عبدالله بوخريص: إصلاح التعليم العالي.. التاريخ يعيد نفسه

عبدالله بوخريص: إصلاح التعليم العالي.. التاريخ يعيد نفسه عبدالله بوخريص
خلال العقدين الأخيرين عرف قطاع التعليم العالي عدة محاولات "لإصلاح الإصلاح"لم تستطع إخراجه من الحالة المتدهورة التي يعرفها، بل زادته تعقيدا وفاقمت من أزمته البنيوية المركبة.
فملتقى مراكش ليوم 3 أكتوبر 2018 ما هو إلا مشهد جديد من هذا المسلسل. مرت مراسيمه بنفس الطريقة وبالنمطية التي عرفتها اللقاءات السالفة ويتم الإصرار على نهج نفس الطريقة في التعاطي مع قضايانا التعليمية التي حكمت التجارب السالفة. في كل محطة "إصلاحية" كان المطلوب من المكونات التربوية والتعليمية والسياسية والنقابية هو إبداء الرأي في ملخصات وتراكيب تقارير لا تشمل ما هو تحليلي وتفصيل. كلها تجارب اعتمدت المنظور الأحادي استصغارا لجل الفاعلين بمختلف توجهاتهم السياسية والنقابية لمعالجة المشاكل التعليمية تحت الضغط الخارجي.
فمن ناحية الشكل لا غرابة أن نلاحظ التشابه الكبير بين تقارير اللجن الأربعة في الصياغة والأسلوب وشمل ذلك حتى تركيب الجمل وصياغة المقترحات. فلا غرابة في ذلك ما دام المقررون ومسيرو الورشات هم رؤساء الجامعات ونوابهم وموظفي الوزارة الوصية. فكل التقارير حررت بنفس الأسلوب ونفس المنهجية في التحليل و واعتماد نفس الأسلوب في بلورة الاقتراحات والتدابير والإجراءات لنخلص إلى أن "رغم تعدد الورشات فالمقرر واحد".
أما من ناحية المضمون فقراءة التقارير الأربع تخلص إلى الملاحظات الأساسية التالية :
-لم ينوه ولو رمزيا بالمجهودات التي قام بها السيدات والسادة الأستاذة والمدرسين بجميع المستويات التعليمية في المحطات السالفة لكونهم من الدعائم الأساسية لكل إصلاح لمنظومة التربية والتكوين .
-لم يتم الاستناد في التحاليل والمقترحات والتوصيات إلى أي تقييم موضوعي وشامل للإصلاحات البيداغوجية السالفة أشارة إلى حتمية إعادة التاريخ ورغبة في ضياع للوقت للإجهاز التام على المدرسة والجامعة العموميتين.
-أن التقارير لم تكن دقيقة وواضحة في أهداف المشروع المقترح وشملت بعض الغموض والتناقضات من قبيل توحيد التعليم العالي ونوعية وطبيعة الإجازة المقترحة وعدد السنوات التي تلزم الطالب لنيلها .
-كانت بوصلة المجتمعون، حسب القارير، موجهة إلى المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح رغم أن الاجازة تعتمد في جل المؤسسات الجامعية الأخرى ذات الاستقطاب المحدود وكأنها غير معنية بالمشاكل التي تعرفها الجامعة. فكل التقارير لا تعترف بالأسباب الموضوعية التي تجعل أغلب التلاميذ ( أكثر 75%) حاملي البكالوريا يتوجهون نحو المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح .
-اجترار نفس الاسطوانة مند 2003 والتي تقوم على عدم مُلاءَمة التكوينات بالمؤسسات، ذات الاستقطاب المفتوح ، للتطورات التي يعرفها المحيط الاقتصادي والاجتماعي. وهي اسطوانة مشروخة لكون كل المدارس العليا بالمغرب تنتج البطالة رغم مهنية مسالكها وانتقاء طلبتها من المتميزين من بين الحائزين على شهادة الباكالوريا وتمتعيها بدعم مالي لا بأس به.
-وكما كان متوقعا ، فالتقارير توجه اتهاما مبطنا للأساتذة الباحثين باعتبارهم مهندسو المسالك الحالية والمتسمة بمضامين لا تخدم الأهداف الرئيسة للإصلاح . ولحل هذه الإشكالية ، وعليه توجب الانخراط في إعادة تحديد توجهات المسالك ذات الولوج المفتوح، بإحداث تخصصات جديدة على مستوى سلك الإجازة بغرض مهننتها وتمكين الطلبة من قدرة أكبر للاندماج في سوق الشغل.
