يوسف الهلالي: تغطية مظاهرات "السترات الصفراء" بفرنسا أصبح خطرا على الصحافيين

يوسف الهلالي: تغطية مظاهرات "السترات الصفراء" بفرنسا أصبح خطرا على الصحافيين
فريق تلفزي لـ "بي ايف إم" و"سي نيوز" للأخبار المستمرة بفرنسا يرافقهم حراس خاصون، ورغم ذلك، لم ينج هؤلاء الصحفيون من هجوم مجموعة هائجة من المحتجين يرتدون "السترات الصفراء" أرادت البطش بهم إلا بفضل قدرتهم على الركض والهروب بسرعة، لتتم حمايتهم من طرف الشرطة، وذلك يوم السب الماضي 24 نوفمبر، هذه الحادثة لم تقع بأحد بلدان العالم التي تعيش الفوضى والحرب أو غياب الدولة بل وقعت في فرنسا، بمدينة تولوز ولم ينج هؤلاء الصحفيين 5 إلا بفضل إطلاق سيقانهم لريح. هذا الحادث ليس منعزلا، بل أشارت النقابة الوطنية لصحافة الفرنسية لعدة اعتداءات على الصحفيين في هذه المظاهرات عبر مختلف التراب الفرنسي. وهو ما جعل بعض أندية الصحافة تدعو إلى مقاطعة تغطية احتجاجات "السترات الصفر" هو الرد الذي اختاره نادي الصحافة "بالاوسيطاني" والذي نفذته العديد من هيئات التحرير، وذلك بعد تصاعد عمليات العنف ضد الصحفيين الذين يقومون بتغطية هذه المظاهرات من خلال السب والشتم وبالضرب أحيانا، كما عكست ذلك شهادات بعض الزملاء والهجوم العنيف كما حدث بمدينة تولوز.
نفس الوضعية تعرضت الزميلة فرح زين الهاشم مراسلة تلفزيون الكويت في باريس قرب قوس النصر، عندما كانت تقوم بعملها في تغطية تظاهرة باريس وتعرضت إلى وابل من الشتم وعبارات "ادخلي إلى بلدك أيتها العربية الوسخة". وهي عبارات عنصرية لا تليق بمن يدافعون عن الحقوق الاجتماعية.
هذه الأحداث من العنف جعلت العديد من الصحفيين يخافون عن انفسهم قبل الذهاب لتغطية هذه المظاهرات رغم توفر بعضهم على حراس خاصيين كما تقوم بذلك قنوات الأخبار المستمرة. وأصبح التساؤل هو لماذا استهداف الصحفيين في هذه التظاهرات من طرف أقلية جد نشطة.
هذه الاعتداءات على الصحفيين تصاعدت مند انطلاق مظاهرات السترات الصفراء مند أسبوعين، والذي يعيب بعضهم في شبكات التواصل الاجتماعي على الصحافة عدم تتبع التظاهرات والاهتمام بهذا الحدث، البعض الاخر يعتبر الصحافة خائنة بل يعتبرها في خدمة النخبة السياسية بباريس، ولائحة الاتهامات طويلة على شبكات الفايسبوك، وهناك من يدعي أن هناك "قتلى"على اثر هذه التظاهرات لا يتحدث عنهم الإعلام وتركز هذا النقد وهذا الهجوم على قنوات الأخبار المستمرة خاصة "بي في ايم" و"سي نيوز". جميع نقبات الصحفيين الفرنسيين أدانت هذا العنف ضد الصحافة وضد أحد الأركان الأساسية لديموقراطية، والجميع في نفس الوقت يريد فهم هذه السلوكات والتي لا تعني كل المتظاهرين بل بعض الأقليات النشيطة والتي تستهدف على الخصوص الصحافة. في حركة احتجاجية غير منظمة وليس لها قيادة واضحة عدا تعيين ناطقين رسميين باسمها هذا الأسبوع، بعد مشاورات على الشبكات الاجتماعية.
طبعا الاعلام يرتكب أحيانا بعض الأخطاء حتى في التغطية، مثلا قناة "بي اف ام" تحدثت عن نزع المتظاهرين الحجارة من الطريق بشان اليزيه من اجل ضرب الشرطة وهو خطأ على اعتبار الحجارة تم نزعها من طرف مقاولة بناء لإنجاز طريق خاص بالدراجات الهوائية. والصحفي اعترف بالخطأ. ولكن خطأ الاعلام أحيانا لا يبرر الدعوة إلى العنف وإلى مهاجمة الصحفيين.
