حتى لا يعاد العام المقبل كسوالفه بالإتفاق على المشاكل دون حلها..

حتى لا يعاد العام المقبل كسوالفه بالإتفاق على المشاكل دون حلها.. ويبقى النقد الذاتي أول الخطوات..

شدد أحمد بلمختار منيرة، إعلامي وباحث، على أن اقتراب توديع سنة واستقبال أخرى يفرض سؤال "ما الذي أخفقنا ونخفق في تحقيقه لحد الآن"، باعتباره المنفذ الممكن العبور نحوه إلى إيجاد سبيل الحلول الواقعية لمختلف المشاكل، أو بالأحرى المخاطر، كما وصفها. وعدَّد في مقال توصلت جريدة "أنفاس بريس" به، شتى الأحداث التي طبعت الساحة الوطنية، خاصة منها تلك المعبرة عن غضب شعبي، مستدركا كونها مرت في أجواء سلمية. هذا دون أن يقفز على ظاهرة التطرف المحدقة وما تستدعيه من حزم لا يعفي أي مغربي من مسؤولية محاربته. وفيما يلي ما كتبه الإعلامي أحمد بلمختار:

"نحن على مشارف نهاية سنة 2018، وسنكون على موعد مع بداية سنة جديدة بعد أيام قليلة. الزمن لا يتوقف. الحذر، أن تتوقف عقولنا عن التفكير، بواقعية وعقلانية، فيما مر من وقائع وأحداث. والأهم أن نتساءل، ما الذي أخفقنا ونخفق في تحقيقه لحد الآن؟ وكيف السبيل إلى الحلول الواقعية والناجعة؟ إن كنا نريد فعلا أن نحقق الأفضل في السنة القادمة وما يليها من سنوات.

لا شك أن مثل هذين السؤالين وغيرهما كثير قد يتبادر إلى ذهن القارئ، يحتاج إلى دراسات علمية من طرف مختصين. لكن هذا لا يمنع من الخوض في ملامسة الإجابات عنها قدر الاستطاعة، في إطار الرأي والتعبير، كل حسب طاقته ومن موقعه. وهو سبب من أسباب وجود الصحافة

الوقائع والأحداث التي حدثت ببعض المناطق بالمغرب، ومقاطعة مواد بعينها، سنة 2018، تسائل الحكومة، والأحزاب، والجماعات الترابية ( الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات)، وجمعيات المجتمع المدني، والباحثين، والإعلاميين،  والمثقفين...

فالاحتجاجات التي عرفتها بلادنا، مرت بطرق سلمية وحضارية عبر من خلالها المواطنون والمواطنات عن أن مستوى الوعي لديهم أصبح عاليا، وأنهم ناضجون.

والحقيقة الثابتة، أننا أخفقنا لحد الآن في حل مجموعة من المشاكل الجوهرية: ضعف مردودية التعليم. التواصل المفقود بين الحكومة والنقابات. ضعف الخدمات الصحية المقدمة للفقراء بالرغم من الجهود التي يتم بذلها في هذا الاتجاه. الطلاق بين الأسرة والمدرسة. ضعف دور المجتمع المدني....

ومازال الإعلام يزعجنا في حين أن الدول المتقدمة، تعتبره الآلية الحقيقية لممارسة الديمقراطية، من خلال فتح الباب على مصراعيه للرأي والرأي المخالف، فالخبر مقدس والرأي حر، خاصة أننا في بلد يتفق الجميع على توابثه.

هذه ليست مشاكل، إنها مخاطر تحدق بمجتمعنا علاوة على التطرف الديني الذي اصبح يسيء لبلدنا المعروف تاريخيا بالتسامح الديني والتعايش وعدم إقصاء الآخر.

لا تحتاج هذه المشاكل إلى حلول سحرية. فالحلول الواقعية تفرض أولا وقبل كل شيء إصلاحا حقيقيا للتعليم، ينطلق من الداخل. يكون خريجوه مشبعون بروح المواطنة والديمقراطية  وحقوق الإنسان. قادرون على الاندماج في الحياة المهنية بيسر. منفتحون على الثقافات العالمية.

وتفرض تجسيد دولة القانون. فلا أحد فوق القانون مهما تكن درجته الاجتماعية. فليؤدي القضاء دوره. ولتؤدي كل المؤسسات التي تمت دسترتها أدوارها (مجلس المنافسة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان....).

وهي تتطلب المزيد من حرية الصحافة. فالصحافة تقف في المحطات التي يتعثر فيها قطار الحكومة.  والهدف، كشف مواطن الضعف في السياسات العامة لربح الوقت وتحقيق التقدم. وهي يحكمها بالإضافة إلى قانون الصحافة، أخلاقيات  المهنة.

كما يفرض البحث عن حلول واقعية لهذه المشاكل، ممارسة نقد ذاتي حقيقي من طرف كل حزب. وإذا كان البعض يرى أن جل الشباب لا ينخرط في الأحزاب نظرا لسطو التكنولوجيا. فلا شك أن هناك أسباب أخرى ينبغي كشفها من خلال دراسات ميدانية. والأكيد أنه لحل هذه الأزمة،  لابد من نظرة شمولية. فقد تغير السياق المجتمعي وتغيرت القيم في كل بلدان العالم، منذ أن هبت رياح العولمة في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي.

ونحتاج أيضا إلى إسماع صوت المثقف الذي هو ضمير المجتمع، من خلال انتقاداته، وآرائه، واستفزازاته الفكرية.... فإذا كان السياسي يبحث في الممكن، فالمثقف يبحث في المستحيل ليصبح واقعا وهو بذلك يسهم في صناعة التقدم.

أجدني غير متناقض مع نفسي وأنا أعتقد أننا نتوفر اليوم على ترسانة قانونية متقدمة على رأسها الدستور باعتباره أسمى قانون في البلاد. وأزمتنا أزمة تطبيق وتنزيل لهذه القوانين

والحقيقة أن القوانين لوحدها، لا يمكن أن تصلح الفساد الإداري، وضعف مستوى التواصل، والتطرف الديني، وضعف الثقة في الأحزاب...نحن نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى خبرات المختصين في علوم النفس والاجتماع والتواصل والتنمية الذاتية....

 فلنعترف أولا بأخطائنا، لأن الإنكار قد يفيد على المدى القصير، لكن يؤدي إلى مالا تحمد عقباه على المدى البعيد من عصيان وانعدام الثقة وردود الأفعال السلبية... وثانيا، علينا الابتعاد عن ذهنية الضحية، حيث يسعى كل طرف إلى لوم الطرف الآخر".