قراءة في بروفيلات جنيرالات البحرية الملكية

قراءة في بروفيلات جنيرالات البحرية الملكية من اليمين: الأميرال العلمي، الأميرال الغماري، والأميرال برادة

إذا كانت كل الجيوش بالعالم تتميز باختيار شعار لها (سيف ـ صقر...إلخ)، فإن البحرية الملكية لو كتب لها أن تغير شعارها لما تردد المشرع في منحها شعار "الصفيحة" أو "الكف"، بالنظر لما يرمز له هذان الشعاران في الثقافة الشعبية بالمغرب. فالصفيحة أو الكف هما الحجاب الذي يقي الفرد من "الحساد" ومن "العين".

فباستعراض خاطف للمسار المهني لكل من تعاقب على الإمساك بـ "عرش" البحرية الملكية نجد أن لا أحد يخلد في المنصب. فإذا استثنينا الكولونيل "شوفاليي" الذي أعارته فرنسا للمغرب لقيادة البحرية الملكية في بداية الاستقلال في انتظار تكوين ضابط مغربي مؤهل، نلاحظ أن كل مفتشي البحرية عرفوا النهاية نفسها، أي عدم المكوث طويلا في المهمة.

فها هو ليوتنان كولونيل إدريس أبارودي الذي ساهم في تأسيس اللبنات الأولى للبحرية يجد نفسه في متاهة تصفية ما خلفه انقلاب الصخيرات ضد الملك الراحل الحسن الثاني، حيث تم إعفاؤه من مهامه ليخلفه الكولونيل عزيز العلوي. هذا الأخير الذي عاصر نهضة البحرية الملكية بتزامن مع صحوة الدول العالمثالثية بالأمم المتحدة للاهتمام بالبحر لم يشذ عن القاعدة، إذ بسبب خطأ في البروتوكول أثناء استقبال الحسن الثاني لأحد الضيوف تم التشطيب على الكولونيل عزيز من هرم البحرية عام 1979، أما الكولونيل حسن أو حيرة الذي عايش استرجاع وادي الذهب وبناء القاعدة العسكرية البحرية الرابعة بالداخلة فلم يكن حظه هو الآخر أحسن من زملائه السابقين، إذ تم إعفاء ابن والماس من مهامه بشكل لم يكن متوقعا.

في عام 1991 طاف الحسن الثاني بسهول عبدة فوقع اختياره على محمد التريكي ليسند له مهام "المفتش العام للبحرية".

الاختيار أملته عدة اعتبارات، من أهمها أن المغرب من جهة والجزائر والبوليساريو من جهة ثانية دخلوا في هدنة بعد أن أقرت الأمم المتحدة وقف إطلاق النار، وهي محطة سمحت للبحرية الملكية  بأن تراجع خططها واستراتيجيتها لتقييم ما كان يتم تنفيذه في وقت الحرب، الاعتبار الثاني يتجلى في أن المغرب - وبعد استرجاع وادي الذهب واتساع مساحته البحرية - بدأ يسيل لعاب الدول الأوربية لما تمتاز به شواطئ الأقاليم الجنوبية من ثروة سمكية هائلة، فكان لابد من رجل يعي حجم الرهان، خاصة أن محمد التريكي خريج الملاحة التجارية بالأساس، ولابد للجيش من إطار قادر على الإمساك بالخيوط بمرونة حتى لا تصطدم مصالح المغرب مع مصالح القوى الأوربية التي عبأت كل أساطيلها المدنية وسخرتها للاصطياد بالممر الفاصل بين أكادير والداخلة.

"الهدنة المهنية" التي عرفها سلاح البحرية الملكية جعلت الأوساط العسكرية تتفاءل وتتنفس الصعداء من "النحس" الذي يطارد كل من تولى قيادة البحرية. وذهب البعض إلى القول إن "البحرية آن لها اليوم أن تشهد نهاية مشرفة لكل قائد لها". الاطمئنان زاد من رسوخه مبادرة الملك محمد السادس إلى ترقية محمد التريكي إلى رتبة جنيرال دوديفيزيون أثناء رئاسته حفل تخرج فوج "مكة المكرمة "يوم 31 يوليوز 2004، إذ لم يسبق نهائيا في تاريخ البحرية الملكية أن تسلق مسؤول بها هذه الرتبة (في العرف العسكري ينادي على حامل هذه الصفة بـ "أميرال"). فأرقى رتبة وصل إليها ضباط البحرية هي "كولونيل" عكس الجيوش الأخرى: البرية والجوية التي تشكو تضخما في رتب الجنيرالات والكولونيل ماجور.

فظهير 5 غشت 1974 الذي سنه الملك الراحل عقب انقلاب أوفقير (قانون الانضباط العام في حظيرة القوات المسلحة الملكية) نص في فصله الخامس على مطابقة الرتب العليا داخل كل صنف بالجيش (بري ـ بحري ـ جوي) وحدد صفة "نائب أميرال" (أو فيس أميرال) لكل ضابط بالبحرية يحصل على رتبة جنيرال دوديفزيون(جنيرال قائد فريق)، لكن مضمون هذا الظهير ظل غير مفعل لسبب بسيط، وهو أن البحرية لم تكن تتوفر على ضابط يحمل هذه الرتبة (اللهم الجنيرال محمد المرابط (أميرال) ولذلك بقي جنود البحرية منذ أبريل 1960 إلى يوليوز 2004 يشكون خصاصا في "المعجم العسكري" لعدم قدرتهم على النطق بلفظة "نعم، أميرال" (oui, Amiral) إسوة بحوالي 200 ألف جندي بالقوات البرية والجوية الذين "تعودت ألسنتهم" على النطق بلفظة   (oui, mon   général)

فرحة جنود البحرية بـ "غنى قاموسهم اللغوي" لم تدم طويلا، إذ في الأسبوع الثاني من شهر يونيو 2005 سيهتز الوسط العسكري لشيوع نبأ عزل الأميرال محمد التريكي من مهامه كمفتش للبحرية الملكية وتعويضه بالكولونيل ماجور محمد برادة (قائد المنطقة البحرية الجنوبية).

المفتش برادة لم يعمر طويلا في منصبه، إذ في عام 2009 سيتم إعفاؤه وتعيين "الكونتر أميرال" محمد الغماري مكانه.

ترقية الغماري إلى رتبة "فيس أميرال" عام 2012 (أي جنرال دو ديفيزيون في الجيش البري)، وانخراطه في أجرأة خطة السلطات العمومية لعصرنة وتجهيز البحرية الملكية بالفرقاطات والمعدات المتطورة أعطى الانطباع أن الأميرال الغماري قد يمكث طويلا في منصب المفتش العام للبحرية الملكية ، لكن هذا الانطباع سرعان ما تبدد، ليكرس بذلك القاعدة المتمثلة في أن مقعد المفتش العام للبحرية الملكية هو "مقعد لافظ" EJECTABLE، بدليل أن الأميرال الغماري سرعان ما تم إعفاؤه هو الآخر في يوليوز 2016 وتعيين الجنرال مصطفى العلمي مفتشا جديدا للبحرية الملكية، وهو المسؤول العسكري الذي مازال يمارسه مهامه بهذا السلك إلى يوم تحرير هذه الورقة ( أي 9 أكتوبر 2018).