بعد عام من دراسة تخصص المرافقين الاجتماعيين، هذا التخصص المرتبط بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن وكل الأشخاص في وضعية هشة داخل المجتمع، بعد عام من الدراسة والبحث حول كل ما يتعلق بهذه الفئات، وجدت نفسي أشارك في قضية هؤلاء الأشخاص، أشارك فيها باهتمامي وطموحي ومواقفي ورغبتي في أن تنجح قضية هؤلاء الأشخاص على أرض الواقع، حتى يتسنى لنا أن نكون أمام مجتمع يدرك قيمة الأفراد، وأفراد يعيشون في ظل حقوق الإنسان. ويتمثل جزء من مهام المرافقين الاجتماعيين في المرافقة والاعتناء بذوي الاحتياجات الخاصة والأشخاص كبار السن، وهذه المهام ليست حكرا على المرافقين الاجتماعيين فقط، بل هي واجب كل فرد ينتمي إلى المجتمع، ذلك أن هذه الفئات تنتمي إلى المجتمع، ولا يعقل أن نكون وسط مجتمع تعيش فيه بعض الفئات على الهامش.
ولهذا كان لزاما أن ننظر في هذه الفئات، من أجل دمجهم وإدماجهم ومشاركتهم الفعالة في المجتمع دون تمييز، ويمكن درج مهمة إدماجهم أساسا ضمن مسؤولية المرافقين الاجتماعيين، لكن هذه المسؤولية صعبة إذا لم يساهم المجتمع بدوره في ذلك، لكن مساهمة هذا المجتمع رهينة بالوعي المجتمعي.. فإذا كان هذا الوعي لا يليق بما ينبغي أن تكون عليه حقوق الانسان، فيجب أن نحاول بكل الممكنات أن نجعل هذا الوعي الجمعي يساير حقوق الإنسان بعيدا عن التهميش والإقصاء والتمييز، ومن أجل العدل والمساواة والمشاركة الفعالة. ففي ظل هذه القيم الإنسانية، يمكن أن نتحدث عن مجتمع واع منفتح يتم التعامل فيه مع الأفراد على قدم المساواة، كما تتم فيه مساندة ومناصرة الأشخاص في وضعية هشة باعتبارهم جزء من المجتمع، وذلك عن طريق التضامن معهم والضغط على الجهات المعنية من أجل توفير الولوجيات بالنسبة لهم، كحق ضروري لضمان استقلاليتهم، ولكي يجدوا سبيلا ممكنا إلى الحياة باستقلالية تامة.
هذه القضية تبقى قضية معقدة في ظل الغموض الذي يحول دون أن تنجح هذه القضية على أرض الواقع، وفي هذا الصدد لابد من البحث عن حلول ناجعة يمكن أن ترقى بالأشخاص في وضعية إعاقة بالمغرب.. وإذا كنا نتحدث عن المغرب، فإن الإشكالية مطروحة أكثر من أي وقت مضى، لأن مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة وبروتوكولها الاختياري سنة 2008، ثم ما جاء في دستور 2011 حول عدم التمييز والتركيز على قضية الإعاقة في الفصل 34 من هذا الدستور، ثم صدور القانون الإطار 97/13 سنة 2014 الذي يهدف إلى حماية وتعزيز حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة... كل هذه الإيجابيات التي تسير فيها قضية الإعاقة في المغرب جيدة، لكنها لم تأت أكلها ونجاعتها بعد، فرغم صدور قوانين تهم الأشخاص في وضعية إعاقة إلا أن ذلك لا يكفي في ظل المعاناة التي ظلت ملتصقة بهؤلاء الأشخاص على مستوى الولوجيات والخدمات المتعلقة بالتشغيل والصحة والتعليم، كل هذه المسائل تضع قضية الإعاقة بين قوسين، وتدفعنا باعتبارنا جزء من هذه القضية إلى تبني أفكار إيجابية حول هذه القضية، ومحاولة المساهمة بكل الممكنات من أجل إيجاد حلول ناجعة لمناصرة حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.
