الحسن زهور: ماء العينين المتمردة على إيديولوجيتها الإسلاموية!!

الحسن زهور: ماء العينين المتمردة على إيديولوجيتها الإسلاموية!! الحسن زهور

أولا، تحية للسيدة ماء العينين على جرأتها بتمردها على أغلال إيديولوجيتها الإسلاموية التي كبلت بها حريتها وفكرها وثقافتها، وعسى أن لا يكون ظرفيا أملته ثقافة المكان الذي احتفلت فيه بأعياد الميلاد.

ما قامت به السيدة ماء العينين في باريس يدخل ضمن حريتها الشخصية التي تنبني عليها حقوق الإنسان، وهي من المبادئ الأساسية للدولة المدنية التي ندعو إليها، تلك الدولة المدنية التي ترتكز في قوانينها على حرية الفرد وعدم الخلط بين الديني والسياسي، ولنا أسوة بما طبقه أجدادنا الأمازيغ في حياتهم حين حددوا مجال الفقيه في الأمور الدينية وحصروا الأمور الدنيوية، أي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مسؤوليها المنتخبين من طرف الجماعة، ويسمونهم بـ "ئنفلاس" أي الأمناء، وهم من يسنون القوانين الملائمة لجماعاتهم وقبائلهم بعيدا عن الشريعة.

ما قامت به السيدة ماء العينين في باريس يؤكد أن الحرية الشخصية التي ننادي بها هي الطبيعة والأصل، وأن ما كانت تسوقه البرلمانية ماء العينين وحزبها من إيديولوجية سياسية دينية تجافي هذه الحرية التي من طبيعة الإنسان، وأن ايديولوجيتها مصطنعة ومنافية لطبيعة التقدم البشري أو العمراني، حسب ابن خلدون، وهي مثل زبد البحر يذهب جفاء.

رجوع السيدة ماء العينين إلى طبيعتها الإنسانية، أي إلى الإنصات إلى ذاتها وإلى التعبير عن حريتها الشخصية التي أطلقت عقالها في باريس بعد طول سنوات سجن إيديولوجي بالمغرب، هو اعتراف وجودي وإيديولوجي بأن الفرد كيفما كانت إيديولوجيته لن يعيش إنسانا حرا يحس بمواطنته وإنسانيته إلا في مجتمع ودولة مدنيين تكفل له فيه الأخيرة كامل الحقوق بغض النظر عن عقيدته أو دينه أو جنسه أو لغته..

لذلك، ففي ظلال هذا المجتمع المدني لا يحق لي انتقاد السيدة ماء العينين في ما اختارته، لكن في الآن نفسه لي الحق في انتقاد البرلمانية ماء العينين في ما اختارته من باب واحد، هو انبناء إيديولوجيتها على المكيال بمكيالين. لكنني أهنئها على هذا الاختيار الذي اختارته لنفسها في باريس، لأنه في الأساس اختيارنا المبدئي المدني والديموقراطي الذي ما زلنا ندعو إليه، إلى أن يتحقق، أي حرية الإنسان الشخصية التي لا يحق لأحد أن يتدخل فيها. كما أشجعها على ما قامت به، لأنه يؤكد أن إيديولوجيتها السياسية هي أوهن من بيت العنكبوت أمام صلابة البناء المدني.

لكن ما الفرق بين ما قامت به البرلمانية ماء العينين وبين ما يقوم به بعض المثقفين والسياسيين الذين انتقدوها؟

إن الذين يرون تناقضا بين إيديولوجية البرلمانية وما قامت به في باريس، هو نفس التناقض الذي وقع فيه أغلب المثقفين المغاربة منذ الستينات. فأغلبهم يؤمنون بحقوق الإنسان وبالمرجعيات الدولية لهذه الحقوق، لكن حين يتعلق الأمر بالحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية، تراهم ينقلبون على أعقابهم فتتلبسهم غشاوة إيديولوجية أحادية تعتمد على الإثنية التي ترى في كل اختلاف لغوي هو إثنية مضادة وتجزئة للوطن وتفرقة للشعب المغربي الذي يعتبرونه جزءا من شعب أكبر يمتد من الخليج إلى المحيط. ثم حين يتم تذكيرهم بالمرجعية الديموقراطية الأمازيغية في التسيير السياسي والاجتماعي (الأعراف ومجالس الأمناء كما عرفته الثقافة الأمازيغية)، باعتباره تراثا مغربيا يجب الرجوع إليه لمقاومة المد الأصولي ببلدنا، يصمون آذانهم كأن فيها وقرا.

ومن سخرية الأقدار، أن الملكية التي كان ينعتها هؤلاء سابقا بالرجعية هي من حملت الآن لواء التقدمية تنير لهؤلاء طريق الحقوق اللغوية والثقافية فالتحقوا بركبها صاغرين.

إذن هل هناك فرق بين ما قامت به البرلمانية ماء العينين وبين ما يقوم به بعض من هؤلاء الذين ينتقدونها من حملة اللواء الإيديولوجي، الذين ينتقون من حقوق الإنسان ما يلائم إيديولوجيتهم؟

- الحسن زهور، باحث ومحلل سياسي