-جل الورشات والتقارير توصي بتحسين العرض التربوي في التعليم العالي وبالخصوص " المؤسسات ذات الولوج المفتوح" وجعل الجامعة فضاء لتعليم ذي جودة يتيح لخريجيه أفضل فرص الاندماج في سوق الشغل وهو من باب المستحيلات ما دام المجال السوسيو اقتصادي غير مهيكل ومتردي وغير مؤهل لمسايرة التطورات الحاصلة في المجلات المهنية والتقنية دوليا، بالإضافة إلى أن الإمكانات المادية والبشرية المرصودة للمسالك والتكوينات التقنية والمهنية الموجودة حاليا لا ولن تمكن من تقديم كفاءات لها قيمتها في أي مجال يذكر.
-كل التقارير تريد أن توحي للاساتذة والرأي العام الجامعي والوطني بأن المشكل يكمن في التوجيه وفي ضرورة تطوير الكفايات الحياتية والذاتية للطلبة وذلك بتطوير مقاربات تربوية جديدة في مجال تدريس اللغات وتطوير الكفايات الحياتية والذاتية للطالب (روح المبادرة، روح العمل الجماعي، القدرة على التكيف، الريادة، الحس النقدي، الالتزام، السلوك المهني، الخ.) وتطوير هذه الكفايات في كل مراحل الإجازة. بينما المشكل يكمن في الظروف التي يتم فيه تحصيل الطالب على الوحدات الأساسية من التكوينات ومن اكتظاظ وقلة الموارد المادية والبشرية.
-ربط تعثر الطلبة في السنوات الأولى لسلك الإجازة بنتيجة صعوبة الانتقال اللغوي بين التعليم الثانوي والتعليم العالي مع اشتراط التوفر على مستوى لغوي معين للحصول على دبلوم الإجازة. لذا يتبين من خلال القراءة بين السطور ان السنة الإضافية في سلك الإجازة لن توظف في تقوية الكفايات العلمية والمعرفية لدى الطالب أكثر مما ستوظف لترويضه حتى ينصاع إلى ما يمليه عليه سوق الشغل ويرضخ إلى كل الإملاءات المجحفة في حقه وذلك بإلزامه على التكيف مع التقلبات التي ستعرفها حياته المهنية الغير مستقرة والتحلي بالسلوك المهني المطلوب في ظل عبودية تامة داخل المقاولات التي ستستغني عن خدماته في أي لحظة أوحين إذا لم يعد يخدم المصالح الخاصة للمقاولة أو لم يعد يروق لمزاج رب العمل ..
-بالنسبة للبحث العلمي ، فلم يلفت انتباه المجتمعون يوم 3 أكتوبر 2018 ووجهوا كل طاقاتهم نحو الاجازة في المؤسسات ذات الولوج المفتوح لتنكشف الحقيقة ويتضح أن هدف هذا العملية "الترقيعية" لا يندرج في إطار التطبيق الكامل لنظام LMD (إجازة - ماستر – دكتوراة). لكون عبارة "البحث العلمي " لم تر النور إلا في تقرير الورشة الرابعة التي أوصت بتشجيع البحث العلمي في مجال تطوير الكفايات الحياتية والذاتية للطلبة. لذا فالأستاذ الباحث الذي يقوم بمهمة التدريس والبحث معا غير معني وسيبقى مهمشا إلى حين، ويجب حصر مهامه في التدريس فقط.
-كل التقارير تحدثنا ضمنيا بان الجامعة التي يعنى بها " المؤسسات ذات الولوج المفتوح " تفتقد إلى الجاذبية واللمعان وكأن المتوخى من المرحلة القادمة هو تبضيع المعرفة كسلعة يجب تلميعها وتزيينها لجلب الأنظار.
-لم نكن نتوقع من مشروع بهذا الحجم أن يتعامل مع الأساتذة الباحثين ومهنتهم بهذا الأسلوب. بحيث لم يكن للأستاذ الباحث حضا أو قسطا بسيطا من التنويه للمجهودات التي بذلها لاستمراريته في ظل ظروف قاسية تحمل فيها الأساتذة الباحثون كل العناء والمشقة من اجل أداء مهامه البيداغوجية والبحث وكأن المشاكل التي يعاني منها الأساتذة وتؤرقهم كظروف العمل وضعف الإمكانيات المادية والبشرية لا تأثير لها على المنظومة .