عبد القادر زاوي: على هامش الجدل المثار بشأن كأس أمم افريقيا 2019.. أي كرة قدم، بل أي رياضة نريد؟

عبد القادر زاوي: على هامش الجدل المثار بشأن كأس أمم افريقيا 2019.. أي كرة قدم، بل أي رياضة نريد؟ عبد القادر زاوي

أصيب الرأي العام المغربي والإفريقي بالدهشة، وتلقى باستغراب كبير تصريحات السيد وزير الشباب والرياضة المغربي، التي أكد فيها أن المغرب لم يقدم ترشيحه لاستضافة كأس إفريقيا للأمم 2019، وأنه لا ينوي القيام بذلك، لأن فترة ستة أشهر لا تكفيه للاستعداد الجيد لمناسبة كهذه، ولأن لديه على الصعيد الرياضي التزامات قارية أخرى متمثلة في الألعاب الإفريقية المزمع تنظيمها في صيف السنة المقبلة.

وقد سال مداد كثير وثار جدل كبير بعد هذه التصريحات، التي حرص السيد الوزير على الإدلاء بها لوسيلة إعلام أجنبية يعرف جيدا أنها مسموعة في معظم دول القارة السمراء. ومرد هذه الجلبة التي أثيرت هو أن انطباعا عاما ساد داخل البلاد، وفي عموم إفريقيا بأن المغرب سيكون بديلا للكاميرون إذا ما جرى سحب الترشيح منها.

ولا شك أن هذا الانطباع ولدته وعود قد تكون أعطيت في الكواليس، وأن بعضا من التسرع أو الثقة الزائدة في النفس ساهمت في تحويل هذا الانطباع إلى قناعة لدى العديدين. وقد ساعدت في ترويج تلك الإشاعة وسائل إعلام متعددة رياضية وغيرها رغم أن بعض هذه الوسائل تتوفر على مهنيين متمرسين وعلى دراية بما يطبخ بعيدا عن الرأي العام؛ بل ذهبت بعض الأبواق إلى حد اعتبار تنظيم المغرب لكأس افريقيا للأمم منة يمنحها لإخوانه الأفارقة.

ورغم أن الجهات الرسمية المعنية بالأمر قد التزمت الصمت بعد الضجة الإعلامية التي واكبت التصريحات الوزارية، فإن النقاش حولها لم يهدأ؛ بل تشعب كثيرا بحثا عن الأسباب الجوهرية التي تقف وراء هذا القرار، ودخل في نوع من الضرب المتبادل تحت الحزان بين أطراف مسؤولة، مرتديا في كثير من الأحيان طابعا شعبويا، سيما في وسائل التواصل الاجتماعي.

وبعيدا عن الانجرار خلف الجدل العقيم الذي أرادت وتريد بعض الأقلام تحويل أنظار الشغوفين بكرة القدم إليه عبر التركيز على ما يبدو بمثابة تصفية حسابات شخصية ضيقة بين من يفترض أنهم مسؤولون مهنيا ومسؤولون عما يصدر عنهم من تصريحات أو تسريبات حتى في الغرف المغلقة، فإن الحدث يشكل فرصة سانحة لفتح نقاش وطني عام حول السياسة الكروية في المغرب، وحول السياسة الرياضية للبلاد ككل، وارتباط ذلك بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وهو ما تحاول هذه السطور التمهيد له ولو بشكل جزئي ومختصر خدمة للصالح العام.

بالعودة إلى أهم المحطات الرياضية التاريخية التي عاشتها البلاد منذ الاستقلال إلى الآن يتضح جليا أن الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص شكلت أداة سياسية لدى الدولة قبل الحكومات؛ الأمر الذي فرض إعطاءها حيزا هاما في سلم الأولويات تجسد في الكثير من المناسبات، لعل الأبرز منها كان الحرص الملكي على استقبال وتكريم الأبطال خاصة في الرياضات ذات الاهتمام الجماهيري الكبير، والتوجيهات الملكية لتوفير الاعتمادات المالية للنهوض بقطاع الرياضة من كافة جوانبه بحثا عن تعميم الممارسة وتسهيلا لاكتشاف المواهب.

في هذا الصدد وبعيدا عن كل ما يتعلق بتوفير البنية التحتية من إنشاء ملاعب وقاعات، والتي سجلت تقدما نوعيا سمح لبلادنا بالتقدم بملف ترشيحها لاحتضان الكثير من التظاهرات الرياضية الدولية، فإن التاريخ الرياضي للمغرب يستحضر محطتين أساسيتين وفارقتين في مجال تطوير الممارسة وخاصة على مستوى كرة القدم.

أول هذه المحطات هو التوجيهات الملكية بإيجاد شركات محتضنة لفرق كرة القدم الوطنية في حقبة الثمانينات. وقد كان لتلك الخطوة إسهام بارز في تطوير كرة القدم وتوفير موارد دعم مكنت بعض الفرق الوطنية من المشاركة في المسابقات القارية والفوز ببعضها (بطولة افريقيا للفرق البطلة، الجيش الملكي سنة 1985، الرجاء الرياضي 1989، الوداد الرياضي 1992).

وللأسف بدلا من تطوير تجربة الاحتضان والبناء على عدد من المكتسبات التي نتجت عنها جرى إقبارها لأسباب متعددة معظمها مرتبطة بالتوظيف السياسي وأحيانا بمصالح شخصية، ناهيك عن عوامل اقتصادية ناجمة عن خوصصة العديد من الشركات وبيعها لمستثمرين أجانب مثلما وقع لشركة إسمنت المغرب الشرقي CIOR التي كانت تحتضن فريق المولودية الوجدية.