تندرج قضية الإعاقة ضمن القضايا الأساسية داخل المجتمع، هذه القضية قد لا تجد من يتبناها داخل المجتمع بناء على التمثلاث السلبية لهذه القضية، وبالتالي وجب تغيير العقليات المجتمعية نحو تبني رؤية إيجابية للقضية المعنية، وبوضوح.. فقضية الإعاقة لا يتم التعامل معها كما ينبغي وسط المجتمع، ولقد حان الوقت لإحلال المقاربة الحقوقية للأشخاص ذوي الإعاقة، وتجاوز المقاربة الإحسانية والطبية والاجتماعية.. ففي ظل ما تسعى إليه المجتمعات في مجال حقوق الإنسان، كان لزاما علينا أن ننخرط في هذا السعي، وأن نحاول التركيز على مسألة حقوق الإنسان.. ولعل قضية الإعاقة يمكن درجها في صميم هذه الحقوق، وباعتبار الإعاقة جزء من التنوع البشري كان لزاما التعامل مع الأشخاص في وضعية إعاقة في إطار حقوق الإنسان، وضرورة جعل هذه الحقوق في متناولهم، لأنه لا فرق بينهم وبين الآخرين، من هذه الزاوية ينبغي تغيير الوعي الجمعي في صالح الأشخاص في وضعية إعاقة، وتشديد العقوبات على الأشخاص الذين يتعاملون مع هؤلاء الأشخاص بدونية وتمييز وعدم احترام لكرامتهم الإنسانية.
لم ينحصر تخصص المرافقين الاجتماعيين على قضية الإعاقة، بل إنه يشمل كل الفئات الهشة، ولعل أبرزها هي قضية الأشخاص كبار السن، هذه القضية بدورها تتعقد، وبنفس تعقيدها يجد الأشخاص كبار السن أنفسهم أمام إشكاليات تهم صحتهم ومسألة الاعتناء بهم.. فالوصول إلى مرحلة الشيخوخة هو أمر حتمي، هذه المرحلة هي أصعب المراحل وأقساها في ظل غياب ظروف يمكن أن تسهل حياة كبار السن، ولأن الظروف لا تكون أحيانا كما نشتهي، فإن قضية كبار السن تطرح إشكالات عميقة حول مصير الأشخاص الذين لا تسعفهم الظروف في النيل من الحياة، في هذه النقطة برزت قضية الشيخوخة إلى الواجهة، لأننا قد لا نكون أما شخص يحتاج رعاية طبية واجتماعية فحسب، بل قد نكون أمام شخص كبير السن في وضعية إعاقة. هنا تتعقد المسألة فنجد أنفسنا أمام إشكاليتين؛ الإعاقة والشيخوخة، وباعتبارهما متشابكتان، فإنهما تفرضان علينا -باعتبارنا مرافقين اجتماعيين، وباعتبارنا نحمل هذه القضية ضمن مهامنا أن نولي كامل اهتمامنا ووقتنا إلى الأشخاص كبار السن، ومسألة الاهتمام بهم ليست سهلة كما تمارسها العائلات التي يكون لديها شخص من هذه الفئة.. فغالبا ما يجهلون الطرق الملائمة للتعامل مع كبار السن. ومن هذه الطرق الملائمة هي: تشجيعهم على ممارسة الرياضة، ومحاولة توفير المسائل التي يمكن أن تسعفهم صحيا، ثم محاولة تشجيعهم على استخدام ذاكرتهم حتى لا يصبحوا عرضة للزهايمر، والتركيز على كل التفاصيل المتعلقة بصحتهم ونفسيتهم... هكذا يتضح أننا أمام قضية إنسانية، تستدعي منا أن نوليها كل تركيزنا وأن نحاول المشاركة فيها بكل ما أوتينا من نصائح ورغبة في جعل الأشخاص كبار السن يرغبون في أكبر قدر من الحياة.