بعض المتتبعين اعتبر أن هذا العنف ضد الصحافة والإعلام، لا يقوم به كل المتظاهرين بل مجموعات محددة ومعروفة بانتماءاتها السياسية، فهذه الحركة يشارك فيها أشخاص ينتمون لمختلف أطياف المشهد السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كما هناك من يفسر هذا العنف بأجواء عامة في العالم تتميز بموضة جديدة وهي الاعتداء على الصحافيين واتهامهم بالانتماء إلى مجموعة "متآمرة" تريد "حكم العالم" وأن هناك "مؤامرة" وهي أفكار يروجها أكبر قادة العالم مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروف باصطدامه المستمر مع الصحفيين وانتقاده الشديد لهم لاعتبارات سياسية شعبوية تمكنه من ربح الأصوات بعض الناخبين الامريكين الذي لهم نفس احكام القيمة وهو نفس السلوك الذي يقوم به بولصورانو رئيس البرازيل الجديد الذي ينتمي إلى اليمين المتطرف. هذه الأجواء المعادية للإعلام بصفة عامة تغذيها أجواء أخرى وهي مرتبطة بالوضع السياسي بفرنسا حيث يوجد نوع من الازدراء والعداء لصحافة في فرنسا، منها سلوكات الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون الذي اختار منذ ولايته استدعاء بعض الصحفيين دون غيرهم لمرافقته، كما قام بعد انتخابه بإخراج مكتب الصحفيين المعتمدين من داخل قصر الاليزيه إلى مكاتب مجاورة، من أجل إبعاد الصحفيين عن مكان تواجد الرئيس وأنشطته وهي عادة بفرنسا منذ عهد الجنرال دوغول، هذا بالإضافة إلى هجومات السياسيين من اليمين ومن اليسار ضد الصحافة، منها الهجومات العنيفة والمتتالية لجون ليك ميلونشون رئيس حزب "فرنسا الابية" الذي صرح أن الصحافة تحتقر السترات الصفراء، واعتبر الصحافة هي العدو الأول لحرية التعبير." وأضاف أن الحقد على الاعلام وعلى الذين ينشطونه هي ظاهرة عادلة وصحية." واستمر في هجوماته كان آخرها هذا الأسبوع، وقال في أحد تدويناته مهاجما الصحافة بـ "حزب الاعلام" الذي يستحق "الاحتقار والاشمئزاز." واعتبر أن وسائل الاعلام التي غطت أحداث الشون اليويه بباريس السبت الماضي، كانت تحت تأثير وزير الداخلية كريسطوف كاسطنير ولم يقل كلمة تضامن واحدة حول الصحفيين الذين تعرضوا إلى الاعتداء يوم السبت الأخير.
وزير الحسابات العمومية جيرار درمنان لم يخف انتقاده للإعلام وقنوات الأخبار المستمرة في إعطاء أهمية أكبر لهذه المظاهرات التي تقوم بها السترات الصفراء، نفس الانتقادات وجهها رئيس البرلمان ريشار فيران الذي اعتبر أن قنوات الأخبار المستمرة تركز على 30 متظاهرا خلال ثماني 8 ساعات بدون انقطاع. وهو ما يعني أن الصحافة تهتم بما هو هامشي وتبرزه حسب رأيه.
السترات الصفراء هم الاخرين اتهموا الصحافة بعدم التطرق للجرحى أثناء مظاهرات باريس، جمعيات النساء بدورها قالت إن الاعلام اهتم بما تقوم به السترات الصفراء وتجاهل مظاهرة مهمة تعني بالعنف ضد النساء والتي نظمت في نفس اليوم بباريس. الفيلسوف الفرنسي المعروف ميشيل انفري اتهم بدوره الاعلام بالتعتيم على تظاهرات السترات الصفراء.
عندما نتتبع هذه الانتقادات لصحافة وتعاملها مع السترات الصفراء رغم بعض الأخطاء المهنية التي تعود لعدم معرفة الصحفيين بهذه الحركة، نلاحظ في خلال هذا الأسبوع، ان الجميع انتقد الصحافة واعتبرها غير موضوعية بل تحتقر المتظاهرين، من أهم متزعمي المعارضة جون ليك ميلونشون والذي قال في الصحافة ما لم يقله مالك في الخمر. أعضاء من الأغلبية والحكومة اعتبروا أن الصحافة اهتمت أكثر بالمتظاهرين وبتتبعهم رغم أقليتهم، جمعيات نسائية اعتبر أن الاعلام اهتم بتظاهرة السترات الصفراء ولم تهتم بتظاهرتهم الباريسية حول العنف ضد النساء. السترات الصفراء اعتبرت أن الاعلام تجاهل حركتهم ولم يغطيها بالشكل الكافي. بمعنى المتظاهرين، الحكومة والمعارضة، الجميع اتفق على انتقاد الاعلام واعتبره مقصرا في عمله، والمواقف تتراوح بين من يعتبره تجاهل أو فعل أكثر من عمله. وكما قال أحد الزملاء الجميع انتقد الاعلام لأن الاعلام ازعج الجميع وقام بدوره على أحسن ما يرام، وهو ما يجعل الاعلام مزعجا ويدفع البعض إلى ارتكاب العنف ضده من أجل اسكات من يدافع عن هذه الحقيقة. وهو ما يفسر أجواء العنف التي أصبح يتعرض لها نساء ورجال الاعلام أثناء عملهم. وهي ظاهرة أصبحت مزمنة مند عدة شهور.