ومع بداية الألفية الثالثة وتنامي الاستخدام السياسي للرياضة عبر العالم ولكرة القدم بصفة خاصة بات مطلوبا مواكبة التطورات المستجدة في هذا المجال والانطلاق من المكتسبات التي تحققت لصياغة نظرة جديدة للرياضة من شأنها تحفيز أكبر عدد من الشباب لولوج مضمارها، واعتبار ذلك جزءا من الاستثمار في الأجيال القادمة.

ضمن هذا السياق جاء فحوى الرسالة الملكية إلى المناظرة الوطنية للرياضة المنعقدة يومي 24 و25 أكتوبر 2008، والذي لخص الهدف الأسمى من ممارسة الرياضة وتطويرها في "جعل الرياضة المغربية نموذجا متميزا، ومدرسة حقيقية للحياة وللوطنية والمواطنة وعنصرا للتلاحم الاجتماعي ورافعة لإشعاعنا الجهوي والدولي".

وبغية تحقيق هذا التوجه دعا جلالة الملك المتناظرين إلى "بلورة انطلاقة جديدة تكفل النهوض بأحوال الرياضة المغربية"، وهو ما لا يتأتى "إلا بتجاوز ما يعيقها من اختلالات منافية لنبل أهدافها، ومناقضة لدورها الحيوي في ترسيخ المواطنة الكريمة والغيرة الوطنية وبناء مجتمع ديمقراطي حداثي سليم"؛ كما أنه يستلزم وضع استراتيجية متعددة الأبعاد لهذا القطاع الحيوي كفيلة بمساعدته على "تجاوز حالة الجمود وغياب النتائج..."

وانطلاقا من القناعة بأن التعاطي للرياضة وتكوين أبطالها بات صناعة متكاملة وجه جلالة الملك المتناظرين إلى ضرورة "اتخاذ التدابير المؤسساتية والقانونية الملائمة لمواكبة التطورات المتسارعة التي تعرفها الرياضة العالمية، ولا سيما متطلبات تطوير الاحترافية"، مشددا على أن حجر الزاوية في الرياضة الحديثة هو التمويل الذي دعا إلى "تنويع مصادره سواء من خلال الرفع من الاعتمادات العمومية المخصصة لقطاع الرياضة أو بعقد شراكات بين القطاع العام والخاص..."

وعلى هدي التوجيهات الملكية صدر الظهير الشريف رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، الذي نص في ديباجته على أنه جاء في سياق تأطير ورش الرياضة باعتباره من الأوراش المجتمعية الكبرى، وأنه "يرمي إلى جعل الرياضة ركيزة من ركائز النموذج الاجتماعي المغربين وعاملا لإشعاع المغرب على المستوى العالمي".

فهل بعد عشر سنوات من الرسالة الملكية تحقق كل ما دعت إليه؟ وهل بعد أزيد من ثماني سنوات على صدور القانون الخاص بتأطير الشأن الرياضي قد حدثت الهيكلة المرجوة للنهوض برياضة النخبة بغية تحقيق النتائج التي تساهم في الإشعاع الخارجي للبلاد، ولتوسيع ممارسة رياضة الجماهير الأساسية لبناء مجتمع سليم؟

يقاس الإنجاز في المجال الرياضي بالأرقام وبالنتائج، ورغم أن موارد مالية مهمة عبئت لهذه الغاية، وأن العديد من المؤسسات الوطنية والمحلية وضعت قدر المستطاع بعضا من إمكانياتها رهن إشارة المنظومة الرياضية، فإن الحصاد كان هزيلا للغاية على أكثر من صعيد.

على صعيد التنظيم تكفي الإشارة إلى أن الشركات الرياضية المعول عليها تنمية هذا القطاع باعتباره نشاطا يدخل في إطار الصالح العام لم تر النور بعد؛ بل إن الجمعيات الرياضية بوضعها الحالي تقاعست عن تنفيذ أبسط مقتضيات القانون 30.09 وأهمها ما ورد في المادة التاسعة بخصوص تولي النساء والرجال على قدم المساواة مناصب في أجهزة إدارتها، ناهيك عن تجاهل ملاءمة نظام الانخراط المعمول به مع مقتضيات هذا القانون، هذا من دون ذكر المشاكل الضخمة التي تنخر جسم الكثير من الجامعات الرياضية المهددة بالإفلاس وبوقف النشاط بصفة نهائية (مشكلة الدراجات، مشكلة كرة السلة وغيرها).

أما على صعيد النتائج فقد شارك المغرب منذ تلك الفترة في دورتين أولمبيتين (لندن 2012 وريو دي جانيرو 2016) ولم يحصل على أي ميدالية ذهبية، وشارك في كأس عالم واحدة (موسكو 2018) بلاعبين مغاربة لا أحد يشكك في وطنيتهم ولكن أغلبيتهم الساحقة مكونين في أكاديميات بالخارج ولا يعكسون مستوى كرة القدم الوطنية أو مستوى أكاديميات التكوين الموجودة بالبلاد والمنفق على بعضها أموال طائلة. فأين الخلل إذن؟

هذا هو جوهر النقاش المفترض أن يدور على الساحة الرياضية، ولكن يبدو أن للمتهافتين على الساحة، وللمستفيدين من ريعها رأي آخر ما يزال للأسف هو السائد.