من جملة النقط التي ركزت عليها لجنة الدفاع عن توفيق بوعشرين خلال ندوتها الصحفية انتقاد سرية الجلسات، حيث قالت بأنه لم يعد هناك ما يبرر عقد جلسات سرية بعد عرض الفيديوهات، فهل لهذه الإنتقادات ما يسندها من الناحية القانونية ؟
أولا، يؤسفني كأستاذ لقانون المسطرة الجنائية منذ تقريبا ثلاثة عقود، وكأحد كبار الخبراء في هذا الباب في المغرب، أن أقرأ بلاغ لجمعية يراد لها أن تدافع حقوق الإنسان وتضمن بلاغاتها الموجهة الى الرأي العام الدولي أولا وللرأي العام الوطني ثانيا، أخطاء فادحة هدفها هو الإضرار من جهة بالجهاز القضائي، ومن جهة ثانية حينما تضمن مثل هذه التقارير معطيات غير حقيقية وغير مطابقة لما يقضي به القانون المغربي، فهذا يعني أن هذا النوع من التقارير هي من ما يستعمل عادة من لدن أشخاص ذوي نوايا سيئة على الصعيد الدولي لجلد المغرب، وأنا جد متأسف لقراءة بلاغ مصاغ من لدن أشخاص يصنفون أنفسهم من دعاة حقوق الإنسان وفي نفس الوقت يلجئون الى أساليب لا علاقة لها بالدفاع عن حقوق الإنسان، لأنه يفترض في من يدافع عن حقوق الإنسان أن يكون صادقا وصريحا، وأن يذكر المعطيات كما هي. البلاغ كما سأوضح تضمن جملة من الأمور الخاطئة التي لايرتكبها الطلبة المبتدئون في كلية الحقوق، ربها هدفها غير ما هو معلن عنه. وفيما يتعلق بسؤالك حول سرية التحقيق، أذكر المنتقدين أنهم ينصبون أنفسهم مكان المحكمة وهذا هو الخطير في الأمر، فهم يقررون متى يجب أن تكون الجلسات سرية ومتى يجب أن تكون علنية. في كل الأنظمة القضائية معروف أن المحكمة حينما تتخذ قرارا فإنها تتخذه في إطار سلطتها التقديرية في إطار ما يبدو لها أنه ملائم لتلك القضية، فهؤلاء انتقدوا واستنكروا سابقا لجوء المحكمة الى سرية الجلسات وتناسوا أن قانون المسطرة الجنائية المغربي وقانون المسطرة الجنائية الفرنسي نفسه وغيره من القوانين المقارنة في الدول الأكثر تقدما في مجال حقوق الإنسان تنص على سرية الجلسات لحماية إما أعراض الناس أو الأخلاق أوالنظام العام وغيرها من الإعتبارات التي تبرر لجوء المحكمة الى سرية الجلسات، والمتهم يؤازر من طرف هيئة دفاعه ويتقدم بكل الدفوعات التي يراها جديرة بأن تقدم أمام هيئة المحكمة وفي كل الأنظمة القضائية وللمحكمة أن تقرر الأخذ بها أو ردها ولهم أن يسلكوا طرق الطعن بموجبها، فإذن ومن وجهة نظري فدواعي سرية التحقيق مازالت قائمة لأن المطالبين بالحق المدني سوف يحاولون إقناع هيئة المحكمة في مرافعاتهم بجسامة الجرائم المرتكبة وسوف يتعرضون لبعض الممارسات التي ارتكبها المتهم، وبالتالي فسرية الجلسات لها ما يبررها.
في ضوء ما ذكرته، هل يمكن القول أن سرية الجلسات لا تمس بضمانات المحاكمة العادلة ؟
لجنة الدفاع عن بوعشرين ذكرت في بلاغها أن هذه المحاكمة لا تحقق شروط المحاكمة العادلة وأتمنى من هؤلاء أن تتاح لهم الفرصة لكي يحضروا محاضراتي من أجل فهم مفهوم ضمانات المحاكمة العادلة، لأن المفهوم السوقي لضمانات المحاكمة العادلة يعبر عن سطحية دعاة حقوق الإنسان ببلادنا، فهم يستعملون بطريقة مبتذلة وغير علمية و بعيدة عن ما هو متعارف عليها دوليا ضمانات المحاكمة العادلة، والمحاكمة العادلة لا تعني أكثر من أن يتقيد القاضي بالتطبيق السليم للقانون أما صياغة ضمانات المحاكمة العادلة فهي من شأن المشرع والقاضي لا يشرع الضمانات بل يطبقها وينحصر دوره في تطبيق ماهو متاح في النصوص التشريعية.
