الحق في التواصل مع الله!

الحق في التواصل مع الله! عبد الرحيم أريري

إذا أسقطنا الموانئ، نجد أن ربع الرافعات المسخرة في قطاع البناء والإنشاء بالمغرب توجد حاليا بتراب عمالة عين الشق بالدار البيضاء لوحدها، علما أن انتصاب الرافعات في مدينة ما يعد أحد أهم المؤشرات على وجود دينامية عمرانية وتعميرية واقتصادية مع ما يستتبع ذلك من رواج وحيوية.

وإذا أسقطنا الضرائب المحولة لمدينة الدار البيضاء من طرف الخزينة العامة للمملكة (ضريبة السكن والضريبة المهنية والرسم على الخدمات)، نجد أن أهم مورد مالي ينعش مدينة البيضاء هو الرسم المفروض على الأراضي غير المبنية TNB الذي تعد عمالة عين الشق أحد أهم المضخات المالية لهذا الرسم بالمدينة، إذ تساهم عين الشق بحوالي الثلث من مجموع مداخيل TNB بالبيضاء البالغة حوالي 16 مليار سنويا.

وإذا أسقطنا 102 ألف أسرة بيضاوية تقطن بالصفيح لا تساهم بأي ضريبة في المجهود الإنفاقي للدولة وللمدينة، وأسقطنا 100 ألف أسرة تقطن في أحياء هشة أو ناقصة التجهيز بالبيضاء لا تخضع لأي تكليف ضريبي، وأسقطنا حوالي 40 ألف أسرة بيضاوية يقتات أربابها من أنشطة غير مهيكلة ومنفلتة من كل مسارب تضريب الأنشطة (نسبة للضريبة)، سنجد أن الباقي من الأسر البيضاوية التي تساهم في الضريبة يبلغ بالكاد 70 في المائة (تضم الدار البيضاء 819 ألف أسرة). ورغم أن عمالة عين الشق لا تضم سوى 10 في المائة من مجموع الأسر بالدار البيضاء، فإن حصة مساهمة أسر عين الشق في المداخيل الضريبية تمثل حوالي الربع بالنظر إلى كون عمالة عين الشق تعد من أهم العمالات الحاضنة لطبقة متوسطة منتجة وفاعلة في الاقتصاد المحلي والوطني ومتملكة للسكن وللنشاط الاقتصادي الخاضع للتضريب.

لكن المفارقة أن هذه العمالة المتميزة بكل هذه المقومات، لا تحظى بالاهتمام اللازم بمكانتها. فباستثناء منطقة كاليفورنيا التي كان يسكن فيها عمدة الدار البيضاء السابق الذي استغل منصبه ليحول لحي كاليفورنيا الاستثمارات والموارد لتهيئتها وتزيينها إلى حد التخمة، فإن باقي أحياء عمالة عين الشق لا يطالب سكانها سوى بـ "التعادل" وليس بالإنصاف عبر برمجة المشاريع المهيكلة لفك العزلة عن الأحواض الإنتاجية والاقتصادية الموجودة بها (نموذج حي سيدي معروف المحاصر)، بل بلغت «الحكرة» بسكان عمالة عين الشق لأن يخفضوا مستوى مطالبهم وانتظاراتهم إلى التماس تدخل السلطة المحلية لتحرير مداخل المساجد من احتلال الباعة المتجولين فقط.

فإذا كانت معظم مساجد المملكة عرضة لانتهاك حرماتها من طرف الباعة المتجولين، فإن الأمر في عمالة عين الشق أفظع وأقبح، إذ لم يكتف الباعة المتجولون باحتلال الشارع العام فحسب، بل وبنوا متاجر عشوائية قرب فضاء المسجد وربط الحمير والبغال بجوار «بيوت الله» بشكل يثير التقزز والغثيان على اعتبار أن المسجد يرمز في المتخيل الشعبي المغربي إلى الطهارة والنظافة، وليس إلى النجاسة والتعفن. وحسبنا هنا الإشارة إلى ما يجري بتراب حي العمارية وجنان كاليفورنيا وشارع بغداد أو الأدارسة أو ديور مسجد الكرعاني وغيرها من مواقع عمالة عين الشق التي بحت حناجر سكانها بالاستنكار والاحتجاج دون أن تقوم السلطة المحلية بواجبها في تحرير المساجد من غزو حمير الباعة المتجولين، اللهم إذا كان هناك مخطط لدى السلطة المحلية بهذه العمالة في أن تحول المساجد من بيوت للعبادة إلى اسطبلات للحمير والبغال أو أماكن لتخزين سلع الباعة المتجولين.

نعم، يعتبر الباعة المتجولون (وغيرهم من ممتهني أنشطة غير مهيكلة) سوطا بيد السلطة المحلية لمواجهة خصومها لترويضهم أو التشويش عليهم، لكن (وإلى أن يثبت العكس) فسكان عمالة عين الشق ليسوا خصما للدولة أو خصما للمدينة، بل معظمهم أناس منتجون ومساهمون في التكاليف الضريبية.

ومن العار أن تحلب الحكومة والبلدية سكان عمالة عين الشق وتحرمهم من أبسط حق من حقوق الإنسان، ألا وهو "الحق في التواصل مع الله"!