مصطفى العراقي:لقاء جنيف وإكراهاته

مصطفى العراقي:لقاء جنيف وإكراهاته مصطفى العراقي
لقاء جنيف يومي 5 و 6 دجنبر الجاري حول الصحراء قد لا يحمل جديدا عدا تأكيد مواقف واستعراض شعارات من طرف الجزائر والبوليساريو.. وهما معا سيعزفان نفس المقطوعة التي ردداها في مفاوضات وبيانات وتصريحات سابقة .
في الجلسة الأولى ستتوجه الأنظار إلى كلمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد هورست كولر ومدى ترجمته لمضامين القرارين الأخيرين لمجلس الأمن ( 2414 و 2440) اللذين رسما بوضوح موقع الجزائر من الصراع .. وماهي المقاربة التي سيتم اعتمادها لردم ما أمكن من هذه الفجوة التي اتسعت أربعة عقود بفعل نزاع مفتعل اصطنعته جارتنا الشرقية وهي مسكونة بروح الهيمنة الإقليمية التي تبنتها مؤسستها العسكرية وجعلت المس بالوحدة الترابية للمغرب أحد خياراتها...
في لقاء جنيف ستجلس الإطراف بشكل مغاير عن اللقاءات السابقة .فالمائدة المستديرة هي بشكل ما ترجمة دالة للتقريرين الأخيرين للامين العام ولقراري مجلس الأمن المتعلقين بالملف . ومعناها بأن تحضر الجزائر كطرف رئيسيي في العملية السياسية " بحسن نية، ودون شروط مسبقة وبروح التوافق" بدل الاستمرار في الاختباء وراء أطروحة أنها فقط بلد مجاور ومراقب . لكن أعتقد أن هناك معطيات تحول دون حلحلة الموقف الجزائري ودون تقدم قصر المرادية والبنية المتحكمة خطوات من أجل صياغة ملامح الحل السياسي لقضية الصحراء كما تطالب بذلك الأمم المتحدة .
أول هذه المعطيات هو توقيت لقاء جنيف. لقد تمت برمجته على بعد أربعة أشهر من الانتخابات الرئاسية الجزائرية والتي من المقرر أن تجري في أبريل المقبل.وهي انتخابات قد لا تعرف ترشحا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة. فالرجل أقعده المرض عن ممارسة مهام الرئاسة منذ خمس سنوات على الأقل . وهناك مؤشرات بأن مؤسسة الجيش تعمل على صياغة رئاسة جديدة تنهي عقدين من رئاسة بوتفليقة . وأبرز مؤشر هو ما حدث بحزب جبهة التحرير التي بادر أمينها العام جمال ولد عباس بالإعلان عن ترشح عبد العزيز بوتفليقة وتشكيل حلف حزبي لذلك وهو ماعجل بالإطاحة به من قيادة الجبهة وتنصيب معاذ بوشارب محله لأن أمر الترشيح وتنصيب الرؤساء هو حكر على المؤسسة العسكرية منذ استقلال الجزائر .
ثاني المعطيات أن الجزائر وهي عشية انتخاباتها الرئاسية وفي هذا الوضع الانتقالي لن يكون بمقدورها اتخاذ قرارات إستراتيجية في ملف الصحراء أو غيره .مثل الاستجابة للدعوة التي وجهها جلالة الملك بمناسبة خطاب الذكرى ال 43 للمسيرة الخضراء باقتراح أن تتشكل آلية بين البلدين لإيجاد حلول وتوافقات للمشاكل الثنائية ..الجزائر وبعد صمت غير معتاد دام ثلاثة أسابيع اختارت أن ترد على المقترح الملكي بما يترك الباب مفتوحا إلى ما بعد استحقاق أبريل القادم .البعض رأى بأن دعوة الجزائر لاجتماع وزراء خارجية الاتحاد المغاربي هي نوع من الرفض لمقترح جلالة الملك لكن أعتقد أن اكراهات المرحلة السياسية بهذا البلد لم تجد سقفا أعلى من الدعوة لهيكل تراه مناسبا للتداول في قضايا ثنائية ومتعددة الأطراف.
سيكون لقاء جنيف يومي الأربعاء والخميس خامس وسادس دجنبر مجرد تعبير عن مواقف في انتظار موعد جديد لن يكون له جدوى إذا ما تمت برمجته قبل ربيع السنة المقبلة..فالمؤسسة العسكرية الجزائرية اليوم منهمكة ب"صناعة" الرئيس الجديد .وهي على وعي تام بأن عهدة جديدة لبوتفليقة ستزج بالبلاد في المزيد من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت لا تطاق .وهي تعي أكثر من أي وقت مضى بأن أي امتداد للنظام الحالي هو اتساع لظاهرة الفساد الذي استشرى بهذه المؤسسة وأجج صراعات بين أجنحتها وأطاح برؤوس كثيرة خاصة في سنة 2018.