وما تعليقك على انتقادات اللجنة بخصوص الخبرة حيث اعتبرت أن الخبرة لم تأتي بجواب عن سؤال : هل الشخص الذي يظهر في الفيديوهات هو توفيق بوعشرين ؟
هذا المسألة تؤكد سطحية المستوى المعرفي لهذه اللجنة، فهم أولا لا علاقة لهم بقانون المسطرة الجنائية وكان عليهم أن يستدعوا خبراء لتنويرهم في هذا الباب، فمعلوم أن المحكمة حينما تأمر فإنها ترفقها بسؤال أو سؤالين أو ثلاث وعلى الجهة الموكول إليها إنجاز الخبرة أن تجيب عنها، وأعتقد أنه لم يصدر في قرار إجراء الخبرة ما يفيد الجواب عن سؤال هل المتهم الذي يظهر في الأشرطة هو توفيق بوعشرين، المحكمة أمرت بإجراء خبرة للتأكد من ما اذا كانت الأشرطة مفبركة أم لا، ومعلوم أن الخبير سواء في قانون المسطرة الجنائية أو قانون المسطرة المدنية ينبغي عليه أن لايتعدى النطاق الذي حددته له المحكمة، وإلا فإن الخبرة تعد باطلة وبناءا عليه فالخبرة أتت دقيقة في حدود السؤال المطروح وفي نطاق التكليف الذي أمرت به المحكمة، وأعتقد أن الخبرة التقنية تقيدت بالأمر القاضي بإجراء خبرة المأمور به من طرف المحكمة، وبالتالي لايمكنها أن تجيب عن أسئلة لم توجه إليها من طرف المحكمة.
نفس اللجنة أشارت الى كون اعتقال المتهم كان تحكمي مبررة موقفها بكون الأمر بإيداعه السجن صدر عن الوكيل العام للملك والنيابة العامة بدل قضاة الأحكام، مارأيك ؟
أولا أجيب الشخص المعني بطرح هذه النقطة، بالقول بأنه للنيابة العامة أن تصدر سندات الاعتقال وهي الأمر بالإيداع بالسجن، ومعلوم أن المشرع المغربي منح لوكيل الملك في إطار المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية
والوكيل العام للملك في إطار المادة 73 من نفس القانون سلطة الأمر بالإيداع بالسجن، معناه أن النيابة العامة تملك صلاحية إعمال سلطتها المطابقة للقانون باعتقال الأشخاص ولايمكن أن يوصف هذا الإعتقال بالتعسفي لأنه حينما يقدم المتهم المأمور باعتقاله الى مؤسسة السجن فيجب على الشرطة أن تدلي لمدير المؤسسة السجنية بالأمر بإيداع المتهم السجن المختوم من طرف النيابة العامة لكي يقبل إيداع المتهم داخل مؤسسته، وأعتقد أن هذا الشخص الذي يحاول أن يروج لأخبار زائفة ينبغي أن يتابع في إطار دولة الحق والقانون، واذا كان جاهلا فينبغي أن تنظم له دورات تكوينية من طرف الجمعية التي ينتسب لها، لأنه من غير المعقول أن يكون هناك أناس يعتبرون أنفسهم حماة حقوق الإنسان وهم يجهلون أبسط أبجديات القانون..لا سيدي، إن سندات الإعتقال تصدر من طرف الوكيل العام ومن طرف وكيل الملك ومن طرف قاضي التحقيق والوكيل العام حينما يعيد استنطاق المتهم بعد تقديمه في إطار البحث التمهيدي إما أن يتابعه في حالة سراح وإما أن يتابعه في حالة اعتقال، وفي هذه الحالة فإنه يكون مضطرا الى توقيع الأمر بإيداعه السجن، وهذه الأبجديات يعرفها حق المعرفة الطلبة المبتدئون في كلية الحقوق.