مصطفى المنوزي: الديموقراطية الاجتماعية أو الليبيرالية المتوحشة

مصطفى المنوزي: الديموقراطية الاجتماعية أو الليبيرالية المتوحشة مصطفى المنوزي

في ظلال ذكرى الثورة الوطنية والديمقراطية التي لم تكمل، وفي ظل الاحتفاء بأم الذكريات الوطنية، ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال، من طرف أكثر من جهة وطنية، تحضرني قناعة مفادها أنه يصعب حقيقة أن نتوافق منهجيا، ومن حيث المبدأ، على أن هناك انفتاحا هذه الأيام على فكر عمر بنجلون، الذي أسس للوضوح الإيديولوجي في العلاقة مع الاشتراكية العلمية، وعلى اجتهاد محمد عابد الجابري الذي صاغ الخطوات المذهبية للقطع مع الازدواجية..

هناك موعد مع ذكرى المقتضيات المتنورة في عريضة المطالبة بالاستقلال؛ ومع ذكريات رحيل أحمد بنجلون وعبد الرحيم بوعبيد اللذين اختلفا حول كيفية التوفيق بين الواقعية السياسية وبين الطوباوية الماركسية، وحول مناهضة البيروقراطية النقابية سليلة الأرستوقراطية العمالية.. فهناك تعبيرات سياسية تروم تبني «معاناة» الطبقة الوسطى دون التأسيس لموقعها الاجتماعي الضروري، ودون الارتقاء بتطلعاتها من المطلب الفئوي إلى لعب دورها الطلائعي في مرحلة الانتقال نحو استراتيجية النضال الديموقراطي.

وهناك  أيضا ما يسمى بالنزعة السوسيو-ديموقراطية تلوح في الأفق الوشيك، تعترضها إكراهات سؤال فك الارتباط مع الخارج ومطالب الاحتماء بالخصوصية الوطنية، ضدا على أهمية شرط الاستقلالية في ارتباط مع حرية الملكية ومناهضة التحكم الرأسمالي والاحتكار المعولم.

وهناك إدانة عامة للتطرف والإرهاب الفكري والمادي، رغم الحضور المكثف للعنف الرمزي والنزعة الاقصائية والاستئصالية المعمقة والدفينة، وما يستدعيه ذلك من حنين إلى ماضي «الحكم الراشد».

أليست هذه فرصة مواتية لقراءة ما يجري رشديا، مع استحضار أدبيات الفكر المادي الجدلي المتراكم هنا وهناك، وعلى الخصوص ما تضمنته وثيقة التقرير الإيديولوجي الصادر عن المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يوم كان هذا الحزب جامعا موحدا؟ 

ليس هذا سؤالا يتطلب جوابا محددا، وإنما هو «إمكانية» تأسيسية لمطلب إعادة تأسيس الفكر التقدمي في ارتباط مع  أحلام موؤودة أو تلميحات موعودة  بعودة  منشودة  للبعد الاجتماعي في الهوية الحزبية.. ألم يحن الوقت لإعطاء الأولوية للديموقراطية الاجتماعية والاقتصادية، بعد أن برهن فشل الديموقراطية التمثيلية على عدم جدوى الديموقراطية السياسية المختزلة في الانتخابات، في حل معضلة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية؟ وهل يمكن الاعتماد على الديموقراطية التشاركية، المفترض في المجتمع المدني أن يكون حاملا لمشروعها؟ وكيف يعقل لحكومة تنتمي أغلبيتها للمجتمع السلفي في شقها والمجتمع القبلي في الشق الآخر، أن تكون وصية على قوى مدنية على نقيض من المجتمعين معا؟ أم يتطلب الأمر الانتقال إلى السرعة القصوى بمناهضة التردد لدى الدولة، ونبذ تسامحها مع عوامل تحفيز التطرف والعنف دون جدية في استئصالها لمشاتل بؤس التفكير وبئس التكفير، وذلك بضرورة تبني الديمقراطية الإدراكية.