير شؤون الإدارة العمومية المغربية إلى عهد قريب، خريجو المدرسة العمومية والجامعة المغربيتين. وتميزوا بقوة اللغة العربية نحوا وصرفا. وأجادوا التعبير باللغة الفرنسية بل باللغات الأجنبية.

إن اللغة والتواصل والاندماج، وتعليم التحليل والتفكير النقدي للتلميذ الذي سيصبح غدا القائد الإداري والمهندس... من مهام المدرسة والجامعة التي لا يمكن تفويضها. وعلى ذوي القرار استشارة المختصين في علوم التربية والنفس والإدارة.

نعم نحن في حاجة إلى تسريع إصدار النص القانوني الخاص بالإدارة الرقمية لرفع تحديات الاستثمار والاستجابة السريعة لطلبات المواطنين والمواطنات وتجويد الخدمات المقدمة إليهم. ونحن في حاجة إلى الإسراع بإخراج النص القانوني الذي سينظم التعيين في المناصب العليا في الإدارة العمومية والجماعات الترابية. وإخراج ميثاق المرافق العمومية.

وبالمناسبة، نعتقد أن الواقعية تدعو إلى أن تكون الهيكلة التنظيمية لكل إدارة ملائمة لإمكانياتها من الموارد البشرية، تجسيدا لمبدأي الاستقلالية والتدبير الحر، خاصة في حالة الجماعات الترابية.

لكن، دعنا نتساءل بكل روح وطنية، لماذا لم تفد كل الوصفات التقنية المجربة لحد الآن، في إصلاح إدارتنا العمومية بما فيها الجماعات الترابية؟ فأصبح إصلاح الإدارة، من القضايا الوطنية الكبرى، التي تحتاج إلى حلول واقعية.

الحقيقة، أجدني ممن يعتقدون، أن الإصلاح الحقيقي لإدارتنا رهين بإصلاح منظومتنا التعليمية.

- أحمد بلمختار منيرة، إعلامي وباحث